8 ماي.. حلول الذكرى الثانية والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    إسبانيا.. سانشيز يجدد التأكيد على دور المغرب في استعادة التيار الكهربائي بسرعة    إحباط تهريب نصف طن من الكوكايين في شحنة فحم بميناء طنجة    مراكش.. توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية متورطين في ارتكاب حادثة سير مع جنحة الفرار في حالة سكر متقدمة    مطار محمد الخامس بالدار البيضاء: المكتب الوطني للمطارات يطلق طلبي إبداء اهتمام لإنجاز المحطة الجديدة    الجالية تحصل على أكبر حصة من دعم السكن.. والفئات الهشة خارج دائرة الدعم    إغراق السوق بال "PVC" المصري يدفع المغرب إلى فرض رسوم مضادة    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    منتخب الشبان في صدام ناري أمام تونس لحسم بطاقة العبور لربع نهائي كأس إفريقيا    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    "العدالة والتنمية" يدعو وزارة الداخلية إلى إطلاق المشاورات بشأن الانتخابات المقبلة    تحذيرات من تدهور الوضع الصحي لمعطلين مضربين عن الطعام بإقليم تاونات ومطالب بإطلاق سراح رفاقهم    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    المغرب يحتفي باليوم العالمي لشجرة الأركان كرافعة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    دكاترة الصحة يذكرون بمطالب عالقة    قمة دوري الأبطال تستنفر أمن باريس    لامين يامال يقدم وعدًا إلى جماهير برشلونة بعد الإقصاء من دوري أبطال أوروبا    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند وباكستان    500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء    الكرادلة يبدأون عصر الأربعاء أعمال المجمع المغلق لانتخاب بابا جديد    فرنسا تواصل معركتها ضد الحجاب.. هذه المرة داخل الجامعات    قيادي حوثي: اتفاق وقف إطلاق النار مع أمريكا لا يشمل إسرائيل    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    بورصة الدار البيضاء.. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    كيوسك الأربعاء | لفتيت يكشف الإجراءات الأمنية للتصدي للسياقة الاستعراضية    انتر ميلان يتغلب على برشلونة ويمر إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    من النزاع إلى التسوية.. جماعة الجديدة تعتمد خيار المصالحة لتسوية غرامات شركة النظافة التي تتجاوز 300 مليون سنتيم    مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    زوربا اليوناني    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد جسوس العالم الذي أدمج السوسيولوجيا في النضال الاجتماعي والسياسي
نشر في مغارب كم يوم 12 - 02 - 2014

برحيل العالم الجليل الدكتور محمد جسوس، الجمعة الماضية، تكون السوسيولوجيا المغربية قد رزئت في أحد روادها البارزين والمؤسسين، الذين عملوا على وضع لبناتها الأولى بالجامعة المغربية منذ حوالي أربعين سنة، حيث ساهم في انفتاح الطلبة والباحثين على ‘مقاربات نظرية وممارسات ميدانية جديدة، سمحت بتأسيس خطاب سوسيولوجي متميز بعقلانيته ونزعته النقدية من جهة، وبحرصه على التقيد بالاشتغال في حدود العلم ووفق ضوابط ومقتضيات كانت بدورها في طور التأسيس′، مثلما سجلت ورقة أكاديمية قدمت خلال حفل تكريم محمد جسوس قبل نحو سنتين.
كان جسوس يؤمن دائما بضرورة انخراط السوسيولوجيا في النضال السياسي والاجتماعي وفق رؤية نقدية معرفية، حتى لا يبقى الباحث السوسيولوجي منعزلا عن سياقه ومحيطه. هذا الاقتناع مارسه عمليا جسوس الذي ولد في فاس عام 1938، ودرس علم الاجتماع أولا بجامعة ‘لافال' بكندا، ومنها حصل سنة 1960على شهادة ‘الميتريز′ في موضوع ‘حضارة القبيلة في المغرب: نموذج سوس′، ثم نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، سنة 1968، من جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية في موضوع ‘نظرية التوازن ومسألة التغير الاجتماعي'. ليقفل عائدا إلى المغرب ممارسا للتدريس الجامعي بكلية الآداب بالرباط، وممارسا في الآن ذاته لنضال سياسي مختلف في أحضان اليسار. من بين أعماله كتاب: ‘رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب' الصادر عن وزارة الثقافة، وكتابا ‘طروحات حول المسألة الاجتماعية' و'طروحات حول الثقافة والتربية والتعليم' الصادران ضمن منشورات جريدة ‘الأحداث المغربية'.
