رغم مرور أشهر على بدء مشاريع إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، لا تزال وتيرة الأشغال بطيئة، وسط تأخر مقلق في تسليم الوحدات السكنية للمتضررين، ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التعثر. ويشير متخصصون إلى أن الدور المحوري للمهندس المعماري، الذي يُفترض أن يكون صلة وصل بين جميع المتدخلين، يواجه عراقيل تنظيمية وبشرية تعطل سير الأشغال. المهندس المعماري لا يقتصر دوره على إعداد التصاميم أو مراقبة جودة البناء، بل يعدّ العقل المنسق للمشروع ككل. فهو المسؤول عن ضمان احترام المعايير التقنية والآجال الزمنية، كما يشرف على التنسيق بين السلطات المحلية، والمقاولات، والحرفيين، وحتى الأسر المستفيدة من السكن. ورغم الجهود المبذولة، إلا أن المشاريع تعرف تأخيرات كبيرة، لا تعود في الغالب إلى مشاكل تقنية، بل إلى ضعف التنظيم والتتبع. فبناء مساكن صغيرة بمساحة 50 مترًا مربعًا لا يتطلب مهارات استثنائية، بقدر ما يستدعي تدبيرًا محكمًا وتنسيقًا فعّالًا. عوامل التأخر متعددة، أهمها: بطء المساطر الإدارية في صرف التمويلات، رغم وضوحها نظريًا، إلا أن التداخل في مستويات اتخاذ القرار يؤدي إلى تعطيلها. انعدام التنسيق بين المتدخلين محليًا ومركزيًا، ما ينتج عنه أخطاء في المواد، تأخير في التسليم، وغياب التتبع الفعّال. سلوكيات لا مبالية من بعض المكلفين بالمشاريع، تعكس غياب حس المسؤولية أو ضعف الالتزام المهني. تجاوزات بشرية، من بينها حالات احتيال، حيث يعمد بعض المقاولين إلى سحب التمويلات وترك الأوراش متوقفة. سوء تدبير الموارد، سواء البشرية أو المادية، إضافة إلى نقص في تأهيل اليد العاملة المحلية. في خضم هذا السياق، برز خيار "البناء الذاتي" كحل بديل. فقد مكّن بعض الأسر من إعادة إعمار منازلهم بشكل مباشر، دون انتظار تدخلات المقاولات. هذا التوجه يعزز شعور الانتماء والمشاركة المجتمعية، كما يقلص الكلفة، غير أنه لا يخلو من صعوبات، أبرزها ضعف التكوين وغياب التأطير الفني، ما يحتم تدخلًا إشرافيًا مستمرًا من قبل المهندس المعماري. ورغم توفر الإمكانيات والموارد، تبقى الإشكالية الجوهرية مرتبطة بغياب تنسيق فعّال والتزام جدي من كافة الأطراف. فالتأخر المزمن في المشاريع يفتح الباب لتساؤلات مشروعة: هل السبب خلل في القيادة؟ أم لا مبالاة جماعية؟ أم غياب هيكلة تنظيمية ملائمة؟ الجواب لا يزال معلّقًا، لكن ما هو مؤكد أن نجاح أي مشروع إعمار، خصوصًا في سياقات الكوارث، يحتاج إلى رؤية واضحة، تنسيق دقيق، وانخراط مسؤول من كل المعنيين، وعلى رأسهم المعماري، الذي يظل حجر الزاوية في مسار البناء والتأهيل.