اعتقال الرئيس السابق لجماعة بني ملال ومسؤولين آخرين على خلفية اختلاس وتبديد أموال عمومية    الأمن المغربي يكشف عن سيارة ذكية تتعرف على الوجوه وتلاحق المبحوث عنهم في الميدان    مرصد: النسيج المقاولاتي يستعيد ديناميته بإحداث نحو 24 ألف مقاولة سنويا    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    غزة.. مقتل 19 فلسطينيا في قصف جديد والإمارات تتفق مع إسرائيل لإدخال مساعدات إنسانية    ترامب يعلن بناء الولايات المتحدة درعا صاروخية تحت مسمى "القبة الذهبية"    طقس الأربعاء.. أجواء حارة نسبياً وزخات رعدية بالأطلس    جنرالات الجزائر.. كيف يستغلون الشعب الجزائري كدرع بشري لحماية مصالحهم    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    ناصر بوريطة: البعض يزايد باسم فلسطين دون أن يقدّم حتى كيس أرز    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق    الصويرة: وفود 15 بلدا إفريقيا يشاركون في الدورة ال11 للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات    إقرار مشروع قانون المسطرة الجنائية    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    إيقاف دراجة نارية قادمة من القصر الكبير ومحجوزات خطيرة بالسد القضائي    سي إن إن: معلومات أمريكية تشير إلى تجهيز إسرائيل لضربة على منشآت نووية إيرانية    الحسيمة تحتضن مؤتمرا دوليا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    الوداد يفسخ عقد موكوينا بالتراضي    لقجع يحث "الأشبال" على الجدية    أداء إيجابي لبورصة الدار البيضاء    منح الترخيص لأول مقاولة للخدمات الطاقية بالمغرب    السغروشني: مناظرة الذكاء الاصطناعي قادمة.. والأمازيغية تنال عناية الحكومة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    العرائش تحتفي ب20 سنة من التنمية    متهم بالاختطاف والتعذيب وطلبة فدية.. استئنافية الحسيمة تدين "بزناس" ب20 سنة سجناً    مؤلم.. عشريني ينهي حياة والده بطعنة قاتلة    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    الأغلبية بمجلس النواب تؤازر الوزير وهبي لإخراج مشروع المسطرة الجنائية    وزيرة الخارجية الفلسطينية تشكر الملك محمد السادس لدعمه القضية الفلسطينية والدفع نحو حل الدولتين    حديث الصمت    استثمار تاريخي بقيمة 15 مليار دولار ينطلق بالمغرب ويعد بتحول اقتصادي غير مسبوق    أخنوش: إصلاح التعليم خيار سيادي وأولوية وطنية    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    وزير العدل: كنت سأستغرب لو وقع نواب "الاتحاد الاشتراكي" مع المعارضة على ملتمس الرقابة    ثلاثة مراسيم على طاولة المجلس الحكومي    نقل إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى زنجبار    تلك الرائحة    كيف تعمل الألعاب الإلكترونية على تمكين الشباب المغربي؟    انقطاع واسع في خدمات الهاتف والإنترنت يضرب إسبانيا    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    الوداد الرياضي يُحدد موعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية    40.1% نسبة ملء السدود في المغرب    بوريطة: لا رابح في الحرب وحل الدولتين هو المفتاح الوحيد لأمن المنطقة واستقرارها    صلاح رابع لاعب أفريقي يصل إلى 300 مباراة في الدوري الإنجليزي    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    91 شهيدا اليوم في غزة وناتنياهو يعلن توجهه للسيطرة على كامل أراضي القطاع    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من خليج الخنازير إلى أوكرانيا.. استمرار توازن الرعب ونظام عالمي جديد في الأفق

كثيرا ما نستحضر لعبة الشطرنج عند الحديث عن إدارة النزاعات والملفات السياسية الكبرى ونُسْهب في مدى تماهي خطط اللعب والتكتيكات وتراتبية الفاعلين الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي وغيرهم…

وما نعيشه اليوم من سيل جارف من المعلومات حول الحرب الساخنة في أوكرانيا وتعدد القراءات سواء حول أسباب نزولها أو حول مآلات الصراع الدائر هناك… يجعلنا بحق أمام لعبة شطرنج سياسية من نوع جديد ترتكز على خلفية صراع سياسي وأيديولوجيا قديم... عرف أول بداياته مع نهاية الحرب العالمية الثانية، مرورا بالحرب الباردة وسقوط حائط برلين وتسمية موسكو" الوريث الوحيد" لكل تركة الاتحاد السوفياتي بما فيها الترسانة العسكرية وخاصة الأسلحة النووية والعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي أي "حق الفيتو"… في مقابل ذلك انضمام العديد من بلدان المعسكر الشرقي إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي "الناتو".
