على بعد كيلومترات من الضفة الإسبانية، حيث ينساب الاستثمار السياحي على طول "كوستا ديل صول"، يمتد الشريط الساحلي لإقليم الفحص أنجرة بمؤهلات طبيعية يصعب إنكارها، لكن دون مرافق منظمة، ولا رؤية واضحة لتأهيله كوجهة متوسطية حقيقية. في "واد ليان"، أكبر الفضاءات الشاطئية بالإقليم وأكثرها اكتظاظا خلال الصيف، لا شيء يدل على أن المنطقة استوعبت بعد دروس الجوار. هنا، تتحول الأوعية العقارية المجاورة إلى مواقف سيارات بقدرة العادة، وتقطع المسافة نحو الشاطئ عبر ممرات غير معبدة، بينما تغيب أي علامة تدل على مسؤولية تنظيمية واضحة. كل شيء يترك لاجتهاد المصطافين، تماما كما كان منذ سنوات. أما على الضفة المقابلة، فشبكات النقل السياحي تتكامل مع خدمات التوجيه، لتقود الزائر في سلاسة نحو شواطئ أندلسية مهيكلة حتى في تفاصيلها الدقيقة. ولا يختلف المشهد كثيرا على امتداد "الطريق الوطنية رقم 16″، التي تخترق الواجهة الساحلية لإقليم "الفحص أنجرة" من "سيدي قنقوش" إلى "واد المرسى". فبمجرد مغادرة طنجة، تبدأ المفارقات في التراكم: شواطئ جذابة من حيث الطبيعة، لكنها غير مؤطرة من حيث الولوج أو الاستقبال. أسماء مثل "الزرارع"، "القصر الصغير"، "الديكي" و"الدالية"، تحضر كل صيف في أحاديث الزوار، لكنها تغيب عن أي خريطة استثمارية جادة أو رؤية مجالية واضحة. وفي الجهة الأخرى من المتوسط، تعد "كوستا ديل صول" نموذجا لواجهة بحرية استطاعت أن تزاوج بين الجمال الطبيعي والبنية المتكاملة. من "ماربيا" إلى "مالقة"، تسير التنمية بتناسق: مسالك منظمة، خدمات متاحة، وترويج ذكي يحول الشاطئ إلى مورد اقتصادي دائم. أما على هذه الضفاف، فلا تزال المؤهلات الطبيعية تستنزف موسميا، في غياب أي تثمين مؤسساتي يرقى لحجم الإمكانيات. وتتعقد الصورة أكثر مع تراجع عدد الشواطئ المصنفة بيئيا. فباستثناء "شاطئ الدالية"، لم تحصل أي نقطة أخرى هذا الموسم على شارة "اللواء الأزرق"، بعدما كانت "سيدي قنقوش" و"واد ليان" ضمن اللائحة. حيث يلخص هذا الانحدار اختلالا في تدبير معايير النظافة والسلامة والولوجيات، ويعكس محدودية الاستثمار في التأهيل المستدام، مقابل الاعتماد المتكرر على جهود ظرفية. في لحظات صفاء البحر، حين تبرز سواحل الجنوب الإسباني بالعين المجردة، تصبح المفارقة أكثر قسوة. هنا طبيعة خلابة تبحث عن إطار، وهناك بنية جاهزة تصنع من البحر اقتصادا دائما. هكذا يواصل الشريط الساحلي لإقليم "الفحص أنجرة"، صيفا بعد آخر، النظر صوب "كوستا ديل صول" دون أن يلتحق بها.