في سابقة لا تخلو من التهكم الرخيص، نشر موقع "كود" محتوى يصف فيه ساكنة مدينة طنجة ب"منوضين قربالة"، متهكما على أصوات مدنية وسياسية تعبّر عن مواقفها في إطار النقاش العمومي، ومتهماً باقي مدن المملكة ضمنياً ب"قلة الذوق"، في انزلاق لغوي يعكس استخفافاً بثقافة المغاربة واختلافاتهم الجهوية المشروعة. ولئن كان النقاش العمومي مفتوحاً على اختلاف الآراء، فإن الانحدار إلى توصيفات تنضح بالتحقير، كما جاء في المقال المشار إليه، يمسُّ بكرامة مدينة تُعد منارة في التاريخ المغربي الحديث، وفضاءً للتنوع الثقافي والرصانة المدنية. لقد تناسى كاتب المقال أن طنجة، بتاريخها الأندلسي العريق، وأدوارها في الثقافة والسياسة والمقاومة، لا تختزلها منشورات سريعة ولا تعليقات سطحية. أما أن يُزَجّ بمدينة فاس، الحاضرة العلمية والروحية للمملكة، في تعابير تبخيسية لا تليق بموقع يُفترض فيه الحد الأدنى من المسؤولية التحريرية، فذلك يفتح الباب على خطاب استعلائي لا يستقيم مع السياق الوطني، ولا مع قيم التقدير المتبادل بين أبناء هذا الوطن الواحد. ما ورد في المقال لا يمكن أن يُفهم إلا كمؤشر على انزلاق تحريري يفتقر إلى الحد الأدنى من الحس بالمسؤولية المهنية. فالرأي حين يُغذّى بالتحامل ويُصاغ بنَفَس استعلائي، يفقد قيمته ويتحول إلى تمرين في التنمر المجاني، لا يخدم إلا الأهواء الضيقة لمن اختاروا الاصطياد في المياه العكرة. حرية التعبير لا تعني أبداً التنقيص من مدن المغاربة ولا السخرية من ذوقهم وثقافتهم. منابر الإعلام وُجدت لتقوية الوصل بين مكونات هذا الوطن، لا لتأجيج الفُرقة بين أبنائه، ولا لتسويق صور نمطية تُلحق الضرر بما تبقى من رصيد الاحترام المتبادل.