"أكديطال" ‬تستحوذ ‬على ‬مجموعة ‬مستشفيات ‬توفيق ‬التونسية ‬الرائدة ‬وتعزز ‬نموها ‬الدولي    قناة كندية تصنّف المغرب ضمن "سبع وجهات الأحلام" للسياح الكنديين نهاية العام    مدرب زيمبابوي : الخسارة في الدقائق الأخيرة تترك الكثير من الحسرة    محمد صلاح يشيد بالجماهير المغربية: لعبنا وكأننا على أرضنا    مراكش.. توقيف ثلاثة أشخاص وحجز أزيد من ألف قرص مخدر وكمية من الكوكايين    الأمن يفكك شبكة مضاربة في تذاكر كأس إفريقيا    كأس إفريقيا للأمم فرصة ذهبية لتعزيز التنمية المندمجة    "البيجيدي" ينبه إلى الأزمة الأخلاقية والتحكمية في قطاع الصحافة ويحذر من مخاطر الاختراق الصهيوني    كأس إفريقيا .. برنامج مباريات الثلاثاء    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    اليوم العالميّ للغة الضّاد    بستة أصوات مقابل خمسة.. مجلس المستشارين يمرّر مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وسط انتقادات لغياب البرلمانيين    لفتيت: المخطط الوطني لمواجهة موجة البرد يستهدف 833 ألف نسمة    بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    محامو الدار البيضاء يرفضون مشروع قانون المهنة    وزارة الصحة تعلن إطلاق ورش وطني لتعميم صيانة التجهيزات الطبية بالمستشفيات العمومية    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض        ارتفاع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي    النفط يتراجع مع تقييم الأسواق للمخاطر الجيوسياسية مقابل عوامل سلبية            تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    قناة كندية تصنف المغرب ضمن "سبع وجهات أحلام" للسياحة    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    رياض محرز: استقبلنا المغاربة بشكل جيد وسعداء بتواجدنا هنا.. وسنقاتل من أجل تشريف كرة القدم الجزائرية    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تعالج ملفات الترقي والأقدمية والحراسة بالمستشفيات    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مواصلة التصعيد ويطالب الحكومة بإصدار مراسيم الحركة الانتقالية وباقي نقاط اتفاق يوليوز 2024    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين تصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    بصعوبة.. مصر تفوز على زيمبابوي 2_1 في أول ظهور بالكان    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    «لماذا يخطئ المثقفون» صامويل فيتوسي الانحياز الفكري والأخلاقي أمام امتحان الحقيقة    نشرة انذارية جديدة تحذر من تساقطات ثلجية كثفة وامطار قوية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي بمناسبة عيد العرش
نشر في صحراء بريس يوم 30 - 07 - 2011

في ما يلي نص الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي بمناسبة عيد العرش :
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
إنه لمن دواعي الاعتزاز أن نحتفل بالذكرى الثانية عشرة لاعتلائنا العرش ، في ظل الدستور الجديد للمملكة، الذي ارتضيناه، ملكا وشعبا، باستفتاء الأمة، تعاقدا متجددا، مرسخا للعهد الوثيق بين العرش والشعب.
ونود، بداية، الإشادة بالمشاركة المكثفة، والانخراط القوي للشعب المغربي كافة، في المدن والبوادي، داخل الوطن وخارجه ؛ أفرادا وجماعات، نساء ورجالا، شبابا وكهولا، أحزابا ونقابات وجمعيات، لجنة استشارية وآلية سياسية، ونخبا فكرية، في إنجاز هذا التحول الكبير ؛ الذي تحقق بإرادة وطنية مستقلة. وهو ما يجعله مبعث اعتزاز لجميع المغاربة، وموضع تقدير دولي للنموذج المغربي المتميز.
كما نود التنويه بما بذلته جميع السلطات العمومية، والتمثيليات الدبلوماسية للمملكة، من جهود دؤوبة، لحسن تنظيم هذا الاستفتاء الدستوري، بما يقتضيه الأمر من التزام بالقانون، ونزاهة وشفافية وحياد.
والآن، وبعد أن قال الشعب كلمته الحاسمة، بالمصادقة على الدستور الجديد، بمضامينه المتقدمة، بما يجعله دستورا لجميع المغاربة، فقد ارتأينا أن يكون خطابنا لك اليوم، منصبا حول المرحلة الموالية للمصادقة عليه. إنها مرحلة تفعيله الأمثل، روحا ومنطوقا، والذي نحن به ملتزمون، وله ضامنون، وعلى حسن تطبيقه ساهرون.
