أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    الأحزاب تثمن المقاربة الملكية التشاركية    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    الطالبي العلمي يجري مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية السنغالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التواصل والتلقي


تقديم :
يعد التواصل من المجالات التي أصبحت تكتسي أهمية قصوى في الآونة الأخيرة، نظرا لاكتساحه كل مظاهر الحياة الإنسانية عبر اللغات المنطوقة والإيحاءات والحركات والطقوس والعادات والصور...إلى الحد الذي أصبح فيه التواصل يشكل فلسفة العلوم الحديثة. ومن المجالات التي ترتبط بالتواصل ارتباطا وثيقا مجال التلقي الذي يكتسي أهمية قصوى خاصة في جانبه النقدي، حيث أصبحت له نظرية تعنى بتقبل النصوص الأدبية وقراءتها وتأويلها، بل وإعادة إنتاجها. وسنحاول في هذا المقال أن نقف عند نموذج له وضعه الاعتباري ضمن النماذج التواصلية التي تهتم بالتلقي الأدبي، وهو الأنموذج التواصلي لزيجفرد شميث.

1- التواصل والتلقي:
تتجاذب مفهوم التواصل حقول معرفية بالغة التنوع، تكاد تشمل كل المنتوج الإنساني، فكل ما يمكن أن يشتغل كرابط بين الإنسان وما يوجد خارجه، وكل الأشكال الثقافية التي تتحدد من خلالها هوية الأفراد يمكن النظر إليها كوقائع إبلاغية تندرج ضمن حالات الاجتماع الإنساني؛ ومن هذا المنطلق فإن الظواهر الإنسانية لا يمكن النظر إليها إلا من خلال رغبة الكائن في التواصل مع الآخر، وبالتالي فمجموع ما ينتجه الإنسان عبر لغته وإبداعه وطقوسه يندرج ضمن سيرورة تواصلية لدرجة تجعل الثقافة في كليتها سيرورة تواصلية.

إن التواصل من الناحية اللغوية هو مصدر فعل تواصل الذي يعني المشاركة والإبلاغ والاطلاع والإخبار والتلقي، ومن خلال هذا المدلول اللغوي، يمكن القول إن التواصل هو نقل فعال للمعنى والأخبار، إذ يحتوي دائما على رسالة، وكل رسالة تتكون من دلائل، وكل دليل يتكون من دال ومدلول. من هذا المنطلق، ومن اعتبار النص الأدبي نصا يتضمن رسالة، تتشكل من دلائل تتكون من دوال ومدلولات، فإن تلقي النص يدخل ضمن علاقة تواصلية بين النص وبين القارئ، لذا لا يمكن فهم نظرية التلقي بوصفها نظرية تعنى بتداول النصوص وتقبلها، وإعادة إنتاج دلالاتها سواء أكان ذلك في الوسط الثقافي الذي تظهر فيه فيما يمكن تسميته بالتلقي الخارجي، أم داخل العالم الفني التخيلي للنصوص الأدبية فيما يمكن تسميته بالتلقي الداخلي، إلا إذا أنزلت هذه النظرية منزلتها الحقيقية، وربطها بنظرية أكثر شمولا هي نظرية الاتصال والتواصل التي بدأت ملامحها تتبلور منذ منتصف القرن العشرين في ألمانيا، وذلك قبل أن يشرع ياوس و آيزر في ترتيب الأطر العامة لنظرية تعنى بالتلقي الأدبي والتأثير والاستجابة في مطلع السبعينيات.إن من أهم التأكيدات التي انتهت إليها جمالية التلقي أن" خلود الأثر الأدبي يتوقف على مدى تفاعله مع أوساط مختلفة من القراء المستهلكين"، وهذا لا يتأتى إلا بتواصل القارئ مع النص في سياقات مختلفة. إن العلاقة كما يبدو بين التواصل والتلقي هي علاقة امتزاج وترابط، حيث إن التلقي لا يتحقق إلا من خلال التواصل.
2- نماذج التواصل:
تحفل نظريات التواصل بكثير من النماذج التي عملت على مقاربة وفهم نظام التواصل والاتصال، ونظرا لصعوبة استقراء كل النماذج، فسنقتصر قبل أن نعمل على تفصيل أنموذج زيجفريد شميث، على عرض موجز للنماذج التالية:
أ- النموذج الأول: النموذج السلوكي:
وضعه المحلل النفسي الأمريكي لازويل Lasswell D . Haroldسنة 1948 ويتضمن مايلي:
من؟ ( المرسل) يقول ماذا؟( الرسالة) بأية وسيلة؟ ( وسيط) لمن؟ ( المتلقي) ولأي تأثير( أثر)
يرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر، وهي: المرسل الرسالة- القناة- المتلقي- الأثر.
