تبرز مدينة طنجة، خلال خريف 2025، كواحدة من المدن التي تعيش على إيقاع "السرعتين"، حيث تتنامى جاذبيتها العالمية كوجهة للرفاهية، بالتوازي مع ارتفاع فاتورة العيش اليومي للمواطنين، مما يضع الساكنة المحلية أمام اختبار صعب للمواءمة بين متطلبات الحياة في حاضرة عالمية ومحدودية الدخل المحلي. وتستند هذه القراءة إلى بيانات دقيقة نشرتها قاعدة البيانات الدولية "نامبيو" (Numbeo) المتخصصة في رصد تكاليف المعيشة، والتي أظهرت في تحديثها لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تباينا صارخا في القدرة الشرائية. ووفقا للمنصة، يحتاج الشخص الواحد من الساكنة المحلية إلى ما يقارب 5900 درهم شهريا (نحو 590 دولارا) لتغطية نفقاته الأساسية دون احتساب الإيجار، في حين تشير تقديرات منصة "نوماد ليست" (Nomad List) الموجهة للعمل عن بعد، إلى أن نمط العيش المريح للأجانب في المدينة يتطلب ميزانية تتراوح بين 11 ألف و14 ألف درهم. وينعكس هذا التفاوت بوضوح في سوق العقار، حيث تفيد إحصائيات البوابات العقارية المهنية ومكاتب الوساطة في المدينة بأن متوسط إيجار الشقق المفروشة في الأحياء الساحلية مثل "ملابطا" تجاوز سقف 7000 درهم، مدفوعا بطلب الفئات الوافدة. وفي المقابل، تظهر عروض الإيجار في الأحياء الداخلية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية استقرارا نسبيا عند حدود 3400 درهم. وعلى مستوى الاستهلاك اليومي، رصدت تقارير مهنية من داخل أسواق الجملة ونصف الجملة بطنجة زيادات في أسعار المواد الغذائية الطازجة. وعزت مصادر من رابطات تجار السمك واللحوم هذه الزيادة إلى ارتفاع الطلب من قبل الوحدات الفندقية والمطاعم المصنفة التي تستحوذ على حصة كبيرة من العرض المتاح، مما أدى إلى رفع تكلفة وجبة الغداء العادية في مطاعم وسط المدينة لتتراوح بين 60 و80 درهما. وفي سياق متصل، تؤكد بيانات قطاع الخدمات التعليمية والترفيهية اتجاه المدينة نحو خصخصة متزايدة لجودة الحياة، حيث سجلت رسوم المدارس الخاصة والنوادي الرياضية في الأحياء الجديدة مستويات تضاهي نظيراتها في العواصم الأوروبية. ويخلص المراقبون إلى أن طنجة تعيش مرحلة انتقالية حرجة، تتحول فيها من مدينة ساحلية ميسورة إلى قطب ميتروبوليتاني يفرض معايير استهلاكية عالمية قد لا تقوى الطبقة المتوسطة المحلية على مجاراتها طويلا.