بيد أن أي دستور، مهما بلغ من الكمال ؛ فإنه ليس غاية في حد ذاته، ولا نهاية المطاف؛ وإنما هو أساس متين، لتعاقد سياسي جديد، على المضي قدما، في ترسيخ دولة القانون وحقوق الإنسان، والحكامة الجيدة والتنمية ؛ وذلك بإرساء مؤسسات ناجعة وذات مصداقية.
ومهما كانت فعالية هذه المؤسسات، فستظل صورية، ما لم تنعكس نتائج عملها على الوطن : صيانة لسيادته وأمنه ووحدته، وتنميته وتقدمه ؛ وعلى المواطنين : حرية، ومساواة، وكرامة، وعدالة اجتماعية.
وإذا كنا قد حققنا، شعبي العزيز، طموحنا الوطني الكبير، للدخول في عهد ديمقراطي جديد؛ فإن التحدي الأكبر هو تأهيل وتعبئة كل الفاعلين، ليصبح هذا الدستور واقعا ملموسا، وممارسة يومية، تجسد دمقرطة الدولة والمجتمع معا ؛ وتفتح آفاقا مستقبلية، واعدة بالعيش الحر الكريم، وخاصة لشبابنا وللفئات الشعبية.
ويظل عمادنا لرفع تحديات المرحلة المقبلة، الإيمان القوي بثوابتنا الوطنية، والثقة الكاملة في ذاتنا وقدراتنا، وفي مصداقية مؤسساتنا، ووجاهة اختياراتنا، وفي دينامية مجتمعنا ؛ والعمل الدؤوب، والاستثمار الأمثل لمناخ الثقة، الذي كرسه الإقرار الشعبي الجماعي للدستور.
شعبي العزيز،
إن نهوضنا بأمانتنا الدستورية، في ضمان حسن سير المؤسسات الدستورية ؛ يتجسد، قبل كل شيء، خلال هذه المرحلة الهامة، في حرصنا على حسن إقامتها، في أقرب الآجال، وفق المرتكزات الثلاثة التالية :
+ أولا : الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، كنهج قويم ووحيد لتطبيقه. ومن ثم، نعتبر أن أي ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا، ملكا وشعبا.
+ ثانيا : إيجاد مناخ سياسي سليم، جدير بما أفرزه هذا الدستور من مغرب جديد، مفعم بروح الثقة والعمل، والإقدام والتعبئة والأمل، والالتزام بتجسيد جوهره المتقدم على أرض الواقع.
+ ثالثا : العمل بروح التوافق الإيجابي، على تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية، اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، جدير بدستورنا المتقدم، وكفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات واختلالات.
فكل تباطؤ من شأنه رهن دينامية الثقة، وهدر ما يتيحه الإصلاح الجديد من فرص التنمية، وتوفير العيش الكريم لشعبنا الأبي ؛ فضلا عن كون كل تأخير يتنافى مع الطابع المؤقت للأحكام الانتقالية للدستور.
وعلى هذا الأساس، ندعو كافة الفاعلين المعنيين، إلى اعتماد جدولة زمنية مضبوطة، تمكنهم وسائر المواطنين، من رؤية واضحة، لإقامة المؤسسات الدستورية، في الآماد القصيرة والمتوسطة.
+ فعلى المدى القريب، ينبغي إعطاء الأسبقية لإقرار القوانين الجديدة، المتعلقة بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وفي هذا الصدد، تجدر البداية بانتخاب مجلس النواب الجديد، لنتولى بناء على نتائج الاقتراع الخاص به، وطبقا لأحكام الدستور، تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي سيتصدر نتائج انتخاباته، وليتأتى، بإذن الله، تشكيل حكومة جديدة، منبثقة من أغلبية برلمانية، متضامنة ومنسجمة.
أما بالنسبة لمجلس المستشارين، فإن إقامته رهينة بالمصادقة على القوانين التنظيمية والتشريعية، المتعلقة بالجهوية المتقدمة وبالجماعات الترابية الأخرى وبالغرفة الثانية ؛ وكذا بإجراء الاستحقاقات الانتخابية الخاصة بها ؛ وفق جدولة زمنية محددة، يتم إكمالها بتنصيب مجلس المستشارين، بتركيبته الجديدة، قبل متم سنة 2012 .