ويمكن إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشر كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم على ثنائية المثير والاستجابة. ويتمظهر هذا المنظور عندما يركز لازويل على الوظيفة التأثيرية، أي التأثير على المرسل إليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا. ومن سلبيات هذا النظام أنه يجعل المتقبل سلبيا في استهلاكه، ومنظوره سلطوي في استعمال وسائل التأثير الإشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه في صالح المرسل.
ب - النموذج الثاني: النموذج الرياضي:
وضعه المهندس كلود شانون Claude Shannon سنة 1949 والفيلسوف وارين Waren Weaver. ويركز على المكونات التالية :
مرسل ترميز رسالة فك الترميز متلقي.
ج النموذج الثالث: النموذج الاجتماعي:
هو نموذج ريلي وريلي Riley &Riley الذي يعتمد على فهم طريقة انتماء الأفراد إلى الجماعات. فالمرسل هو المعتمد والمستقبل هم الذين يودعون في جماعات أولية اجتماعية مثل العائلات والتجمعات والجماعات الصغيرة...وهؤلاء الأفراد يتأثرون ويفكرون ويحكمون ويرون الأشياء بمنظار الجماعات التي ينتمون إليها والتي بدورها تتطور في حضن السياق الاجتماعي الذي أفرزها. ويلاحظ أن هذا النموذج ينتمي إلى علم الاجتماع ولاسيما إلى علم النفس الاجتماعي حيث يرصد مختلف العلاقات النفسية والاجتماعية بين المتواصلين داخل السياق الاجتماعي. وهذا ما يجعل هذا النظام يساهم في تأسيس علم تواصل الجماعة la communication de groupe.
ومن المفاهيم التواصلية المهمة داخل هذا النظام نجد مفهوم السياق الاجتماعي والانتماء إلى الجماعة.
د النموذج الرابع: النموذج اللساني:
يعد رومان جاكبسون Roman Jackobson واضع هذا النموذج سنة 1964، إذ اعتبر أن اللغة وظيفتها الأساسية هي التواصل، وارتأى أن للغة ستة عناصر وهي: المرسل والرسالة والمرسل عليه والقناة والمرجع واللغة. ولكل عنصر وظيفة خاصة: فالمرسل وظيفته انفعالية تعبيرية، والرسالة وظيفتها جمالية من خلال إسقاط محور الاستبدال على محور التركيب، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية وانتباهية، والقناة وظيفتها حفاظية، والمرجع وظيفته مرجعية أو موضوعية، واللغة أو السنن وظيفتها(ه) لغوية أو وصفية.
3 أنموذج زيجفريد شميث في التواصل والتلقي النصي:
يعد زيجفريد شميث من رواد مدرسة اللسانيات النصية التي برزت في أوربا خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي مدرسة تؤسس نظريتها على معالجة اللغة الطبيعية من منظور النص اللغوي بمفهومه التداولي حسبما يتم إنتاجه وتلقيه في سياقات التفاعل الاجتماعي الفعلية، على خلاف المعالجة البنيوية والتوليدية التي تقف عند مستوى الجملة ولا تتعداها وصفا وتحليلا.
غير أن زيجفريد شميث لم يتوقف عند حدود توسيع لسانيات اللغة، بل عمل على بناء لسانيات من منظور آخر أطلق عليه اسم" لسانيات التواصل"، منتقدا الإطار النظري العام لأبحاثه اللسانية حول اللغة والنص، معتمدا على نظرية التواصل في سياقه الاجتماعي إطارا معرفيا لأبحاثه اللسانية والأدبية والجمالية على غرار هابرماس وبورديو.
أ أنماط النصوص والخطابات:
يعتبر زيجفريد شميث أن المخاطِب يسعى دوما إلى التأثير في المخاطَب بصور وأشكال إبلاغية متنوعة بتوظيف أنماط مختلفة من النصوص وفق خطط خطابية محكمة تختلف باختلاف الوضعية التواصلية البسيطة أو المعقدة التي يوجدان فيها، ومن ثم فإن النص يبدو عند إنجازه ماديا" عبارة عن مجموعة من التوجيهات المتماسكة موضوعاتيا وسياقيا الموجهة نحو مخاطَب ما قصد إحداث تأثير محدد لديه"
صنف شميث النصوص المتداولة في السياق الاجتماعي إلى ثلاثة أنماط هي: النص الإخباري، والنص التوجيهي، والنص الأدبي.
فالنص الإخباري هو الذي تهيمن عليه سمة الإخبار حيث يكون القصد هو إبلاغ الخبر لمتلق محدد المعالم على المستوى التداولي( تاجر تلميذ سياسي... ).
