وسط زقاق ضيق قرب السوق المركزي في طنجة، يستلقي رجل أربعيني فوق كرتون مهترئ، يلف جسده بغطاء خفيف لا يقي برد الليل إلى جانبه، حقيبة بلاستيكية تحوي كل ما يملك. تمر السيارات من حوله، ويخطو المارة بسرعة، دون أن يلتفتوا. مع أولى موجات البرد التي تعرفها المدينة الساحلية، تعود ظاهرة المبيت في الشارع إلى الواجهة. في ساعات الليل، يتحول محيط الساحات الكبرى ومحطات الحافلات إلى ملجأ مؤقت لأشخاص بلا مأوى. بعضهم مهاجرون من جنوب الصحراء، وآخرون مغاربة لفظتهم الهشاشة الاجتماعية إلى الهامش. منذ سنوات، تسجّل طنجة حضورًا متكررًا لهؤلاء الأشخاص في فضاءها العام. يختار بعضهم الزوايا الخلفية للمساجد، وآخرون الأرصفة تحت مصابيح الشوارع. بعضهم يضع كرتونة، وآخرون يكتفون بأكياس بلاستيكية. الليل هنا ليس مجرد نهاية نهار، بل اختبار لقدرة الجسد على الصمود. في لقاء مع أحد الفاعلين المدنيين، أكد أن الظاهرة ليست جديدة، لكنها تأخذ أبعادًا أكثر حدة مع انخفاض درجات الحرارة. وقال: "لدينا حالات لأشخاص يمضون ليالٍ كاملة دون طعام أو غطاء، ومنهم من يعاني أمراضًا عقلية دون رعاية". رغم جهود السلطات في نقل بعض هؤلاء إلى مراكز الإيواء، يبقى عدد الأماكن محدودًا. كما أن بعض من يعيشون في الشارع يرفضون الانتقال إلى المراكز، بسبب فقدان الثقة أو مشاكل نفسية. في شارع باستور، شوهدت امرأة في الخمسين من عمرها تجلس القرفصاء قرب بنك مغلق. تهمس بكلمات غير مفهومة، بينما تلتف حولها أكياس كثيرة. يقول صاحب محل قريب إنها "تأتي كل مساء منذ أسابيع وتنام هنا حتى الفجر". وتشير معطيات غير رسمية إلى أن المدينة تضم عشرات الأشخاص دون مأوى دائم، بينهم نساء ومسنون وأطفال. وتزداد أعدادهم في الشتاء بسبب صعوبة التنقل خارج المدينة أو فقدان فرص عمل موسمية. في الجانب الآخر، تحاول بعض الجمعيات سد هذا الفراغ عبر توزيع الأغطية والطعام. لكن جهودها تظل محدودة. يقول أحد المتطوعين: "لا يمكننا تغطية جميع النقاط، نركز على الحالات الأشد تضررًا، خاصة الأطفال والنساء". مع دخول الشتاء، تعود الأسئلة نفسها: من يحمي هؤلاء؟ كيف يمكن للمدينة أن توازن بين صورتها السياحية ومشهد البرد القاسي في زواياها؟ في ظل غياب سياسة إدماج متكاملة، تبقى الأرصفة مأوى مؤقتًا، والليل اختبارًا متكررًا للكرامة