سوسيولوجيا نقدية
من أهم ما ميز الراحل محمد جسوس كما يقول الباحث السوسيولوجي الدكتور مصطفى محسن سعة فكره وتعدد وتداخل اهتماماته العلمية والسياسية والاجتماعية المتباينة. ويوضح الدكتور محسن في إحدى دراساته أن جسوس انشغل، منذ بداية مساره العلمي، بضرورة المساهمة في التأسيس لسوسيولوجيا نقدية، تقطع، من جهة، مع أنماط من ‘المعارف' الكولونيالية ظلت، لمدة عقود وفي مجالات بحثية واجتماعية معينة، محتكرة للهيمنة والتصدر، ولكن دون إلغاء أهميتها كلية. ومن جهة ثانية، كان يريد لهذه السوسيولوجيا النقدية أن تظل منخرطة في سيرورة مشروع كوني للعلوم الاجتماعية والإنسانية عامة، مشروع واع بمجمل الشروط والمحددات السوسيوتاريخية والمعرفية المؤطرة والموجهة ل'علميته' في سياق تبلوره نشأة وتطورا وامتدادات متعددة... وواع أيضا بخصوصية السياقات المغايرة التي تنقل إليها مفاهيم ونظريات ومناهج هذه العلوم.
هكذا إذن وكما نخبة متميزة من مُجايليه المفكرين، ومنا نحن تلامذة هذا الجيل من الرواد.
ويتوقف الدكتور مصطفى محسن عند أهم القضايا والإشكاليات التي اهتم بها محمد جسوس على النحو التالي:
نقد المعرفة'الغربية وخاصة في علم الاجتماع نقدا إيجابيا ومنتجا يقوم على التحليل والتفكيك وفهم الأبعاد والدلالات والمرجعيات وآليات الاشتغال... وليس نقدا يقوم على منطق ومقصديات النقض والدحض والاجتثاث... كما فعل البعض إزاء المعرفة الاستعمارية بل و الاستشراقية عامة، بل وإزاء بعض مكونات التراث العربي الإسلامي كذلك.
نقد التعامل ‘التبعي الاتباعي' المطمئن مع هذه المعرفة، ولاسيما في بعض نماذج مفاهيمها وطروحاتها وتوجهاتها المتباينة... وأهمية التمييز في كل ذلك بين المعرفي والتاريخي، والعلمي والإيديولوجي- الثقافي.
نقد الفهم ‘الخصوصاني' أيضا لهذه المعرفة، والدعوة إلى إنتاج ‘سوسيولوجيا محلية أو إقليمية...'، مثل الدعوة إلى ‘علم اجتماع عربي، أو مغربي أو أفريقي...الخ' وضرورة استبدال هذه الرؤية الاختزالية بما اقترح توصيفه ب'منظور نقدي منفتح' يكامل بين المشروع الكوني للعلم، وبين خصوصية القضايا والإشكالات والظواهر التي يتخذ منها ‘موضوعا' للمقاربة والبحث في سياقات سوسيوتاريخية وثقافية وسياسية وحضارية متباينة متنفذة ومعينة في الزمان والفضاء.
مدرسة القلق الفكري
ويضع الباحث السوسيولوجي الدكتور عبد الرحيم العطري أستاذه الراحل محمد جسوس ضمن خانة ‘مدرسة القلق الفكري'، مشيرا إلى أن الراحل لم يكن مجرد عابر سبيل في خرائط الدرس السوسيولوجي، بل كان علما مؤسسا ومنارة بارزة في تاريخ سوسيولوجيا ما بعد الاستقلال بالمغرب.
ويضيف قائلا: ‘أحبّته يعتبرونه مؤسسا ورائدا، فيما معارضوه يعتبرونه معرقلا لكثير من المشاريع التي لم تساير رؤاه واختياراته الإيديولوجية، لكنهم جميعا يقرون أنه الأستاذ العالم والمناضل السوسيولوجي الذي علمهم ‘حب الانتماء' إلى سوسيولوجيا النقد والتفكيك.
علاقة محمد جسوس بالقلم لم تكن طيبة، كما يسجل العطري مضيفاً أيضا: ‘كان مقلا في كتاباته، كان يميل إلى الشفاهي لا المكتوب، لكن هذا الميل لم يكن بالمرة ليقلل من قوة وأصالة منجزه، فالفكرة في جذوة التحليل وحرارة النقاش، تكون أكثر عمقا وتأثيرا. ولولا إلحاح بعض أحبته لما قرأنا طروحاته حول المسألة الاجتماعية في مستوى أول، وحول الثقافة والتربية والتعليم في مستوى ثان، والصادرتين معا ضمن منشورات جريدة الأحداث المغربية، ولا تعرفنا على رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب الصادرة عن وزارة الثقافة، والتي قدم لها و أعدها للنشر الدكتور إدريس بنسعيد.'