والنص التوجيهي هو الذي يتغلب عليه طابع التوجيه حيث يكون القصد هو أمر المتلقي للقيام بعمل ما، أو نهيه عن ذلك،أو دفعه لانفعال عاطفي معين، ويعتمد هذا النوع من النصوص على مجموعة من الأساليب كالأمر والنهي والعتاب...
أما النص الأدبي، فهو الذي يغلب عليه الطابع الفني حيث يكون القصد هو إخراج معنى فني مفاجئ ومخالف للمعاني التواصلية المعتادة من خلال ما يمكن تسميته بالانزياح، موظفا كل ما يمكن أن يحقق جماليته من تصوير ورمز وإيقاع.. كما يشارك القارئ/المتلقي في إضفاء الطابع الأدبي الخالص من خلال قراءة إبداعية وجمالية متأنية تختلف عن القراءة العادية السريعة.
يلحق شميث هذه الأنماط الثلاثة من النصوص بأنماط من الخطابات وفق ثلاث ضوابط:
الهدف من التواصل: يربط هذا الهدف بمقصدية المخاطِب من إصدار النص، أو الأثر النفسي أو التداولي المرغوب إحداثه لدى المتلقي، ومن ثم فإن الخطاب قد يأخذ شكلا إقناعيا بصورة لغوية مباشرة( الخطاب الحجاجي)، وإما بصورة غير مباشرة في خطاب بلاغي جذاب يركز على الجانب الانفعالي( الخطاب الوصفي الخطاب الروائي الدرس التعليمي...)
الخصوصية التصويرية للغة: تظهر هذه الخصوصية للمتلقي في بعض السياقات الفردية والجماعية المتواضع عليها في أثناء استعمال اللغة استعمالا مغايرا للاستعمال اليومي أو الإخباري( الخطاب الأدبي الخطاب الجمالي)حيث تحيل هذه اللغة على مجموعة من الدلالات التي تجعل المتلقي يفكر في تلقي الخطاب حسب خصوصيته التصويرية.
نوع العلاقة القائمة مع الواقع: يرتبط هذا الضابط بالإمكانات البنيوية التي يسمح بها سياق التلقي داخل جماعة لغوية ما، وقابلية النسق التواصلي لتطبيق التوجيهات التداولية التي يتضمنها النص وضعا أو إيحاء، فإذا كان الخطاب يحمل فكرا قد لا تتقبله الجماعة، فإن هذا الخطاب قد يتستر بشعارات، وتوظيف لغة تجعله متقبلا في ذلك الوسط اللغوي.
ب النموذج التواصلي:
استوحى زيجفريد شميث نموذجه التواصلي من الوظائف الست كما حددها جاكبسون، ومن مختلف الوظائف الإنجازية للكلام كما حددتها مدرسة فلسفة اللغة الأنجلوساكسونية( أوستين سورل...)، فمن جاكبسون أخذ الوظائف الانفعالية والإفهامية والشعرية؛ فبالنسبة للوظيفة الانفعالية أو التعبيرية، فترتبط عند شميث بالنص الإخباري أو الإعلامي، وما يفصح عنه من قصد إبلاغي، ثم ما ينتج عنه في سياق تداولي من أثر على سلوك المخاطَب التواصلي أقوالا وأفعالا وأعمالا.
وبالنسبة للوظيفة الإفهامية، فترتبط عنده بالنص التوجيهي بما يحمله من أوامر ونواه وتعليمات يظهر أثرها على المتلقي في وضعية التفاعل اللغوي. أما بالنسبة للوظيفة الشعرية، فتتحقق عنده في النص الأدبي بوجه خاص، حين تترابط شبكة علامات اللغة الدالة ترابطا فنيا يفصح عن إرادة جمالية في تجاوز قيود التداول المألوف.
ومن مدرسة فلسفة اللغة الأنجلوساكسونية أخذ الوظيفتين الإثباتية والتوجيهية؛ فبالنسبة للوظيفة الأولى فتعتبر عنده الوظيفة الأساس للنص الإخباري بما يقدمه من توضيحات حول مختلف الموضوعات التي يتعرض لها. وبالنسبة للوظيفة الثانية، فهي ترتبط عنده بالنص التوجيهي بما تحمله من توجيهات صريحة أو ضمنية تلزم المتلقي بتنفيذها.
ج نموذج التلقي النصي:
مفهوما السياق والوضعية التواصلية: نشير في البداية إلى أن مفهوم السياق قد اختلف حوله من قبل اللسانيين والسيميائيين، فاللسانيون يعتبرون السياق مجرد علاقة التحام بين المكونات النصية، أما السيميائيون فيوسعون مفهوم السياق إلى الوضعية العامة التي يتلقى داخلها النص.
