بعد أكثر من عقدين على إطلاقه، يكشف برنامج "مدن بدون صفيح" في شمال المغرب عن تباين واضح بين مدن كبرى أعلنت خلوها من البناء العشوائي، وأخرى لا تزال ترزح تحت ثقل الأحياء القصديرية. ففي حين حسمت مدينتا طنجةوتطوان موقعها على خارطة النجاح الحضري، لا تزال مدن متوسطة مثل العرائشوأصيلة تلاحق مواعيد مؤجلة لإعادة الإيواء، في مفارقة تضع البرنامج في قلب سؤال العدالة المجالية. وفي رد مباشر على سؤال برلماني، أوضح كاتب الدولة المكلف بالإسكان، أديب بن إبراهيم، أن برنامج "مدن بدون صفيح" مكّن إلى حدود ماي 2025 من إعلان 62 مدينة ومركزا حضريا بدون صفيح، وتحسين ظروف سكن أكثر من 366 ألف أسرة. وأشار إلى أن وتيرة الإنجاز تسارعت بشكل ملحوظ، حيث انتقل عدد الأسر المستفيدة من حوالي 6200 أسرة سنويا خلال الفترة 2018-2021، إلى ما يناهز 18500 أسرة خلال الفترة بين نونبر 2021 وماي 2025. وأضاف المسؤول الحكومي أن حوالي 74 ألف أسرة حاليا معنية بوحدات سكنية منجزة أو في طور الإنجاز، مشددا على أن الحكومة تراهن على برنامج خماسي (2024-2028) يستهدف إعادة إسكان 120 ألف أسرة عبر مقاربة جديدة تقوم على الدعم المباشر وتعبئة الشقق المنتجة من طرف المنعشين العقاريين. لكن على الأرض، لا تعكس هذه الأرقام صورة موحدة. في تطوان، التي أُعلنت "مدينة بدون صفيح" منذ 2017، تم تفكيك جميع الأحياء القصديرية، فيما اعتُبر نموذجا ناجحا للتنزيل المحلي. وفي طنجة، أسفرت عمليات الهدم وإعادة الإيواء، خصوصا في أحياء بني مكادة ومسنانة، عن تصنيف المدينة خالية من الصفيح في السنة نفسها، رغم غياب تقييمات مفصلة حول جودة السكن البديل واستقرار المستفيدين. في المقابل، لم تشفع عقود الانخراط المبكر لمدينة العرائش في البرنامج، إذ لا تزال أحياء مثل "جنان بيضاوة" و"الكواش" و"كلاوية" قائمة، في ظل تعثر واضح للمشاريع المتفق عليها منذ سنوات. وتعيش الأسر المعنية بين الانتظار والغموض، وسط احتجاجات متكررة على تأخر التنفيذ وضعف البنية التحتية. أما مدينة أصيلة، الأصغر حجما والأقل ضغطا سياسيا، فلا تزال أحياء صفيحية بارزة مثل "مرج بوطيب" و"غدير لكناوي" قائمة، رغم مرور أكثر من خمس عشرة سنة على توقيع أول اتفاقية للقضاء على الصفيح بالمدينة. وتشير مصادر محلية إلى أن أكثر من 1400 أسرة ما زالت تنتظر الترحيل أو التسوية القانونية لوضعيتها. ويُعزى هذا التفاوت، بحسب مهتمين بالشأن المحلي، إلى منطق تراتبي في التدبير المجالي، حيث تحظى المدن الكبرى بعناية مضاعفة نظرا لوزنها الديمغرافي والسياحي والإداري، بينما تتأخر المشاريع في المدن المتوسطة بسبب بطء المساطر العقارية، وتباين أولويات الفاعلين الترابيين، وغياب ضغط سياسي كاف لتحريك الملفات. ورغم تعهد الوزارة بتسريع الوتيرة خلال السنوات المقبلة، إلا أن واقع الحال في شمال المغرب يضع البرنامج أمام اختبار حقيقي. فنجاح التجربة لا يُقاس بعدد المدن المعلنة فقط، بل بقدرتها على تحقيق الإنصاف المجالي، وتمكين جميع الأسر المعنية من سكن لائق، بغض النظر عن المدينة التي ينتمون إليها.