وفي هذا الإطار، نحث جميع الفاعلين المعنيين، على العمل البناء لتوفير الظروف الملائمة، لجعل هذا المسار الانتخابي المتعدد والمتوالي يتم في التزام بقيم النزاهة والشفافية، والتحلي بالمسؤولية العالية، وجعل المصالح العليا للوطن والمواطنين فوق كل اعتبار.
وانطلاقا مما رسخه الدستور، من إقامة سلطة قضائية مستقلة، فإنه يتعين العمل، في الأمد المنظور، على إقرار التشريعات المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالمحكمة الدستورية.
+ أما على المدى المتوسط ، فيظل التأهيل التشريعي العام، من أهم الأوراش التي على الحكومة والبرلمان النهوض بها، قبل نهاية الولاية التشريعية المقبلة. وهو ما يقتضي بلورة خارطة طريق مضبوطة، لإعداد واعتماد مختلف القوانين التنظيمية،وإقامة المؤسسات المرتبطة بها، الحقوقية منها والتنموية.
وإذا كان من الطبيعي أن يعترض التطبيق السليم للدستور الجديد، كأي مسار تاريخي، بعض الصعوبات، وأن تقف أمامه بعض المعيقات؛ فإن على الجميع، كل من موقعه، التعبئة الشاملة، والمشاركة المواطنة والملتزمة، في بناء هذا الصرح الدستوري
المتقدم، بروح الثقة والعمل الجماعي ؛ بعيدا عن نزوعات التيئيس والعدمية، والممارسات التضليلية البالية.
شعبي العزيز،
إن استكمال بناء الصرح المؤسساتي والتنموي للدستور الجديد، يظل رهينا بالعمل الجاد، من أجل التأهيل العميق والفعلي للمشهد السياسي، واستثمار مناخ الثقة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل في بلادنا.
وفي هذا الصدد، فإن الأحزاب السياسية، التي كرس الدستور الجديد مكانتها، كفاعل محوري في العملية الديمقراطية، أغلبية ومعارضة، مدعوة لمضاعفة جهودها لتحقيق مصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع العمل السياسي، بمفهومه الوطني النبيل، سواء في نطاق الأحزاب، التي أناط بها الدستور مهمة المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين؛ أو بالانخراط في المؤسسات الحكومية، الممارسة للسلطة التنفيذية، أو في المؤسسة البرلمانية، ذات السلطات التشريعية والرقابية الواسعة، أو في هيئات وآليات الديمقراطية المحلية، أو التشاركية، أو المواطنة.
وفي نفس السياق، فإن المنظومة الدستورية الجديدة، تتطلب من الفاعلين السياسيين التنافس الجاد، في بلورة مشاريع مجتمعية متميزة، وتجسيدها في برامج تنموية خلاقة وواقعية؛ وكذا في اختيار النخب المؤهلة لحسن تدبير الشأن العام، وطنيا وجهويا ومحليا.
بيد أن التكريس الدستوري لمبدإ ربط القرار السياسي بنتائج صناديق الاقتراع، يلقي على عاتق المواطنات والمواطنين النهوض بالأمانة الجسيمة، لحسن اختيار ممثليهم. فعلى الجميع أن يستشعروا أن الأحزاب والاختيارات التي يريدها الشعب، والمؤسسات المنبثقة عن إرادته، هي التي ستتولى الحكم نيابة عنه، وتتخذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، طيلة مدة انتدابها، باختيار منه.
كما أن على المنتخبين استحضار أن تلازم المسؤولية بالمحاسبة قد صار قاعدة لها سموها الدستوري، وجزاؤها القانوني، وضوابطها الأخلاقية الملزمة.
وبموازاة ذلك، يجدر تفعيل التكريس الدستوري لكل من دور المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والاتصال، في البناء السياسي والحقوقي والتنموي ؛ بما يمكنهما من النهوض بمسؤوليتهما الفاعلة، كقوة اقتراحية، وكرافعة ناجعة، وشريك أساسي في توطيد هذا البناء.
شعبي العزيز،
إن التعاقد الدستوري والسياسي الجديد، بما يكفله من منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، وواجبات المواطنة، سيبقى صوريا ما لم يقترن بانبثاق تعاقد اجتماعي واقتصادي تضامني، يجعل كل مواطن ومواطنة يلمس الأثر الإيجابي لهذه الحقوق على معيشه اليومي، وعلى تقدم وطنه.
