لطالما انتقدت الأحزاب السياسية، خاصة أحزاب المعارضة في فترات معينة من تاريخ المغرب، منطق الزبونية والولاءات اللذين تشتغل بهما الدولة واللذين استعملتهما كسلاح ضد هذه الأحزاب للتحكم في المشهد السياسي. جل الدارسين للبنيات الاجتماعية المغربية من سوسيولوجيين أجانب ومغاربة توقفوا طويلا عند هذه الآلية التي وجدت تربة خصبة للنمو والتطور والاندماج بشكل مرضي في المجتمع المغربي. لكن ما لم يكن يخطر على بال هو أن تلجأ الهيآت السياسية التي انتقدت بشكل كبير كل أشكال الزبونية والريع السياسي، إلى نفس المنطق كي تعيد إحياءه وتشتغل به في إطار الصراعات الداخلية التي تعيشها. على مستوى آخر تفوق المجتمع المدني في الاستفادة من التطور التكنولوجي ومن تجدد شبكات العلاقات الاجتماعية وسار في اتجاه تطوير آليات اشتغاله بالمرور تدريجيا من التطوع إلى التأهيل والتكوين وتوسيع أهدافه لتشمل الجانب الحقوقي والتنموي والعمل من خلال بناء شراكات مع القطاعين العام والخاص، غير أن الاستغلال السياسي لم يجعل الجمعيات بدورها تنجو من الوقوع ضحية للعلاقات الزبونية. لجوء الأحزاب السياسية إلى هذا المنطق الفاسد ظهر بعد اشتداد المنافسة داخلها على المناصب والمقاعد والمسؤوليات، وتراجع النفس النضالي الذي لم تستطع هذه الهيئات أن تجدد آليات اشتغاله وتطوره وتحوله إلى عنصر إيجابي، فتحولت العلاقات النضالية بين القاعدة والنخبة والسياسية إلى علاقات زبونية تتحكم فيها وضع النخبة المتشبثة بالقيادة والسيطرة مقابل الاستفادة المادية والرمزية لبعض الأفراد المشكلين والمتحكمين في مختلف تيارات القاعدة الحزبية. سبق للراحل السوسيولوجي والاتحادي محمد جسوس أن انتقد هذا النمط من تدبير العلاقات الاجتماعية الذي كان يشتغل به النظام المخزني معتبرا أن هذا النظام، يعيد إنتاج، «الباتريمونيالية الجديدة» بأسلوب تقليدي، يرتكز على بنية السلطة والشبكات والولاءات. وفي الوقت الذي كان المجتمع المغربي ينتظر من هذه الأحزاب وصفة سياسية تعالجه من هذا المرض الذي بدا متجذرا فيه، يبدو أنها أصبحت تعاني من نفس الداء الذي دب في أوصالها ونخر ما تبقى من هياكلها التي أوشكت على الانهيار إن لم تكن قد تناثرت.