يتقاطع المحافظ والمتحرر في صيف المضيقالفنيدق على شريط ساحلي لا يتسع للتمثلات المتباينة، لكنه يحتملها. فبين اسر تبحث عن مصيف هادئ يستعيد طقوس العطلة العائلية، ومصطافين يختبرون حدود الانفلات في سلوكهم ومظهرهم ونمط عيشهم، تتحول المنطقة الى مرآة مصغرة لتحولات المجتمع المغربي، حيث لا تحسم الهوية الجماعية بسهولة، ولا تضبط العلاقة مع الفضاء العمومي بضوابط ثابتة. في مرتيل كما في كابو نيغرو والمضيق، تتجاور العبايات مع الشورتات القصيرة، والسهرات العائلية مع الموسيقى الشعبية المنبعثة من المقاهي المكتظة، دون صدام مباشر، ولكن في ظل توتر ثقافي محسوس. فالفترة الصيفية ترفع السقف، وتسمح بتعبيرات لا تظهر في باقي فصول السنة، لتتحول المدينة الى مسرح مفتوح لانماط سلوكية متداخلة، تحاول السلطات احتواءها بالتنظيم اكثر من المواكبة. "نأتي كل صيف الى هنا لاننا نعتبر المضيق امتدادا طبيعيا للبيت، لكن الاجواء تغيرت كثيرا"، تقول نادية، موظفة من مكناس تقضي عطلتها رفقة اسرتها في شقة مفروشة قرب مرتيل. وتضيف هذه السيدة الاربعينية القادمة مع عائلتها "هناك انفلات واضح في اللباس والسلوك، ونحن لا نطلب التشدد، لكن على الأقل شيئا من الاحترام المتبادل في الفضاء المشترك". في الجهة المقابلة، لا يرى يوسف، طالب جامعي من فاس، اي مبرر للانزعاج. يقول وهو يتجول رفقة اصدقائه في كورنيش كابو نيغرو: "المغرب بلد متنوع، وكل واحد حر في اسلوبه. الصيف وقت للانطلاق، وليس للتقيد بقوالب اجتماعية ثابتة". ويضيف ضاحكا: "الناس كتجي ترتاح، وكل واحد وكيفاش كيفهم الراحة". ورغم هذا التباين، تواصل المنطقة فرض نفسها كوجهة اولى للسياحة الداخلية، مدفوعة بقربها الجغرافي من مدن الداخل، وتكلفة الاقامة المقبولة نسبيا، ووفرة الشقق المفروشة. لكن مع كل صيف، تعود نفس الاشكالات: غلاء الكراء، فوضى السماسرة، ضعف التأطير، وغياب رؤية واضحة لتدبير الضغط المتزايد على الخدمات والبنيات التحتية. الطريق الساحلي يختنق يوميا، لا سيما عند مدخلي مرتيلوالمضيق، حيث تتعطل حركة السير لساعات، ويزداد الوضع سوءا مع ارتفاع اعداد الزوار، دون ان تنجح التوسعات او الحملات الامنية في ضمان انسيابية حقيقية. وفي المساء، تعج الكورنيشات بحركة راجلة كثيفة تمتد حتى ساعات متأخرة، في اجواء نشطة يغيب عنها، الى حدود الآن، اي حضور لافت للانشطة المؤطرة او العروض الفنية المعلنة. "لم نعد نميز بين سائح جاء مع اسرته ومراهق يبحث عن الصخب"، يقول عبد الصمد، بائع متجول في الفنيدق، ويضيف بنبرة فيها شيء من المرارة: "نحن نعيش على الموسم، لكننا لا نتحكم فيه. نربح النهار ونخسر الاحترام". الشقق المفروشة تظل الفضاء المفضل للمبيت، وغالبا دون عقود او مراقبة، حيث تفرض الاسعار بحسب المزاج والطلب، حيث تنتشر وساطة غير رسمية تتحكم في مفاتيح الدخول الى هذه السوق التي تفوق بكثير قدرات العرض الفندقي المحدود، مما يحول الاقامة الصيفية الى تجربة غير مستقرة، حتى لمن اعتاد المنطقة. ورغم كل مظاهر الضغط والتناقض، يحتفظ صيف المضيقالفنيدق بجاذبيته. فالمنطقة لا تزال تمنح لزوارها لحظات استجمام، ومتعة البحر، وهواء الغروب، وارتباكا لذيذا في فهم من نحن، وما الذي نريده بالضبط من فضاءاتنا العمومية .. صيف تختلط فيه النوايا، وتتجاور فيه التقاليد والتحرر، بلا إعلام ولا قطيعة، ولكن أيضا بلا انسجام.