افتتحت بمدينة أصيلة، الجمعة، الدورتها الخريفية للموسم الثقافي الدولي السادس والأربعين، بندوة تكريمية استثنائية خُصصت لاستحضار سيرة مؤسس الموسم ووزير الثقافة والدبلوماسي الراحل محمد بن عيسى. وأقيمت الندوة، التي حملت عنوان "محمد بن عيسى.. رجل الدولة وأيقونة الثقافة"، ضمن فقرة "خيمة الإبداع"، بمشاركة عدد من أصدقاء وزملاء الفقيد من المغرب وخارجه. وستخصص الندوة على امتداد ثلاث جلسات نقاشية، لاستعراض محطات من مسيرة الراحل، الذي ظل طيلة أكثر من أربعة عقود أحد أبرز وجوه العمل الثقافي والدبلوماسي في المملكة. شريط وثائقي استُهل به اللقاء، عرض أبرز لحظات مسيرة بن عيسى، من بداياته في السلك الدبلوماسي إلى مسؤولياته الوزارية، وصولا إلى تأسيسه لمؤسسة منتدى أصيلة سنة 1978، وتحويله الموسم إلى منصة حوار دولية تجمع مفكرين وفنانين من مختلف القارات. وفي كلمته الافتتاحية، وصف الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، حاتم البطيوي، اللحظة ب"الانتقالية والمحمّلة بالرمزية"، مشيرا إلى أن الدورة الحالية "انعقدت كما خطط لها الفقيد، دون زيادة أو نقصان، في وفاء مؤسساتي وأخلاقي لما أنجزه الفقيد". وأوضح البطيوي أن اختيار افتتاح الدورة بندوة تكريمية لم يكن وليد الظرف، بل جزء من وفاء ثقافي أوسع، وقال: "ارتأينا أن نفتتحها بخيمة الإبداع، استحضارًا لجهوده الممتدة في بناء مشروع ثقافي تجاوز المدينة وأصبح ملكًا لفكرة الانفتاح ذاته". وأضاف أن الراحل كان قد أشرف على إعداد تفاصيل هذه الدورة بنفسه، قبل رحيله بأسابيع قليلة، وأن المؤسسة واجهت تحديا صعبا تمثل في "تدارك الفراغ الذي خلّفه الغياب المفاجئ"، لكنه شدد على أن "مدرسة محمد بن عيسى أثمرت رجالا ونساءً أوفياء، ما سمح بتحقيق الاستمرارية رغم الحزن العميق". وفي تصريح لجريدة "طنجة 24" الإلكترونية، أكد البطيوي أن الدورة الحالية تمثل لحظة انتقالية دقيقة، تزاوج بين "الاستمرارية والانفتاح على رؤية جديدة تستشرف المستقبل"، موضحا أن المؤسسة ستعمل على "إعادة قراءة تجربة الموسم الثقافي في ضوء التحولات الراهنة، مع توسيع دائرة المشاركة، وتعزيز حضور الشباب. واستحضر البطيوي في تصريحه الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس للموسم، معبرا عن "اعتزاز المؤسسة بهذا الدعم الملكي الموصول، الذي يمنح الموسم بعده الاستراتيجي ويكرّس مكانة الثقافة ضمن رؤية التنمية الوطنية". وأضاف أن "الهوية الثقافية للموسم ستظل حاضرة، لكن بروح من التجديد والإشراك وتوسيع النقاش، في وفاء تام لنهج المؤسس وقيمه"، مشيرا إلى أن روح أصيلة "ستستمر كأفق حضاري، لا كبرنامج ظرفي، لأنها تعبّر عن مشروع ثقافي مغربي بامتداد إنساني". وفي كلمات أُلقيت بالمناسبة، قدم مشاركون في الجلسة الافتتاحية، التي حضرها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إلى جانب شخصيات سياسية وفكرية وفنية من داخل المغرب وخارجه، شهادات مؤثرة في حق الراحل محمد بن عيسى، مشيدين بمساره المتميز كرجل دولة جمع بين المسؤولية العمومية والرؤية الثقافية الخلّاقة. وأجمع المتدخلون على أن بن عيسى كان من طينة الشخصيات المؤسسة، التي تركت أثرًا عميقًا في وجدان المدينة، وفي الذاكرة الثقافية للمغرب الحديث، منوهين بما أرساه من تقاليد راسخة في التبادل الثقافي والانفتاح على الآخر، دون تفريط في الخصوصية الوطنية. واعتبر العديد من المتدخلين أن موسم أصيلة لم يكن مجرد تظاهرة، بل تجربة ممتدة في الزمن، ساهمت في تعزيز الحضور المغربي في فضاءات الحوار الثقافي العالمي، من خلال بناء جسور بين المثقفين والدبلوماسيين والفنانين، وترسيخ منطق الشراكة الثقافية بين الجنوب والشمال. الدورة، التي تستمر حتى 12 أكتوبر، تعرف تنظيم مجموعة من الندوات والأنشطة الفنية والتربوية، من بينها ندوة فكرية بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد حول الفضاء الأطلسي، وأخرى حول العلاقة بين الفن وسلطة التقنية، بالإضافة إلى معارض تشكيلية، وورشات مخصصة للأطفال واليافعين. وإلى جانب البرنامج الخريفي، سبق لمؤسسة منتدى أصيلة أن نظمت خلال العام ذاته دورتين ربيعية وصيفية، تركزت أنشطتهما على الفنون التشكيلية والجداريات وورشات الكتابة والمسرح، مما يعكس التزامًا مستمرًا بتنمية الثقافة محليًا، وتثبيت موقع أصيلة على خارطة الفعل الثقافي الدولي.