بالنسبة لزيجفريد شميث، فهو يميز بين مصطلحي السياق والوضعية التواصلية، فالسياق بالنسبة إليه هو أن يؤخذ النص في مجموعه كإطار لالتحام المكونات النصية، والوضعية التواصلية هي التي ترتبط بضم النص إلى تواريخ الإنتاج والتلقي. يتبين إذن أن شميث يميز تمييزا دقيقا بين المفهومين، بحيث يمزج بين وجهة نظر اللسانيين، ووجهة نظر السيميائيين.
د خطاطة لعملية التلقي:
تختلف النماذج النظرية التي يقدمها شميث من دراسة لأخرى، إذ يركز في كل نموذج على عناصر دون أخرى، ولعل سبب ذلك يكمن في أن كل نموذج نظري لعملية تلقي النص، إنما هو بناء افتراضي يسترشد به المحلل والباحث، ولتحديد الخطاطة العامة للتلقي عند شميث، يمكن التركيز على ماهو ضروري، والذي يتكرر في كل نموذج من نماذجه التطبيقية. يفصل شميث داخل ما يسميه بحدث التلقي بين عدد من الأفعال الإدراكية التي ينجزها المتلقي للنص المعروض إنجازا متصلا أو منفصلا، وهذه الأفعال هي بمثابة ظواهر قابلة للوصف والتحليل، ومنها:
فعل دماغي يتمثل في عملية القراءة أو الاستماع.
فعل يقوم بتنحية الإبهام التركيبي.
فعل يقوم بتنحية الإبهام الدلالي.
فعل يقوم على تخصيص الإمكانات والاحتمالات الدلالية للنص.
فعل يقوم على تركيز المعطيات الدلالية داخل نموذج عالم تابع للنص.
إن المتلقي عند عملية تلقيه للنص، فإنه يعمل تدريجيا على إعادة البنية النصية العميقة اعتمادا على مجموع الأخبار التي تضمنها النص المرسَل بعدد من التعميمات التي تؤدي إلى بنيات دلالية جملية يحكمها التماسك الخطي الذي قد يكون ظاهرا أو مضمرا. بعد ذلك تأتي مرحلة يكون فيها المتلقي قادرا على القيام بترجمة المعنى الجزئي للتماسك الخطي إلى معنى شامل، أي الانتقال من الموضوع الجزئي إلى بنية دلالية كبرى يتم حذف التفاصيل والجزئيات منها.
وخلاصة هذه الخطاطة، أن عملية التلقي تتم من خلال إجراء تقليص للجزئيات والتفاصيل، للوصول إلى البنية الدلالية الكبرى، ذلك أن المعيار الأساس لقبول النص من طرف المتلقي هو مدى لعبه لدوره الإبلاغي، ونهوضه بوظيفته التداولية. إن قبول النص من قبل المتلقي كنص قابل للفهم مشروط بالسياق العام للإبلاغ، وبالوضعية التداولية الخاصة بالتواصل.
ه لوازم التلقي:
يصف زيجفريد شميث تلقي النصوص بأنه تأويل لإشارات يتضمنها النص على نحو منظم أثناء وضعية تواصلية معينة، ومن خلال هذا التصور، يميز بين نوعين من التلقي:
تلق معنوي: وهو عبارة عن تقرير للإشارات والتعليمات، وملاحظة للقواعد التي يتوافر عليها النص.
تلق تواصلي: وهو تحقيق لغوي أو غير لغوي لهاته الإشارات والتعليمات والقواعد المقررة.
إن عملية التلقي يلزمها من قبل المرسِل أن يختار بشكل مسبق نمطا معينا من النصوص أو الخطاب، حسب غرضه من الإخبار أو الأثر المراد إحداثه في أعقاب عملية التواصل، ثم وفقا لهذه المقصدية يختار المعجم المناسب، ومن طرف المتلقي يلزمه أن يتعرف على نمط النص حتى يستطيع التواصل معه، بفهمه وإدراك مقصدياته.
خاتمة : نستخلص من خلال استعراض موجز لأبرز ما تضمنته نظرية زيجفريد شميث، أن عملية تلقي النص باعتباره مكونا لغويا يتضمن إشارات تحتاج إلى تأويل مشروطة بالسياق التواصلي، بمعنى أن تأويل مجموع التعليمات التي يتضمنها النص لا يمكن تأويلها تأويلا مناسبا خارج لعبة أفعال تلق وتواصل، وبالتالي فإن هذه العملية ترتبط بطرفي العملية التواصلية، المؤلف من جهة الذي يؤول الإمكانات اللغوية المتاحة من طرف السنن للتعبير عن اتصال فردي مع الواقع، والمتلقي الذي يعمل على وضع تأويل مناسب لتعليمات المؤلف يوفق فيه بين تأويله الخاص والتأويل الذي يقدمه المؤلف بالنظر إلى مقصديات النص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.