لذلك، لا يمكن الجزم والقول بأن يوم 24 فبراير من سنة 2022، هو يوم إعلان الحرب باجتياح القوات الروسية للحدود السيادية لدولة أوكرانيا، بل هو فقط حلقة ضمن مسلسل طويل من التصعيد والتهديد وتبادل الرعب، توقف قليلا في محطة جزيرة القرم سنة 2014 بفصلها عن أوكرانيا وضمها لروسيا وتوقيع "معاهدة مينسك" عاصمة بيلاروسيا… وهي المعاهدة التي أجًلت الصراع ولم تُنهه، لأنها تضمنت قراءات تختلف حسب مصالح كل جهة، فأوكرانيا كانت تفضل ترتيب العملية العسكرية أولا ثم السياسية ثانيًا، أي إجلاء القوات الروسية ومليشيات الانفصاليين ثم إجراء انتخابات حرة تحت الحكم الفيدرالي الأوكراني، في حين أن روسيا كانت تفضل العملية السياسية أولا ثم العسكرية ثانيا، أي إجراء الانتخابات أولا ثم العملية العسكرية بمغادرة القوات الروسية… وهو ما يعني استمرار التوتر في المنطقة… وصولا إلى أبريل من سنة 2019 والفوز الكاسح للممثل "فلوديمير زيلينسكي" ذو الميولات الغربية على "بيترو بوروشينكو" بنسبة كبيرة.
لتأتي خطوة موسكو بإرسال الجيوش إلى الحدود الأوكرانية مع مراسلة إلى كل من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في نهاية سنة 2021، تضمنت شروطا جديدة عرت عن بعض حقائق الصراع، وهي وقف انضمام دول المعسكر الشرقي السابق إلى حلف الناتو ومراجعة خريطة الصواريخ الأمريكية بدول أوروبا… ستتبعها منذ العاشر من يناير 2022 سلسلة من اللقاءات والمفاوضات سواءً حضورية وعن بعد بين مسؤولين روس وأمريكيين وقادة الناتو… لكن دون نتيجة واضحة والعودة للنقطة الصفر…
ومن جديد سنعود للعبة الشطرنج بتحريك ملفات وفاعلين وبتوظيف قوة الإعلام بما فيها ترويج الأخبار الزائفة، وتحريك الآلة الدبلوماسية وتوظيف فضاءات استقبال الرئيس بوتين لضيوفه في تأجيج الصراع مثل جلوسه بعيدا عن الرئيس الفرنسي ماكرون علي طرفيْ طاولة كبيرة، فسرها العديد من المحللين بتباعد وجهات النظر بين الروس والأوروبيين في الملف الأوكراني أو خرقه للأعراف الدبلوماسية بخروجه منفردا بعد مؤتمرات صحفية وبدون أخد صور، سواء مع ماكرون أو المستشار الألماني أولاف شولز… وتبادل الاتهامات وشيطنة الآخر على المنصات الرقمية خاصة التويتر والفايسبوك والمواقع الإعلامية العالمية…
ما يدور الآن في أوكرانيا هو شيء أكبر من حرب تقليدية، هو مزيج بين حرب باردة وأخرى ساخنة… هو أكبر من اعتراف بوتين باستقلال أراضي كانت تابعة لسيادة أوكرانيا حتى يقوم تبرير حماية الانفصاليين و"شرعنة" الغزو الروسي لأوكرانيا...