ومن هنا، فإن تفعيل آليات الدستور الجديد، لا يجوز أن يحجب عنا ضرورة مواصلة جهود التنمية؛ بل يتعين أن يكون، بحكامته الجيدة، رافعة قوية لتسريع وتيرتها، في حفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية والمالية، التي صارت قاعدة دستورية.
كما أن توسيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، التي جاء بها الدستور الجديد، يقتضي مواصلة رفع التحدي الأكبر، للتصدي للبطالة والفقر، والهشاشة والأمية، وذلك من خلال إطلاق جيل جديد من الإصلاحات العميقة لتيسير أسباب ولوج كل مواطن، لجوهر هذه الحقوق، من تعليم نافع، وعمل منتج، وتغطية صحية، وسكن لائق، وبيئة سليمة، وكذا من تنمية بشرية، ولاسيما من خلال مواصلة التفعيل الأمثل لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وبنفس العزم، فإن التعاقد الاقتصادي الجديد، يقتضي الاهتمام بمنظومة الإنتاج الاقتصادي، وإذكاء روح المبادرة الحرة، خاصة من خلال تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، بما ينسجم مع روح الدستور الجديد، الذي يكرس دولة القانون في مجال الأعمال، ومجموعة من الحقوق والهيئات الاقتصادية، الضامنة لحرية المبادرة الخاصة، ولشروط المنافسة الشريفة، وآليات تخليق الحياة العامة، ولضوابط زجر الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، واقتصاد الريع، والفساد والرشوة.
شعبي العزيز،
إن القانون الأسمى الجديد للمملكة، بما يكرسه من تشبث بالمرجعيات والقيم الكونية المثلى، ومن سمو للمواثيق الدولية - كما صادقت عليها المملكة - على التشريعات الوطنية، يشكل رافعة قوية لعمل الدبلوماسية الوطنية، في خدمة المصالح العليا والقضايا العادلة للمغرب، وتعزيز إشعاعه الجهوي والدولي.
وإننا لواثقون بأن هذا التطور المؤسسي والتنموي المتميز، بإرسائه لدعائم الجهوية الموسعة، والحكامة الترابية، بكل مناطق المملكة، وفي صدارتها أقاليمنا الجنوبية ؛ سيشكل دعما قويا لمبادرة الحكم الذاتي، كحل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا، وذلك من خلال تفاوض جاد، مبني على روح التوافق والواقعية، وفي إطار المنظمة الأممية، وبالتعاون مع أمينها العام، ومبعوثه الشخصي.
وإذ نؤكد أن قضية وحدتنا الترابية ستظل أسبقية الأسبقيات، في سياستنا الداخلية والخارجية، فإننا ماضون في الدفاع عن سيادتنا ووحدتنا الترابية، التي لا مجال فيها للمساومة.
وانطلاقا من ثوابت سياستنا الخارجية التي عملنا، منذ اعتلائنا العرش، على ترسيخها، فإننا عازمون على المضي قدما في خدمة المصالح العليا للوطن، وتوطيد روابط انتمائه الإقليمي، وتنمية علاقاته الدولية، مهما كانت الإكراهات الناجمة عن السياقات الدولية المضطربة، والأوضاع الإقليمية الصعبة.
كما أن تعزيز انخراط المغرب في المنظومة الحقوقية الدولية، طبقا لما كرسه الدستور الجديد، من دسترة قواعد الحكامة الجيدة، كفيل بترسيخ مصداقية بلادنا كشريك اقتصادي ذي جاذبية قوية في ميدان الاستثمار؛ عماده في ذلك رصيده الهام في مجال الشراكات والتبادل الحر مع عدة دول ومجموعات، سواء في جوارنا المباشر، أو مع قوى اقتصادية أخرى وازنة.
أما بالنسبة لروابط انتمائنا الإقليمي، فإننا سنظل متشبثين ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي لا محيد عنه؛ مع ما يقتضيه الأمر من تصميم ومثابرة، لتذليل العقبات، التي تعرقل، مع كامل الأسف، تفعيله ضمن مسار سليم ومتجانس.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب لن يدخر جهدا لتنمية علاقاته الثنائية مع دول المنطقة؛ مسجلين الوتيرة الإيجابية للقاءات الوزارية والقطاعية الجارية، المتفق عليها مع الجزائر الشقيقة.
