يحتاج تدقيق المفاهيم إلى شجاعة حقيقية تزيل الغشاوة عن بعض الأعين التي لا ترى أبعد من أنفها. من ذلك ما يقول به بعض الزملاء من أن الصحافة المستقلة تتعرض إلى مضايقات، فهذا التعميم المطلق يخلق الالتباس، ويذهب بعض الزملاء على النطق بألسنة الآخرين الذين لم يوكلوهم للقيام بذلك. إذا كان المقصود بالصحافة المستقلة، هو الصحافة التي لا تصدر عن الأحزاب السياسية. فإنها تجمع بين تيارات ومكونات عديدة، وليس من حق مدير نشر »أخبار اليوم المغربية« أن ينصب نفسه ناطقا باسمها، فهناك صحف عديدة لا تشاركه آراءه. فنحن مثلا في »النهار المغربية« نعتز بأننا ننتمي إلى الصحافة المستقلة، وهي تشمل حسب علمنا صنفا آخر مثل »الأحداث المغربية« التي كانت أول صحيفة مستقلة، ثم »الصباح« وكذلك »المساء« ناهيك عن »ماروك إيبدو« و »ليكونوميست« و »لافي إيكونوميك« و »لوروبرتر« وآخرون، ممن تطول اللائحة لذكرهم جميعا. فمن أعطى السيد بوعشرين المتابع بتهمة النصب والاحتيال الحق في أن يتحدث باسم هؤلاء جميعا بلا خجل. ومن أعطى السيد علي أنوزلا الذي أخطر لوقف صحيفته »الجريدة الأولى« تحت طائلة العجز المالي أن يتحدث بدوره نيابة عن الصحافة المستقلة. بل من منح صاحب »وجهة نظر« التي هي مجلة فكرية لها ارتباطاتها أن يكيل بدوره الاتهام باسم الصحافة المستقلة. إننا أمام خلط كبير في المفاهيم، الهدف منه حشر الصحافة المستقلة المتبقية في معارك ليست معاركها. ويكفي أن نتحدث هنا عن المحاكمات التي تتعرض لها »النهار المغربية« دون أن نقول إنها محاكمات تستهدف خطنا التحريري. لأن الاحترام الواجب للقضاء وحرمته يمنعها من إطلاق الاتهامات جزافا، فنحن لم ولن نطلب من أحد أن يتضامن معنا، لأننا عزمنا على أن ندافع عن أنفسنا بسلاح القانون والعدالة. إن فرض الوصاية على الصحافة المستقلة عمل خطير جدا. فهو يستعمل حقا يراد به باطل، لأن الحديث عن معركة حرية التعبير قضية مبدئية نشترك فيها جميعا، سواء كنا متفقين أو مختلفين في نظرتنا إلى الأمور. لأن الاختلاف رحمة، إلا أن الوصاية نقمة يبتلى بها من لا يقرون بالاختلاف ومن يريدون فرض توجيهاتهم وارتباطاتهم على الصحافة المستقلة وغير المستقلة. وإذا كنا نقدر مواقف أي زميل مهني، عندما يتعلق الموضوع بالدفاع عن حرمة مهنة الصحافة وحريتها وسبل تطويرها وتبني حقها الكامل في الولوج إلى المعلومات، فإن هذا التقدير الذي ينطلق من قناعات مبدئية، هو ما يجعلنا نصارح الزملاء برفض الوصاية من أية جهة كانت. لأنها الباب الخلفي للقطع مع الحرية وحق الاختلاف. ولا يمنعنا أننا كصحافة مستقلة ندافع أيضا عن الصحافة الحزبية التي لها مكانتها ودورها اللذان لا يمكن شطبهما أو تجنبهما. فلولا المعارك البطولية التي خاضتها الصحافة الحزبية دفاعا عن حرية التعبير، لما أمكن لنا اليوم أن نعبرعن آرائنا بكل هذا الوضوح والصراحة. قليلا من التواضع أيها الزملاء، فمن يغبط حق الآخرين في الوجود لا يكون أهلا للكلام باسم الآخرين. والصحافة المستقلة لها آراؤها ومنابرها، ولا يمكن إطلاق أوصاف مطلقة عليها أو الزج بها في معارك هامشية، فهي ليست طفلا قاصرا. ولها رجالاتها ورموزها الذين يعبرون بصوت عال عما يختلج في صدورها من آمال وطموحات.