هل يجوز في عالم تعمه الحروب و المقاتل وتدمر فيه المدن على رمتها , ويذبح الناس بسبب انتمائهم الديني أو العرقي , ويشتت شمل الأسر , ويقتل الأطفال ويشردون ويحرمون من ذويهم ومن بيوتهم ومدارسهم , أن نأمل في اتحاد الجنس البشري ؟ وهل يجوز في عالم أصبح بعضهم بل الآلاف المؤلفة تخاطر بنفسها في مياه البحار الكاسحة , فيهلك بعضهم غرقا وتعتقل الباقية المتبقية ويوضعون في السجون والمعتقلات وكأنهم ارتكبوا جنحا لسعيهم وراء معيشة كريمة , أن نتخيل اتحاد الجنس البشري ؟ وهل يجوز في عالم أصبح مفهوم النجاح هو إخضاع وقهر الآخر وبأي طريقة كانت , وأصبح مفهوم السلطة هو السيطرة بالقوة على كل من سولت له نفسه الدخول في ميدان المنافسة , أن نسعى إلى اتحاد الجنس البشري ؟ وهل يجوز في عالم يموت فيه الناس جوعا أو بسبب أبسط الأمراض , بينما القلة القليلة تهدر أموالا طائلة في المشتهيات البائدة , أن نحلم باتحاد الجنس البشري ؟ هل يجوز في عالم تستغل جل ثرواته من فئة قليلة هم أقرب إلى الثمانية ,بينما الأغلبية الساحقة يتصارعون من أجل البقاء , أن نتصور اتحاد الجنس البشري ؟ وهل يجوز في عالم مهدد بحرب شاملة , ومتعصبين إرهابيين سافكين للدماء بلا رحمة ولا شفقة , ومتطرفين لعرقهم وعقيدتهم وفكرهم , وباسمه يخلقون الفوارق الاجتماعية فيظهر الغنى الفاحش والفقر المدقع ,أن نصبو إلى اتحاد الجنس البشري ؟ فهل يجوز إذا أن نتخيل بأن هذا التصاعد والتفاقم في المصائب والمعضلات والأمراض التي حلت بجسم الإنسانية ستقود العالم إلى المنعرج الأخير والتغيير الخطير , بحيث سوف يتضح له بأن شفائه في اتحاده وسلامته في ائتلافه , فدواء علل الجسم لا يكون بدواء الأعراض بل بالتعرف على أصل الداء , ثم تحضير الشفاء الناجع والدواء النافع. فهل يجوز أن نفكر بأن التخلص من كل هذه المصائب والآفات التي حلت بالإنسانية يكمن في اتحادها ؟ فتلغى جميع التعصبات العرقية والدينية والجنسية والقومية , وتفعل القوانين من أجل سلامة المستضعفين , فتتوزع الثروات العالمية بالعدل والانصاف , بحيث يتمكن الكل من ضمان حياة كريمة . فهل يجوز أن نتصور بأن جسم العالم في مخاض , بحيث تزداد أوجاعه وآلامه كلما اقترب ميعاد ولود عالم جديد , وسماء جديدة , ومدنية عالمية لم يرى لها السلف مثيلا , بحيث ستنصهر الشعوب والأقوام في وطن واحد هو كوكب الأرض , الذي هو عبارة عن قبضة من التراب تدور في فلك لها . فالحضارات تظهر و تنبثق لما يحين وقتها , وقد حان وقت بزوغ حضارة عالمية يكون رمزها وميزتها هو اتحاد الجنس البشري , فكل الظروف مواتية لظهورها , ومنها الامكانيات العلمية والثقافية والاجتماعية , فهي متواجدة متأهبة لجمع شمل الملل والأمم. ومثال الاتحاد الأروبي خير دليل على نجاعة هذا التدبير , وتجمعات أخرى منها بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط , وجنوبأمريكا باتت تخطط وتبرمج لاتحادها وتجمعها . فالحاجة باتت جلية واضحة لكل الشعوب , فسلامتها وراحتها تكمن في اتحادها وليس في خلافها وانشقاقها , وعوض التفكير في الدمار والحروب فالنتخيل معا السلام والصلح العام , فكم من حضارة اندلعت من فكرة واحدة ,فالأفكار هي مبدأ الأنوار , ومن النقطة تهيج البحار , ومن مسكن تعمر الديار ,فلا يجوز لنا ولا خيار لنا إلا أن نأمل في مستقبل يعمه السلام بعد هذه المحن و الدمار.