وإننا لملتزمون، وفاء لأواصر الأخوة العريقة بين شعبينا الشقيقين، ولتطلعات الأجيال الصاعدة، بإعطاء دينامية جديدة، منفتحة على تسوية كل المشاكل العالقة، من أجل تطبيع كامل للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين، بما فيها فتح الحدود البرية؛ بعيدا عن كل جمود أو انغلاق، مناف لأواصر حسن الجوار، وللاندماج المغاربي، وانتظارات المجتمع الدولي، والفضاء الجهوي.
وعلى مستوى انتمائه العربي والإسلامي، فإن المغرب، الذي يتابع بانشغال ما يجري في بعض البلدان العربية الشقيقة من تحولات، يعتبر أنه لا مناص من التعاطي مع قضايانا وتحدياتنا، بروح جريئة واستشرافية، بالحوار التوافقي البناء؛ بعيدا عن كل
أشكال التعامل التقليدي، الذي برهن عن محدوديته وعدم جدواه، وذلك لتطويق المخاطر المهددة لسلامة الدول ووحدتها الترابية.
وإن خدمة المصالح الحيوية للأمة العربية في هذا الاتجاه، ليقتضي، قبل كل شيء، الاعتماد على روح التعاون والتكامل، والشراكة المثلى بين كل مكونات الوطن العربي، وتكتلاته الإقليمية.
وتظل القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماتنا، ولاسيما في هذه الظرفية التي تشهد انبثاق آمال عريضة، أفرزتها المواقف الإيجابية لبعض الأطراف الدولية الكبرى، والآثار المنشودة من المصالحة الفلسطينية.
وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا نوجه نداء للرباعية الدولية، لتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ مجددين التأكيد على أن السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط، يمر عبر
ضمان حقوق جميع شعوب المنطقة في الحرية والاستقرار والازدهار، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار، عاصمتها القدس الشرقية.
أما علاقاتنا مع عمقنا الإفريقي، الذي يشكل مجالا لفرص واعدة، فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة، قائمة على التضامن، ومبنية على تعزيز الأمن والاستقرار، خاصة في منطقة الساحل والصحراء؛ فضلا عن خلق شروط تنمية بشرية، تسهم في النهوض
بالإنسان الإفريقي، طبقا لأهداف الألفية للتنمية.
كما أن ما يجري من أحداث ومتغيرات في منطقة جنوب المتوسط، يؤكد ضرورة تحقيق نقلة نوعية في مسارات الشراكة بين الشمال والجنوب، من أجل خلق فضاء اقتصادي وإنساني متضامن ومنسجم، تتقاسم شعوبه قيم الديمقراطية والتنمية المشتركة.
ويمكن لشراكة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، بمختلف أبعادها، أن تشكل مصدر إلهام لصياغة هذه المقاربة المتكافئة، ذات المنافع المتبادلة.
وسيواصل المغرب تعاونه مع باقي الشركاء، في القارتين الأمريكية والآسيوية، في إطار شراكات استراتيجية مثمرة، بما يضفي المزيد من الحيوية على شراكاتنا عبر العالم.
شعبي العزيز،
في هذا الظرف التاريخي المتميز بتدشين عهد دستوري جديد، نستحضر بكل خشوع وإكبار، الأرواح الطاهرة لجدنا المقدس، بطل الحرية والاستقلال، جلالة الملك محمد الخامس، ووالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، باني الدولة المغربية العصرية، وكافة شهداء الوطن الأبرار، أكرم الله مثواهم.
كما نتوجه بالإشادة إلى قواتنا المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والإدارة الترابية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن حوزة الوطن وسيادته، وصيانة أمنه واستقراره.
شعبي العزيز،
كما أن لكل زمن رجاله ونساءه، ولكل عهد مؤسساته وهيئاته ؛ فإن دستور 2011، بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير، يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة، المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة، قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية، والمواطنة الملتزمة، والمسؤولية العالية، وخدمة الصالح العام.
كما يتطلب انتهاج السياسات المقدامة، الكفيلة بتحصين المكتسبات، وتقويم الاختلالات، والنهوض بالإصلاحات الشاملة.
وذلكم هو السبيل الأمثل لتحقيق طموحنا الجماعي لبناء مغرب جديد، موحد ومتقدم، يحقق المواطنة الكاملة لكل أبنائه، ويحفظ كرامتهم، ويصون وحدة الوطن وسيادته.
"ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيء لنا من أمرنا رشدا". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.