فقد المغرب، مساء اليوم الإثنين، أحد أبرز أعلام الفكر والأدب والتاريخ، بوفاة الأستاذ عبد الحق المريني، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقًا، ومدير التشريفات الملكية والأوسمة، ومؤرخ المملكة، عن سن ناهز 91 عامًا، بعد مسيرة زاخرة بالعطاء العلمي والثقافي امتدت لأزيد من نصف قرن. ولد الفقيد في الرباط يوم 31 ماي 1934، ونشأ في كنف العلم مبكرًا، حيث ختم القرآن الكريم ونسخ أجزاءه الستين بخط يده، قبل أن يلتحق بمؤسسات التعليم العالي ويواصل تكوينه العلمي بين المغرب وفرنسا. نال دبلوم معهد الدراسات العليا المغربية سنة 1960، والإجازة في الأدب العربي عام 1962، ثم دبلوم الدراسات العليا من جامعة ستراسبورغ سنة 1966، فالدكتوراه سنة 1973، وأخيرًا دكتوراه الدولة سنة 1989 من جامعة فاس. عرف المريني بمسار إداري وأكاديمي رفيع، فقد اشتغل أستاذًا ومؤطرًا ومؤلفًا وباحثًا، وتقلّد مناصب متعددة داخل دواليب الدولة، من بينها مدير للتشريفات الملكية والأوسمة، ثم ناطقًا رسميًا باسم القصر الملكي ابتداءً من 29 أكتوبر 2012، بعد سبع سنوات من شغور المنصب. انخرط الراحل أيضًا في العمل الثقافي والفكري، من خلال عضويته باتحاد كتاب المغرب منذ 1973، وحرّر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات المغربية والعربية، كما ترك خلفه مكتبة من المؤلفات النفيسة التي أرّخت لمراحل حساسة من تاريخ المغرب، أبرزها: الجيش المغربي عبر التاريخ، مدخل إلى تاريخ المغرب الحديث، شعر الجهاد في الأدب المغربي، الشاي في الأدب المغربي، والحسنيات. كان عبد الحق المريني شاهدًا على تحولات المغرب المعاصر، وناقلًا أمينًا لذاكرة الدولة ورجالاتها، وأحد القلائل الذين جمعوا بين خدمة الدولة وخدمة المعرفة في آنٍ واحد. برحيله، يفقد المغرب رجلًا ترك بصمة فكرية رصينة، وسيرة علمية وإدارية قل نظيرها، وذاكرة حيّة من ذاكرات المملكة.