هو استمرار لتوازن الرعب بين روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية… هو نسخة جديدة من أزمة "خليج الخنازير" بكوبا لسنة 1962 بين كينيدي وخورتشوف، لكن بمساحيق جديدة وتطور رهيب في الإعلام الرقمي وأدوات العمل الاستخباراتي والدبلوماسي… هو نسخة جديدة من صراع أيديولوجي قديم / جديد بين قيم الديمقراطية والحريات وإحداثيات السيادة الوطنية... وصراع المصطلحات بين الغزو والاعتداء والأنظمة الشمولية من جهة والتدخل العسكري الخاص وحماية الحدود من جهة ثانية…
لقد رصدت المتابعات الصحفية هجرة الآلاف من المواطنين الأوكرانيين وغيرهم من الأجانب والطلبة (ومنهم مغاربة أوكرانيا) إلى الدول المجاورة، كما رصدت معاناة الاستقبال وأزمة النقل الجوي وارتفاع أسعار المواد الأولية والبترول وتوقف الاستثمارات… حتى قبل يوم 24 فبراير من جهة، وتبادل التهديدات بين كل من روسيا والاتحاد الأوروبي والناتو وأمريكا… من جهة ثانية، وهو ما يعني تفاقم هذه الأوضاع بعد الاعتراف باستقلال إقليميْ "لوغانسك" و"دونيتسك" الأوكرانيين وبعدها علا صوت الرصاص وسقوط القتلى والجرحى وتضاعف عدد اللاجئين…
وهو ما تطلب جولة جديدة في لعبة الشطرنج وإخراج أورق جديدة سواء من طرف بوتين وتهديده بمصير سيء لكل جهة خارجية حاولت التدخل في صراعه مع الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" واللعب بورقة الغاز الطبيعي من جهة، وإعلان دول الغرب والناتو بفرض العقوبات الاقتصادية والفصل عن النظام البنكي العالمي swift وتقديم مساعدات مالية ومعدات حربية والتعهد باستقبال اللاجئين بدول الجوار كمولدافيا وهنغاريا وبولاندا ورومانيا وألمانيا من جهة أخرى…

لقد تحركت الآلة الدبلوماسية الغربية بوتيرة أسرع خاصة المفوضة الأوروبية والتي صرحت رئيستها بإمكانية الضم السريع لأوكرانيا ضمن عائلة الاتحاد الأوروبي، وتنظيم سلسلة من الاجتماعات التنسيقية بين وزراء الاتحاد الأوروبي ببروكسيل، أومن خلال المشاركة المكثفة في " مؤتمر ميونيخ للأمن " يوم 23فبراير، والذي غابت عنه روسيا لأول مرة منذ سنة 1991، مع توظيف توصيات " منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي " المنعقد بدولة قطر في 22 فبراير، والتي تعهدت بتعويض السوق الأوروبي بحصة روسيا من الغاز الطبيعي أي الثلث…
إن ما يدفعنا للقول، بأن الحرب على أوكرانيا ليست حربا تقليدية ولا تشبه باقي الحروب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فلأنها تجري على أكثر من ميدان.. ففي مجال الإعلام فقد تم حجب كل من قنوات "روسيا اليوم" و" موقع سبوتنيك " من فضاء دول الاتحاد الأوروبي، وفي مجال الرياضة فقد تم إقصاء روسيا من كأس العالم بقطر 2022، وفي مجال النقل فقد تم إغلاق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمام الطيران الروسي، وفي مجال العالم الرقمي فقد تميزت بعمليات القرصنة واختراق مواقع مؤسسات بنكية ومالية وأمنية، وفي مجال المال والأعمال فقد تهاوت البورصات وعملة "الروبل" الروسية إلى مستويات قياسية مقارنة مع الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي…
