في سابقة قضائية تُعدّ نقطة تحول في تفسير حقوق الدفاع وصلاحيات المحامين، أصدرت محكمة النقض قراراً حاسماً (العدد 902/12 بتاريخ 15/05/2024، ملف جنحي 9955/6/12/2022) نقضت بموجبه قرار محكمة الاستئناف بأكادير. يأتي هذا القرار ليؤكد على أهمية احترام مبدأ المحاكمة العادلة، التي تستلزم ممارسة المتهم لحقوق دفاعه كاملة، وعلى رأسها مؤازرته بمحامٍ يتوفر على الإمكانيات القانونية والمهنية لعرض وسائل دفاع موكله. تتعلق النازلة موضوع قرار محكمة النقض بإدانة متهم مثل أمام المحكمة منفرداً، وفي غيبة دفاعه الذي كان مشاركاً في الإضراب الذي دعت إليه هيئة المحامين بأكادير يوم 20/12/2021 وكافة نقابات المحامين بالمغرب. كان هذا الإضراب احتجاجاً على قرار الحكومة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية بفرض توفر الوافدين على مقرات المحاكم على الجواز الصحي. وقد ورد في حيثيات قرار محكمة النقض ما يلي، مؤكداً على خرق حقوق الدفاع: "في شأن الفرع الأول من وسيلة النقض الأولى المتخذ من خرق حقوق الدفاع ذلك أن المحكمة المطعون في قرارها ناقشت الملف بجلسة 2021/12/21 وهو اليوم المعتبر من ضمن الأيام التي قررت هيئة المحامين بأكادير وجميع هيئات المحامين بالمغرب خوض إضراب شمل مقاطعة جلسات المحاكم حسب بلاغ السيد النقيب المؤرخ في 2021/12/20 وهو ما استجاب له دفاع العارض إلا أن المحكمة جهزت الملف بدون حضور دفاع العارض الأمر الذي جعله يتقدم بطلب إخراج الملف من المداولة مرفقاً بمذكرة بيان أوجه الاستئناف تم إيداعها بتاريخ 2021/12/22 إلا أن المحكمة لم تستجب للطلب. مما يستوجب نقض القرار." "وبناء على المادتين 365 و370 من قانون المسطرة الجنائية وبمقتضاهما يجب أن يكون كل حكم أو قرار أو أمر معللاً تعليلاً سليماً من الناحيتين الواقعية والقانونية وإلا كان باطلاً." "حيث وإن المحكمة وإن كانت لها السلطة في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتجهيز الملفات وفي استجابتها لطلبات الإخراج من المداولة من عدمها فإن ذلك رهين بعدم مساسها بحقوق الدفاع وسهرها على ضمان محاكمة عادلة، ومن ثم تكون المحكمة المطعون في قرارها لما ناقشت الملف في غياب دفاع العارض، هذا الغياب الذي كان استجابة للبلاغ الصادر عن السيد نقيب هيئة المحامين بأكادير المؤرخ في 20/12/2021 والرامي إلى مقاطعة جلسات المحاكم تكون قد خرقت حق الدفاع." وبغض النظر عن كون قرار محكمة النقض قد ذكرنا وذكر محكمة الاستئناف بأكادير بوجوب احترام حقوق دفاع المتهمين، فإنه عبر صراحة، بشكل مباشر وغير مباشر، على سبيل الإضافة، عن نقاط جوهرية: * أولوية حقوق الدفاع: إن القرارات الرئاسية أو الوزارية المنظمة لمركز قانوني معين خاص بالمحاكم (كالجواز الصحي) غير ملزمة للقاضي الذي يتعين عليه أن يؤمن احترام حقوق دفاع الأطراف في إطار قواعد المسطرة على سبيل الأولوية. هذا يؤكد على استقلالية القاضي في حماية الحقوق الدستورية. * تبرير غياب المحامي: أن المحامي معفى من المسؤولية المهنية إذا كان غيابه عن الجلسة التي يحاكم فيها موكله مبرراً بحضوره إضراباً دعت له هيئة المحامين. هذا يعود لما تتمتع به قرارات نقيب الهيئة من واجب التنفيذ والاحترام إزاء كافة المحامين، مما يعزز دور الهيئات النقابية. * حسم الجدل حول الإضراب: حسم هذا القرار النقاش والجدل السائد بين المحامين إبان الدعوة إلى الإضراب المذكور، بين القائلين بشرعية مقاطعة المحامين لجلسات الأحكام وخوض إضراب بشأن ذلك (الذين كانوا أكثرية)، وبين القائلين بعدم شرعيته (الذين كانوا أقلية)، في إطار تفسير كل طائفة لمقتضيات المادة 39 من قانون مهنة المحاماة التي منعت تواطؤ المحامين وتوقفهم كلياً عن تقديم المساعدة للقضاء. يؤكد القرار ضمنياً على أن الإضراب النقابي المنظم ليس تواطؤاً يعاقب عليه القانون. يُعد هذا القرار بمثابة سابقة قضائية مهمة تعزز من مكانة المحامي وحقوق الدفاع في المنظومة القضائية المغربية، ويؤكد على ضرورة مواءمة الإجراءات الإدارية مع المبادئ الدستورية للمحاكمة العادلة. ذ/نور الدين بن محمد العلمي محامي بهيئة أكادير