رغم موقعها الفريد المطل على مضيق جبل طارق وسواحلها الممتدة على واجهتين، الأطلسية والمتوسطية، ما تزال طنجة تعيش على رصيدها الطبيعي والتاريخي دون أن تنجح في تطوير منتوج سياحي متجدد يجذب الزوار ويمدد إقامتهم. ففي كل صيف، يتقاطر السياح الأجانب والمغاربة على الكورنيش والشواطئ الرئيسية، فيما تبقى المدينة العتيقة وأسواقها التقليدية الوجهة الثانية الأكثر استقطابا. - إعلان - غير أن العروض الترفيهية والثقافية تبقى محدودة، ما يجعل تجربة السياح أقرب إلى زيارة قصيرة لا تتجاوز بضعة أيام. "جئت من إسبانيا لأمضي عطلة نهاية الأسبوع هنا، البحر جميل والمدينة العتيقة ساحرة، لكن بعد يومين لا يوجد الكثير لأفعله"، تقول إيزابيل، سائحة من مدريد، قبل أن تضيف بابتسامة: "في برشلونة مثلا، أجد جولات ثقافية، عروضاً موسيقية، ومتاحف، بينما هنا يظل النشاط مقتصرا على البحر والمقاهي". ويقرّ مهنيون في القطاع أن المدينة تفتقد إلى بنية ترفيهية حديثة من قبيل الحدائق المائية وفضاءات العرض الثقافي والمراكز التفاعلية، في وقت تراهن فيه مدن مغربية أخرى على مهرجانات ومبادرات فنية كبرى لتعزيز جاذبيتها. "طنجة لا تزال تعتمد على البحر والكورنيش، بينما يحتاج السائح إلى تجربة كاملة تتنوع بين الثقافة والترفيه"، يقول أحد الفاعلين المحليين. كما أن الترويج السياحي الخارجي يظل محدودا مقارنة بمراكش وأكادير، إذ لا توجد حملات كبرى تعرّف بالمدينة في الأسواق الأوروبية، رغم موقعها الجغرافي الذي يجعلها بوابة طبيعية بين القارتين. ويعبر أحمد، مهاجر مغربي مقيم في بلجيكا، عن انطباع مشابه: "نحب العودة إلى طنجة كل صيف لأنها مدينة قريبة من أوروبا، لكن عندما نأتي مع الأطفال نصطدم بغياب فضاءات ترفيهية منظمة، فلا حدائق كبرى ولا أنشطة موجهة للعائلات". ويرى مراقبون أن غياب المسؤولين المحليين عن ابتكار رؤية متكاملة يضع المدينة في وضعية مفارقة: مقصد سياحي عالمي من حيث المؤهلات، لكنه يفتقر إلى الإبداع المؤسساتي القادر على تحويله إلى قطب سياحي منافس في حوض المتوسط. ففي مدن مثل نابولي أو مالقة، يتنقل السائح بين البحر، المتاحف، الفعاليات الثقافية والمطابخ المحلية، ما يطيل مدة الإقامة ويضاعف العائدات. أما الرهانات المقبلة لطنجة، وفق خبراء، فتتمثل في الاستثمار في السياحة الثقافية من خلال إحياء الموروث الأندلسي واليهودي وفتح مسارات موجهة في المدينة العتيقة، وتطوير السياحة البحرية عبر رحلات القوارب والتجارب الترفيهية المرتبطة بالمضيق، فضلا عن السياحة البيئية باستثمار غابات الرميلات وكاب سبارطيل في جولات وممرات سياحية. وبينما تتواصل الأشغال في مشاريع عمرانية كبرى، من موانئ وطرق ومناطق حضرية جديدة، يظل التحدي الأكبر هو الانتقال من سياحة عابرة إلى صناعة سياحية متكاملة تجعل من طنجة مدينة متوسطية نابضة بالحياة، لا مجرد محطة صيفية عابرة.