لكن ملفات الغاز الطبيعي والنظام البنكSWIFT حضيا باهتمام إعلامي وسياسي كبيريْن وبقراءات عديدة تسوق القارئ إلي خُلاصات قوية، ومن ضمنها أن الغاز الروسي مثلا، سيُشكل سلاحا قويا في اختراق دول الاتحاد الأوروبي وفصلها عن التحالف السياسي والاقتصادي مع أمريكا…
والحديث هنا لا يعني أنبوب ستريم نورد 2 الذي سيزود أوروبا ب55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، والذي ساهمت في إنجازه شركات أوروبية عملاقة من فرنسا وألمانيا وهولندا إنجلترا إلى جانب شركة "غازبروم" الروسية بقيمة 30 مليار دولار… ولا تنقصه سوى بعض التصريحات الإدارية الألمانية، مع التذكير باعتراض إدارة ترامب على أنبوب ستريم نورد 2 وانه سيرهن استقلالية القرار الأوروبي…
بل كان تزويد أوروبا بالغاز الروسي مناسبة لتأجيج الصراع الأمريكي مع المعسكر الشرقي، فقد نشرت "نيويورك تايمز" مثلا في يونيو 1982 مقالا حول انقسام المعسكر الغربي بمناسبة اتفاق الاتحاد السوفيتي بتزويد الدول الأوروبية بالغاز، وأن إدارة " ريغان " لم تكن راضية عن بناء أنبوب الغاز الرابط بين سيبريا ودول أوروبا ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والتي كلفها الأنبوب حوالي 15 مليار دولار… تلك الدول فضلت خسارة كُلفة البناء أي 15 مليار دولار على خسارة التحالف مع أمريكا…
فأمريكا ضد أنبوب ستريم نورد 2 المار عبر بيلاروسيا الحليف التاريخي والسياسي لروسيا، ومع استمرار أنبوب GTS UCRAIN المار عبر هنغاريا وهوما ترفضه بشدة روسيا بوتين التي خفضت كثيرا من صبيب أنبوب أوكرانيا في انتظار إغلاقه نهائيا…في نفس الوقت سعت أمريكا إلى ضمان تدفق الغاز الطبيعي إلى منازل وشركات أوروبا من خلال بعض الدول كمصر والجزائر التي ضاعفت في الإمدادات خلال شهر يناير وهو ما سيجعلها في مواجهة مع رفاق الأمس "روسيا بوتين "ورفاق المعسكر الشرقي مستقبلا، بالإضافة إلى دولة قطر ودول أخرى…
لقد فضلت دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الحرب الاقتصادية والإعلامية والرقمية…لأنها تعلم جيدا أنها ستصيب روسيا في مقتل، وأنها عندما عزلت أبناكا روسية بعينها مثل Sberbank وVTB من النظام العالمي SWIFT، فلأنها تعلم أن بنك Sberbank مثلا هو المكلف بتصريف المعاشات والأجور وهو ما يعني أنها تسعى إلى ضرب الاستقرار الاجتماعي…لأن أي كلفة اقتصادية لها كلفة اجتماعية…
لكن المثير في هذه الحرب هو خروج دولة سويسرا عن حيادها بإعلانها عن عقوبات ضد روسيا بوتين، وإعلان ألمانيا عن تخصيص 100 مليار أورو سنويا للتسليح في تطور نوعي مُهم له ما بعده لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية…
إننا نعيش اليوم السابع من اجتياح الحدود الأوكرانية بكل مآسيها، حيث العالم يحبس أنفاسه في انتظار الكشف عن أوراق جديدة في لعبة شطرنج مثيرة بين لاعبين كبار يعرفون جيدا بعضهم البعض، لذلك فإعلان نهاية اللعبة أو الحرب سيكون إعلانا عن نهاية ترتيبات النظام العالمي الجديد، سننتظر...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.