لم يشكل المغرب استثناء في العالم العربي والذي ظهر خلال ما عرف بالربيع العربي إلا لأنه نهج مسلك الإصلاح منذ شرع في بناء الدولة الحديثة، وعرفت وتيرة الإصلاح منذ 60 سنة صعودا وهبوطا حسب الظروف، لكن على العموم فإن ما قامت من أجله من ثورات الربيع العربي كان موجودا في المغرب وكان فقط في حاجة إلى تقويم، وهذا ما يلخصه قول أحد المغاربة في تلفيزيون مشرقي "إننا في عز سنوات الرصاص كنا أحسن منكم حالا"، موجها خطابه للمشارقة الذين بدؤوا اليوم في اكتشاف التعددية الحزبية والتنظيمات النقابية ومفهوم الحريات. وهذه الطموحات الإصلاحية للمغرب، وهي طموحات مشتركة بين المؤسسة الملكية والشعب والنخب السياسية والمدنية، هي التي منحت المغرب هذا النوع من التميز في كل شيء. التميز في الإصلاحات والتميز في الاحتجاجات والتميز في طريقة الاستجابة للمطالب، أعطى للمغرب التميز في الغضب والرضا، حتى صنع ربيعه بعيدا عن التسطيح الذي عاشته وتعيشه مجموعة من الدول. وجاء خطاب العرش ليؤكد على أن مسار الإصلاح لا يمكن أن يقف في محطة من المحطات بل هو منهج حياة، حيث اعتبر الملك محمد السادس عيد العرش "مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية لبلادنا التي كرسها الدستور الجديد للمملكة، الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا٬ بما يفتحه من آفاق المشاركة الفعالة. وهو ما يحملنا جميعا مسؤولية العمل المشترك لاستكمال نموذجنا المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي٬ في وفاء لهويتنا العريقة". وقد تحدث الملك هنا عن استكمال النموذج وليس البدء فيه، بما يعني أن النموذج المغربي هو نموذج متأصل وليس نموذجا مستوردا أو نموذجا يحاكي نماذج أخرى، وبعدما استكمل الربيع العربي شروط وجوده وشرع في الخريف تبين أن النموذج المغربي مختلف، نموذج وفر الضمانات الكبرى للاستقرار حيث لا يتأثر الواقع بتغيرات السياسة. "لما كان تفعيل اختياراتنا على أرض الواقع يقتضي تحديد الأسبقيات وترتيبها٬ وفق مقاربة مضبوطة المراحل والآماد٬ فقد جعلنا من هذا النهج خارطة طريق لتفعيل ما نقدم عليه من إصلاحات"، أي أن مشروع الإصلاح بالمغرب ليس استجابة لظرف طارئ كما يتوهم البعض حتى لو بدا في لحظة من اللحظات أنه استجابة ظرفية، إن الإصلاح بالمغرب هو مشروع طويل الأمد يعتمد سياسة ترتيب الأهداف والأسبقيات بين الأهداف الآنية والأهداف المتوسطة المدى وتلك البعيدة المدى، وعلى قدر الأهداف يأتي ترتيب الوسائل. وحرم المغرب على نفسه التقوقع والانغلاق "بصفتنا أميرا للمؤمنين٬ ما فتئنا نعمل٬ بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى٬ على أن تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح٬ الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق"، وهو جواب دقيق على دخول الدين كعنصر فاعل في السياسة. وبالجملة يكون الخطاب الملكي قد رسم معالم المنهج المغربي في الإصلاح الذي يرتب الأهداف والوسائل، منهج عينه على المستقبل دون تفريط في القيم والتقاليد العريقة.