مع رفع التحفظ على المادة 16 من الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، معركة أخرى ستخوضها الحركات الناشطات في مجال حقوق النساء . ففي الوقت الذي تواصل هذه الأخيرة معركتها من أجل تكريس تمثيلية أوسع للنساء في المؤسسات المنتخبة في أفق تحقيق المناصفة كما جاء بها الفصل 19 من الدستور الجديد، طفت على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، خرجة لحركة الإصلاح والتوحيد الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، عبارة عن رسالة حررتها الحركة جاء فيها أن رفع التحفظ على المادة 16 هو «استهداف واضح لبنيان وتماسك الأسرة المغربية و ضدا على أحكام شرعية قطعية، وانتهاك جسيم لأبسط مستلزمات الديمقراطية التشاركية». خرجة تعيد للأذهان ما حصل قبل عقد من الآن، غداة إخراج حكومة التناوب للخطة الوطنية لإدماج المرأة المغربية، ليشحد الحزب ومعه ذراعه الدعوي كل أسلحتهم في وجه الخطة، مما أسفر عن انقسام داخل المجتمع بين مؤيد خرج يساند بالرباط ومعارض يندد بالدار البيضاء. ساعتها تم إخماد الصراع بركن الخطة في الرفوف وخروج واضعها محمد سعيد السعدي من حكومة عبد الرحمان اليوسفي. بين ذلك التاريخ واليوم استجدت أشياء كثيرة تحت جسر الحياة المغربية، ليطرح سؤال ما الذي يدفع الحزب الآن وبالتحديد لتصيد فرصة صدور رفع التحفظ بالجريدة الرسمية في فاتح شتنبر وإثارة الموضوع؟ علما أن رفع التحفظ نفسه تم خلال شهر أبريل الماضي؟. تساؤلات لم تتأخر الإجابة عنها على لسان الفاعلات النسائيات اللواتي ربطن ذلك بتصفية حسابات «سياسوية» من أجل أغراض انتخابية محضة. «فأين كان هؤلاء قبل منذ أبريل الماضي” تأتي النبرة المتسائلة لعائشة لخماس رئيسة اتحاد العمل النسائي، في إشارة إلى أن إثارة هذه المعركة في هذا الظرف بالذات من طرف العدالة والتنمية عبر صحافته ومنظماته الموازية ماهو إلا بحث عن رفع رصيد الحزب في الاستحقاقات التشريعية ليوم 25 نونبر وضمان مكان في الحكومة القادمة. “ثم من قال إن رفع التحفظ على المادة 16 موجه ضد الإسلام ؟” ترتفع نبرة عائشة لخماس المتسائلة، لتجيب بعد ذلك أن رفع التحفظ ماهو في الجوهر إلا تفعيل لمقتضيات مدونة الأسرة التي يعتمدها المغرب منذ سنوات وهي لاتتعارض بأي حال من الأحوال مع روح الإسلام الذي يدعو بدوره إلى العدالة والإنصاف والمساواة، فيما المغرب تسترسل لخماس باشر إصلاحات في هذا الاتجاه حتى قبل الدستور الجديد الذي ينص على المناصفة، حيث تم تجاوز عدة إشكلات كانت تكرس مفهوما خاصا يختزل المرأة في ذلك “الوعاء الذي يحمل الجنين. لذلك «بدل التسفيه»، تدعو عائشة لخماس الجميع دون استثناء إلى الانخراط في حوار هادئ خال من الأفكار المسبقة، مطالبة في نفس الوقت معارضي رفع التحفظ عن المادة 16 للاتفاقية الدولية للكف عن احتكار الحديث باسم الإسلام الذي هو دين المغاربة جميعا. «كانت للعدالة والتنمية خرجة قبل العطلة لكنها لم تكن بذات القوة» تسنتج خديجة الركاني، القيادية بالجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، خالصة إلى أن الغرض من وراء ذلك هو ربح مواقع سياسية لحزب يبحث عن السلطلة، فشل في جني ثمرات التوافقات، إذ لم ليعود لامتطاء القضية النسائية “كعادته”، تضيف الروكاني، لرفع أسهمه في البورصة السياسية مشيرة إلى أن كل المعاركة التي خاضها حزب العدالة والتنمية تكاد تقتصر على توظيف هذا الموضوع بكثير من المغالطات والديماغوجية من تحقيق أهداف سياسوية. «أهناك أكثر ادعاء من نعت المادة 16 بكونها ضد مصلحة النساء؟ إنها الديماغوجية بعينها» ، تتتساءل الركاني وتجيب ، مؤكدة أنه قبل اعتماد هذه المادة من طرف المنتظم الدولي، كانت هناك اجتماعات وتقارير دول ومشاورات..أييعقل أن يجتمع كل هؤلاء من أجل صياغة قوانين ضد مصالح المرأة؟ هم يثيرون مسألة النفقة وهذا أمر مردود عليهم لسبب بسيط هو أن ثلث نساء المغرب يتكفلن بإعالة أسرهن.. تتواصل استرسالات الناشطة بالجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المرأة، قبل أن تخلص إلى أن وراء تأجيج هذه «الزوبعة» فشل للعدالة والتنمية في تمرير مقترحاته الخاصة بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الانتخابية وكذلك عدم تمكينه من إيجاد موطأ قدم في المجلس الوطني لحقوق الإنسان. «فكفى إجحافا بالمرأة وكفى من ارتداء ثوب الشعبوية في هذا الظرف الحاسم الذي يتطلب تغليب المصلحة الوطنية» تدعو من جانبها خديجة المنفلوطي رئيسة الائتلاف الوطني للمناصفة، مطالبة بالكف عن اعتبار القضية النسائية، ذلك الحائط القصير الذي يمكن القفز عليه من أجل غايات انتخابوية. “فالمجتمعات الأبوية تجاوزها التاريخ” تضيف مشيرة إلى أن البشرية دخلت مرحلة جديدة قوامها تحقيق الإنصاف والمساواة بين الرجل والمرأة، كما تنص على ذلك الاتفاقيات الدولية وذلك ما يجب أن تعيه هذه الأصوات النشاز، تقول المنفلوطي مشيرة في نفس الوقت إلى أنه قبل ذلك حتى الديانات السماوية بما فيها الإسلام ء، نصت على هذه الحقوق وهذا ما يفترض في الرافضين لرفع التحفظ عن المادة 16 من أجل العودة للتمعن في النصوص الدينية. ألا ينص القرآن الكريم نفسه على الإنصاف والمساواة؟ تختتم المنفلوطي.