في ذات ‘الطروحات' يعترف جسوس أنه ‘لا يتمنى إنتاج سوسيولوجيا جسوسية أو مدرسة جسوسية' مؤكدا بأنه ‘في الغالب الأعم إذا كتبت نصا، لا أكتبه إلا بعد النقاش، أتعلم الكثير جدا من النقاش والحوار مع الشباب، وإن كنت أشتكي بالفعل من أن مستوى الحوار قد تدهور كثيرا خاصة منذ منتصف الثمانينات إلى الآن'.
في هذه الطروحات التي كشف في مفتتحها أسباب إضرابه عن الكتابة والنشر، سيعترف في ختام فاتحة القول بأنه نادم على انتصاره الطويل للثقافة الشفاهية، وأن الحاجة إلى المكتوب باتت أكثر إلحاحا، ما دام الطلب على السوسيولوجيا قد ارتفع، وما دامت أسئلة المجتمع في تواتر وإرباك مستمر.'
تعددت موضوعات الاشتغال، وتواترت مدارات البحث والتفكير، لكنها في الغالب كانت منهجسة بحال ومآل المجتمع المغربي، عبر مساءلة تجلياته الريفية وأعطابه واحتمالاته القصوى في صياغة المشروع المجتمعي، فقد كان جسوس مفكرا على الدوام في حقلي السياسة والعلم، في العطب التنموي الذي يؤجل الانتقال ويجذر بالمقابل حالة التبعية والانهيار.
ليست الممارسة السوسيولوجية مجرد ترف فكري عند محمد جسوس، إنها مهمة نضالية لا تقتنع بالمقاربات الكسولة والمطمئنة، ولا تقف عند حدود الجاهز واليقيني، وبالطبع فمهمة السوسيولوجيا تقتضي جرعات عليا من الالتزام والجرأة، بحسب عبد الرحيم العطري.
الملاحظة واليقظة الإبستمولوجية
ويرى الباحث السوسيولوجي الأستاذ ناصر السوسي أن المقدمة الأساسية للممارسة السوسيولوجية لدى محمد جسوس هي الملاحظة. فالملاحظة كتقنية هي مرحلة أو إنها اللبنة المركزية في أي عمل ينشد العلمية ويتوخى الموضوعية قدر الإمكان؛ على اعتبار أنها تمدنا بسلسلة من الفرضيات تكون قابلة للاختبار باستمرار، وتثير فينا اليقظة الإبستمولوجية التي تشحذ روح الحذر والحيطة من الإطلاقيات المثالية والتوجهات الدوغمائية التي تشكل عوائق فعلية أمام القبول بلا نهائية الأحكام والإقرار بنسبية الأحكام والمقاربات والاستنتاجات.
من ثمة، فتضافر الملاحظة والفرضيات يمكننا بشكل كبير من المساهمة الفعالة في إعادة تشييد الواقع السوسيولوجي باستمرار ليغدو توليفا بين الذات والموضوع؛ وعند ذاك يحق لنا حسب محمد جسوس التساؤل عن مدى إجرائية كل الأشكال النظرية من بديهيات، ومسلمات، وإحساسات، وقوانين، وتوجيهات عامة. وكل أشكال ‘الخردة' المعرفية المعروضة في السوق الفكري، على حد تعبيره.
فهم الآخر/ النقيض
وخلال أحد اللقاءات الاحتفائية بالدكتور محمد جسوس، اختار الباحث الدكتور إدريس بنسعيد أن يعود بذاكرته إلى الوراء، إلى ما يزيد عن أربعة عقود بقليل، ليتذكر الخلاصات التي خرج بها كطالب من دروس المحتفى به، قائلا: ‘يتأسس الدرس السوسيولوجي عند جسوس على مبدأ الفهم، خاصة فهم الاختلاف وفهم الآخر (النقيض) وفهمه الجيد. تعرفت مع جسوس لأول مرة على تحليلات ماكس فيبر التي كانت تبدو لنا للوهلة الأولى بسيطة بل متجاوزة على الرغم من أنه لم يسبق لنا الإطلاع عليها لنكتشف لا حقا أهميتها في إعادة صياغة الأسئلة الأساسية بالنسبة للمجتمع المغربي. مع جسوس اطلعنا على الوظيفية وعلى نظريات أخرى نحن الذين كنا، على خطأ نؤسس ونتخذ منها موقف رفض دون أن نعرفها جيدا'.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.