وصلت أسعار منتوج البيض، منذ بداية الصيف الجاري، إلى مستويات غير معتادة في مختلف الأسواق المغربية، وسط تزايد مخاوف المستهلكين من اضطراب في تموين هذه المادة الأساسية. ويأتي هذا الارتفاع الذي تجاوز 1.60 درهم للوحدة في بعض المناطق، في لحظة يُفترض فيها أن تكون شروط الإنتاج أكثر ملاءمة من أي وقت مضى، بالنظر إلى الانخفاض المسجل في أسعار المواد الأولية دوليا، واستمرار الامتيازات الضريبية والجمركية لفائدة الفاعلين في القطاع. - إعلان - وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تُترجم هذه المؤشرات إلى انخفاض في أسعار البيع بالتقسيط، بقيت الأسعار مرتفعة، بل وتزايدت في بعض المدن الكبرى، دون تقديم أي تبرير رسمي من قبل الجهات الوصية. ويُسلّط هذا التناقض بين وفرة العرض المفترضة وارتفاع الأسعار الضوء من جديد على الهشاشة التنظيمية التي تطبع سلاسل الإنتاج والتوزيع في السوق المغربي، ويُغذي الشكوك بشأن وجود ممارسات تجارية غير تنافسية، وفق توصيف فاعلين جمعويين. وفي غياب أي تواصل رسمي من وزارة الفلاحة أو مجلس المنافسة، تصاعدت الأصوات المدنية التي تطالب بتدخل عاجل لحماية القدرة الشرائية وضمان الشفافية في تدبير منتوج يُعدّ عنصرا رئيسيا في النظام الغذائي اليومي للمواطنين، خصوصاً في الأوساط ذات الدخل المحدود. وتُحذّر هذه الأصوات من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يُحوّل مادة البيض من منتوج أساسي متاح إلى سلعة تخضع لأهواء الحلقة الأقوى في السوق. ضمن هذا السياق، نددت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة، في مراسلات متزامنة إلى وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة ومجلس المنافسة، بما وصفته ب"تواطؤ محتمل بين منتجين كبار وموزعين"، معتبرة أن الأسعار الحالية لا تعكس لا منطق السوق ولا مؤشرات الإنتاج. وذهبت الرابطة إلى حد المطالبة بفتح تحقيق مستقل في شبهات تتعلق بإتلاف متعمد لأمهات الدجاج البياض، وهي ممارسة يجري تداولها بين المهنيين كمبرر لخلق نقص اصطناعي في العرض وفرض أسعار مرتفعة دون مرجعية إنتاجية. وتوقفت مراسلات الرابطة عند نقطتين اعتبرتهما جوهريتين: أولا، غياب أثر ملموس للدعم الحكومي – سواء عبر الإعفاءات الجمركية أو الامتيازات الضريبية – على أسعار المستهلك، مما يثير شبهة توظيف الريع العمومي لتعظيم الأرباح الخاصة؛ وثانيا، صمت مجلس المنافسة الذي لم يُصدر إلى حدود الساعة أي موقف رسمي تجاه ما تعتبره الجمعية "تفاهمات غير مشروعة" تُجهض مبادئ المنافسة الحرة في السوق الوطنية. ويقترح المكتب التنفيذي للرابطة العودة إلى إجراءات سبق اعتمادها سنة 2016، حين قررت الدولة تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد بيض الاستهلاك، ما أدى حينها إلى تراجع الأسعار واستعادة التوازن بين العرض والطلب. كما تدعو إلى فتح الاستيراد أمام جميع التجار المعتمدين، لا فقط عبر القنوات الكبرى، من أجل تنويع مصادر التموين وإرغام المنتجين المحليين على مراجعة هوامشهم الربحية. في المقابل، يعتبر بعض المهنيين في قطاع تربية الدواجن أن الارتفاع الأخير في الأسعار "ليس خارجًا عن السياق"، بل يُعزى إلى "دورة إنتاجية مضطربة"، مشيرين إلى أن عدد الدجاج البياض قد تراجع خلال الأشهر الماضية بسبب تغيّرات مناخية واختلالات في دورة الأعلاف. ويؤكد أحد المسؤولين في تعاونية إنتاجية بمنطقة الغرب أن الأسعار مرشحة للانخفاض "بمجرد استقرار دورة الإمداد منتصف الخريف"، معتبرا أن الحديث عن مؤامرة أو تلاعب "ينقصه الدليل المؤسسي". غير أن هذه الرواية لا تقنع عددا من المستهلكين الذين يرون أن الممارسات الاحتكارية في قطاع الأغذية تتكرر في أكثر من منتوج، خصوصا مع ضعف تدخل الدولة في تنظيم السوق الداخلية. ويشير أحد الزبائن في سوق شعبي بمدينة طنجة إلى أن "ثمن البيض صار يتغير بشكل غير مفهوم من يوم لآخر"، متسائلا: "كيف يمكن أن ينخفض ثمن العلف ولا ينخفض البيض؟". في ظل هذه المعطيات المتضاربة، تبدو أزمة تموين البيض نموذجا مصغرا لاختلالات أوسع في سلسلة التموين الغذائي بالمغرب، حيث تتقاطع تقلبات السوق مع ضعف الرقابة، واحتكار بعض الفاعلين لمفاتيح العرض. وبينما ينتظر الرأي العام تحركا واضحا من السلطات، تزداد المخاوف من أن تُعمّق هذه الأزمة الهوة بين السياسات الفلاحية المعلنة وواقع الأسعار على مائدة المواطن المغربي.