أكيد سنسمع في الأعوام القادمة أن بويا عمر كانت له هو الآخر حكاية مع حكومة بنكيران. حكاية نتمنى أن تروى وهو ضريح بلا سلاسل ولا مرضى. قد تصل الحكاية حد هدم محيط الضريح واجثتاث كل الأمكنة التي تستعمل مكانا لتقييد مرضى وهاربين من العدالة، أو الذين وضعوا هناك للتخلص منهم لمصلحة عند أحد ما. غير أن ذلك لن يحل مشكل المرضى العقليين لكون بويا عمر موجود في كل شبر من الوطن، ليس في المستشفيات المختصة طبعا، لأن هاته الأخيرة غير موجودة، أو وضعها لا يفي بتغطية المهام المنوطة بها. قصة الأمراض العقلية، وأقصد بها الذهان وليس العصاب الذي قال الوزير الوردي ذات يوم في البرلمان أن نصفنا مصاب به، قصة مثيرة ومأساوية في البلد. لا زلت أذكر أنه في أحد الأيام كنت مارا في الصباح الباكر من شارع بمدينة صغيرة في الجنوب فاسترعى انتباهي وجود مجموعة من الأشخاص مبعثرين قرب المحطة الطرقية وكانوا كلهم مرضى عقليون. لم أفهم مغزى هذا التجمع إلا حينما شرح لي صديق الأمر من كون هؤلاء جيء بهم من إحدى المدن الأخرى كأسلوب يتبعه بعض رجال السلطة الذين يعمدون إلى إبعاد "الحمقى" عن شوارع مدنهم ورميهم في مدن أخرى كما ترمى القمامة في مطرح النفايات. واقعة أخرى حكاها مواطن مغربي ل«الأحداث المغربية» قبل سنوات، جاء فيها أن قائدا في بلدته أمر سائق سيارة إسعاف الجماعة بنقل مجموعة من المرضى، وفيهم قريب صاحب الحكاية، وإجلائهم بعيدا عن اختصاصه الترابي. ولمدة زمنية غير قصيرة بقيت العائلة تبحث عن ابنها لتجده، تائها على بعد أكثر من 300 كلم من بلدته. هذا نموذج لتعامل السلطات مع مواطنين كل ذنبهم أنهم مرضى، وهو تعامل يلتقى في لا إنسانيته مع سلوك آخر، تعمد السلطات من خلاله، في كل مناسبة تقتضي «تنظيف» المدن بسبب زيارة مسؤول أو عقد مؤتمر أو غيره، إلى حشد المتشردين والمرضى العقليين في سيارات «سطافيت» ونقلهم إلى مركز طيط مليل أو عين عتيق أو مركز العنق قبل أن يتم إغلاقه، أو غيرها مما يصطلح عليها بهتانا مراكز رعاية المسنين. هذه المراكز لها حكايات مقززة، لكونها أماكن تمارس فيها أبشع مظاهر الاستغلال، وأبشع السلوكات اللاإنسانية، حيث لا تختلف عن مارستانات أوروبا القرن الخامس عشر... لقد تطرقت وسائل الإعلام غير ما مرة إلى حكايات أسر تقيد مرضاها العقليون في أماكن معزولة، في شروط لا إنسانية، وقد يطول هذا العزل تحت القيد لسنوات طويلة بعيدا عن الأنظار. هل يجرم المجتمع هذا السلوك الذي تقوم به هاته العائلات؟ صعوبة الجواب على هذا السؤال لا يعرفه إلا من ابتلاهم الله باصابة قريب لهم بالمرض العقلي... بويا عمر ليس الضريح الوحيد في المغرب الذي تلجأ إليه عائلات المرضى العقليين، فهناك أضرحة كثيرة تقوم بنفس مهام بويا عمر. فهل يلجأ وزير الصحة إلى إخلاء كل هذه الأضرحة؟ هذا السؤال لا يعني شيئا والسيد وزير الصحة يعرف تمام المعرفة أن وزارته لا تتوفر على بنيات الإستقبال الخاصة بالمرضى العقليين، مما يدفعنا للتخوف من أن تكون عملية بويا عمر مجرد حلقة من أسلوب الفرجة السياسوية التي باتت عنوان المرحلة. لقد قال الطبيب والوزير الوردي في البرلمان بحزم كبير «يا أنا يا بويا عمر». ونخشى أن تنتهي ولاية الوردي وتستمر ولاية بويا عمر، وتستمر معها ولايات كل بويا عمر موجود في البلد، وكل الممارسات المحيطة بالمرض العقلي. شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)