أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة في الحوار التالي يتطرق الأستاذ محمد ياقين إلى الأسباب التي تقف وراء إصرار بعض الأسر على تزويج أبنائها وبناتها من ذوي القربى والانعكاسات التي تترتب عن هذا النوع من الزيجات. ما المقصود بزواج الأقارب وما مدى انتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع المغربي؟ زواج الأقارب أو الزواج الداخلي (l'endogamie) هو استراتيجية زواجية تروم تحقيق العديد من الأهداف غير المباشرة والوظائف الكامنة. فإذا كان الزواج يعتبر، عموما، شكلا من أشكال التبادل الاجتماعي (تبادل منافع ومصالح وخيرات مادية ورمزية، مصاهرات…)، ففي هذا النوع يتعلق التبادل باستراتيجية جماعية تخضع لمنطق العلاقات العائلية أو العشائرية أو القبلية أو الطبقية أحيانا. وتميز الدراسات الأنثروبولوجية بين أشكال مختلفة أبرزها الزواج القرابي المحلي، الزواج القرابي العصبي، الزواج القرابي المحدود في جماعات متوحدة، الزواج القرابي المحدود جغرافيا أوترابيا… في المغرب كما هو الشأن بالنسبة للعديد من البلدان العربية والإسلامية أو التي تتميز بتعدد الإثنيات تنتشر هاته الظاهرة بمستويات ودرجات ونسب تختلف حسب الجهات والأوساط والمناطق… إلى عهد قريب تشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة الزواج القرابي في المغرب تقارب 20 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة تبقى قليلة مقارنة مع بلدان أخرى تتقاسم العديد من خصوصيات مع المغرب. ومن زوايا ميكروأنثروبولوجية سجلت دراسات أنجزها مختبر الوراثة والقياسات الحيوية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة نسبا متفاوتة حسب الجهات والخصوصيات السوسيو- ثقافية، وتبعا لنوع وشكل الزواج القرابي. ففي دراسة حول محددات الزيجات العصبية، همت جهة الرباطسلا زمور زعير وامتدت من نونبر 2004 إلى يونيو 2005 وشملت 280 أسرة، تم تسجيل 20 في المائة من حالات زيجات القرابة الدموية. وفي دراسة أخرى قام بها نفس المختبر في منطقة سوس ماسة درعة، شملت عينة عشوائية تتشكل من 197 أسرة و امتدت من أكتوبر 2005 إلى أبريل 2007، تبين أن اختيار الشريك من نفس الأصل يمثل 77,2 في المائة من الزيجات المدروسة مقارنة مع 84,9 بالنسبة لجيل الآباء، كما تبين أن اختيار الشريك من نفس مسقط الرأس يمثل نسبة 94,7 في المائة مقارنة مع 6, 97 بالنسبة لجيل الآباء… ما هي الأسباب التي تقف خلف إصرار بعض الأسر على تزويج أبنائها وبناتها من ذوي القربى؟ تختلف الأسباب باختلاف الأوساط وأنماط الذهنيات ورهانات الاستراتيجيات الزواجية. فقد يتعلق الأمر بالخوف من المختلف عرقيا أو ثقافيا أو لغويا باعتباره عنصرا «دخيلا» على الأسرة، بالإضافة إلى هيمنة بعض الأحكام الجاهزة والنمطية حول إثنيات ومناطق بعينها، الأمر الذي يدفع إلى الاقتصار على علاقات زواجية من نفس الإثنية أو المنطقة أو الجهة. هناك سبب آخر يتعلق بتنمية الثروة، بحيث يكون الزواج فرصة لعقد تحالف جديد لا يتعلق بشخصين بل بعائلتين أو بقوتين اقتصاديتين أو قطبي نفوذ، وهذا يحيلنا على الزيجات التي تلتقي فيها المصالح ورهانات السلط السياسية والاقتصادية. وفي نفس السياق يمكن الحديث عن حرص البعض على عدم توزيع الثروة خارج نطاق العائلة أو العشيرة أو القبيلة، بما أن الطرف “الدخيل” سيغدو شريكا يتمتع بالحق في الإرث. قد يتعلق الأمر ب”تفويض أمر” اختيار الشريك لأحد الوالدين أو الأخت الكبرى، وفي هذا الصدد نجد حالات تتعلق إما ببعض المهاجرين أو أفراد يتخوفون من خوض مغامرة الاختيار بشكل شخصي ويفوضون الأمر طواعية وامتثالا لمن يعتقدون بأنه الأكثر دراية وخبرة، أو خضوعا لتأثير أسرهم. وهنا قد يستغل هذا التفويض للبحث عن شريك ينتمي إلى نفس العائلة أو العشيرة أو القبيلة، على اعتبار أنه يكون مألوفا ومعروفا أكثر بشكل تتقلص معه احتمالات الفشل أو «التمرد» على عادات وتقاليد العائلة أو العشيرة أو القبيلة. ما هي النتائج والانعكاسات التي يمكن أن تترتب عن هذا النوع من الزيجات؟ يمكن الحديث عن انعكاسات صحية خطيرة، يزداد احتمال حدوثها لدى للزيجات القرابية العصبية، وتتجلى في تشوهات خلقية وفي بعض الأمراض الوراثية الجينية…أما بالنسبة لما قد يترتب من نتائج اجتماعية السلبية فيمكن الحديث عن التوترات والصراعات التي قد يتجاوز مدى تأثيرها العلاقة الزوجية ليمس شبكة علاقات المصاهرة وما يرتبط بها من مصالح … وفي حال اقتران الزيجة بمصالح اقتصادية فمن الطبيعي أن تتضرر هاته المصالح في حالة الطلاق. كما يتم أحيانا اللجوء إلى ردود أفعال انتقامية (تطليق الزوجة في حالة لجوء أحد أقربائها إلى نفس الإجراء مع قريبة للزوج مثلا…). يمكن أن نتحدث أيضا عن انعكاسات ذات طبيعة نفسية، عندما يتعلق الأمر بزيجات تتم بشكل قسري، بحيث يتقلص هامش الاستقلالية والمبادرة ويتم القبول بالأمر الواقع، رضوخا لإكراهات اجتماعية تلغي الذات وتضيع معها حقوق أخرى من صميم العلاقة الزوجية، بشكل يدفع إلى البحث عن منافذ للتعويض، وهو ما يفسر أحيانا البحث عن شريك جنسي خارج إطار الزواج. حاورته شادية وغزو