في برنامج إذاعي على الهواء مباشرة، حضر برلماني من حزب العدالة والتنمية ليناقش تجربته كرئيس جماعة حضرية، من حيث حصيلة ثلاث سنوات، متأبطا مخططه الجماعي للتنمية 20112015. استدعيت شخصيا من طرف معدي البرنامج كملاحظ لتقييم علاقته مع المجتمع المدني، كما ناقشت معارضته المجسدة في التجمع الوطني للأحرار. كان معد ومنشط البرنامج "نمرودا بيضاويا" كعادة الصحافيين البيضاويين، متفحصا التجربة في الجماعة الحضرية المعنية، وسريع البديهة في التقاط الملاحظات مباشرة من كلام الأطراف المتحدثة. صرح الرئيس بكون الجماعة الحضرية قبل رئاسة سيادته لم تكن تتوفر على مواصفات دنيا في التخطيط والتسيير والتدبير اليومي، مما وفر لسيادته مقدمة للاعتداد بالنفس عند ذكر حوسبة ومكننة وعقلنة عمل الجماعة الحضرية المعنية. مما دفع منشط البرنامج إلى استخلاص كون المدينة المعنية لم تكن جماعة حضرية أصلا، بل لا يستخلص سامع كلام الرئيس سوى أنها كانت غابة تعج بالحركة بين الزوار والموظفين لا أكثر. والحال أن الأمر يتعلق بمدينة عريقة موجودة سنة 1912 عندما دخل الأوربيون إلى المغرب، وعندما كانت نسبة المغاربة ساكني المدن لا تزيد عن 5 في المائة، كانت المدينة ساعتها ترث نظاما عمرانيا بأقدمية خمسة قرون، عندما حل بها الأندلسيون الموريسكيون، فجلبوا معها أنظمة شبكة الماء الشروب (المسمى اليوم سكوندو) وأنظمة الحدائق المنزلية وتربية الطيور وكيفية تغذية القطط وتنويع أجواق الموسيقى النسائية والذكورية سواء بسواء. الرئيس معذور في مسح طاولة التراث الحضاري للعاصمة الخليفية. فقد سعى طيلة عمره لتحسين مسيرته الشخصية وجمع الدبلومات والتكوينات والتداريب والمؤتمرات العلمية من زاوية تخصصه العلمي. وبذلك لم يكن المجتمع السياسي والمدني المحلي يعلم بوجود شخصه، فهو تقنوقراطي من الطراز الجيد. موجة اضطهاد حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2003 وبعدها سنة 2007 وفر للبيجيدي كتلة ناخبة احتياطية وافرة كما نعلم، إلى درجة أصبح معها مادة سياسية لتخويف الخصوم ووسيلة للتفاوض من أجل الاستوزار سنة 2010 كما نعلم جميعا. ثم جاءت ظرفية 2011 الربيعية لتضيف الاحتياطي الانتخابي لهذا الحزب كما عارما. أحد أبناء تطوان العريقة (وهو من قادة الحزب على الصعيد الوطني)، وبسبب خبرته في التكييف بين أخلاق المبادئ والنجاح المضمون ساعة التصويت يوم 25 نونبر 2011 تنازل عن رصيده الشخصي والجزئي لفائدة الأستاذ/ التقنوقراط المغمور في ساحة الرأي العام السياسي المحلي وقدمه وكيلا للائحته الحزبية مرفقا بصورته معه كي يعلم الناخبون أنه من حزبه، بعدما سبق أن قدمه على رأس لائحة الحزب في الانتخابات الجماعية سنة 2009 ونصبه بالتالي على رأس بلدية الجماعة الحضرية المعنية. في ما يتعلق بعلاقة الرئيس المذكور بالمجتمع المدني ولأنه بالمواصفات المذكورة، لم يكن له رصيد مع أية جمعية من الجمعيات لا الحقوقية ولا النسائية ولا الثقافية ولا الرياضية ولا الشبابية. ومن نتائج التقدم الانتخابي للحزب في الجماعة الحضرية من استدعاء والي 15 جمعية إضافة إلى ممثلي الغرف المهنية والفروع النقابية للتشاور معها بصدد المخطط الجماعي للتنمية 2011 2015 . في خضم هذه الدينامية الموصوفة، والتي قامت على أكتاف نشطاء الحزب المعروفين على عكس الأستاذ التقنوقراط، نسي الرئيس والبرلماني أن المناخ السياسي وجهود نشطاء الحزب هي التي وفرت له الظروف السياسية والعملية من تحت أقدامه. كما نسي أن المدينة التي أصبح عنها برلمانيا بعدما صعد رئيسا فوق أكتاف الآخرين مدينة سياسية، يقيم بها الملك بمعدل شهرين كل سنة، ويزورها أكثر من ذلك عبر كل الفصول. مما جعل الدولة تنصب واليا شابا ديناميكيا، بدماغ نير منظم وممارسة ميدانية دقيقة التخطيط. ولأن النسيان وجه من أوجه النكران والأنانية، ولأن الأنانية المفرطة، وإن تجملت بالمظاهر السطحية للعفة المالية، فهي لا تحجب المطامح الجامحة لتقوية النفوذ الشخصي بأي ثمن، واستبدال الأدوات ورفقاء الطريق من المناضلين المحليين، إلى الاستقواء بالأمانة العامة للحزب، وبالحربائية التي تصطاد في مستنقع الخلافات بين منتخبي الأحزاب الأخرى. كانت النتيجة من هذا، طرد في صفوف عمال النظافة والنقل الحضري بالعشرات، الزيادة في مستحقات الشركات مع الجماعة الحضرية مقارنة مع العقود السابقة، وبالمقارنة مع مدن أخرى، على حساب القوت اليومي لدافعي الضرائب. كما كانت النتيجة الزيادة في فواتير الكهرباء والماء، ورفض سياسة الرئيس الحربائية من بين منتخبي حزب العدالة والتنمية نفسه. وكانت النتيجة أيضا قطع الدعم عن جمعيات مدنية حديثة التوجه ومنغرسة الحضور في المدينة العتيقة. بل وصلت حربائية الرئيس إلى الموافقة على تهميش أفضل رؤساء المقاطعات (سانية الرمل) ومنع الجمعيات من استعمال قاعة البلدية بعد الموافقة (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان). هذا مجرد بعض ما سجله ملاحظ من بين الملاحظين عن علاقة الرئيس بالمجتع المدني.