اعتبر إدريس الكتامي رئيس فتح نقاش واسع موضوع " آفة التهرب والغش الضريبي " للنقاش العمومي يأتي في سياق الاهتمامات الكبيرة للمحاسبين العموميين والذي توليه الهيئة بشكل أساسي في الحفاظ على الأمن المالي للمغاربة ، ويأتي كذلك وفق انتظارات مجتمعية في ظل تحولات هيكلية للنسيج الاقتصادي والاجتماعي للمغرب ، كما يؤسس لحقبة جديدة من تاريخ المغرب الحديث وهو مغرب الإقلاع الاقتصادي والنهوض التنموي والعدالة الاجتماعية. رئيس الهيئة الوطنية للمحاسبين العموميين " إدريس الكتامي " أوضح خلال ندوة علمية نظمتها الهيئة في موضوع " تفعيل الآليات القانونية لمحاربة التملص والتهرب الضريبي " بمشاركة فعاليات أكاديمية وأساتذة جامعيين ، أن اختيار الموضوع يأتي في إطار سياسة الإصلاحات الجباية التي تعرفها بلادنا، لعل أبرزها القانون الإطار الخاص بالإصلاح الجبائي الذي يندرج وفق سياسة اجتماعية واقتصادية شاملة، وتأخذ بعين الاعتبار تحسين مساطر معالجة المنازعات الجبائية والرفع من مرد ودية المداخل الضريبية، والعمل على تعزيز الآليات القانونية للرفع من نجاعة تحصيل الديون العمومية وحماية المال العام . وإذا كانت الضريبة تجسد مساهمة الأفراد والشركات والمقاولات في التكاليف العمومية استنادا لمقتضيات الفصل 39 من الدستور كأسمى قانون للدولة، فإن هذه المساهمة تتأثر بشكل كبير بظاهرة التهرب أو الغش الضريبي الذي يعد جريمة لها انعكاسات سلبية على خزينة الدولة ومناخ الأعمال، وتعتبر ظاهرة التهرب والغش الضريبي من أخطر الآفات التي تواجهها الإدارة الجبائية نظرا لخطورتها واتساع نطاقها. وقد اختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الغش الضريبي، حيث منهم من عرفه على أنه كل تملص من ضريبة مستحقة للخزينة بوسائل محظورة قانونا، ومنهم من عرفه بأنه هو اللجوء إلى طرق تتيح التملص من الضريبة سواء اقترن ذلك أو لم يقترن بمخالفة نص جبائي، في حين تم تعريف التهرب الضريبي بأنه سلوك غير قانوني يقوم من خلاله المكلف بالاحتيال على القوانين من أجل عدم السداد كليا أو جزئيا. وبذلك يبدو أن الفرق بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي هو أن الأول يلجأ فيه المكلف لاستعمال وسائل غير قانونية قصد التملص من أداء الضريبة، أما الثاني يعتمد على استغلال غموض وثغرات النص القانوني أي أنه خال من أية مخالفة للقانون الضريبي. والملاحظ أن المشرع المغربي لم يضع تعريف لجريمة التملص الضريبي، وإنما اكتفى فقط بالتنصيص على الأفعال التي يعاقب عليها القانون الواردة بالمادة 192 للمدونة العامة للضرائب، إلا أنه قد أوجد بعض الآليات القانونية، والتي من شأنها الحد نسبيا من ظاهرة الغش والتهرب الضريبي وسد الثغرات التي تتيح للشركات والمقاولات التملص من أداء الضريبة. فمن خلال المادة 98 بمدونة تحصيل الديون العمومية والتي تنص على أنه : " إذا تعذر تحصيل الضرائب، كيفما كانت طبيعتها والغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المرتبطة بها الواجبة على شركة أو مقاولة نتيجة أعمال تدليسية مثبتا قانونا، أمكن جعل المدبرين أو المتصرفين أو المسيرين الآخرين مسئولين على وجه التضامن مع الشركة أو المقاولة عن أداء المبالغ المستحقة، وذلك إذا لم يكونوا ملزمين بأداء ديون الشركة تطبيقا لأحكام أخرى ". والملاحظ من مقتضيات هذه المادة أن المشرع أجاز تقرير مسؤولية المسير الجبائية أو التضامنية لتسديد الديون الضريبية المستحقة للشركة، وذلك خروجا عن المبدأ العام القاضي باستقلال الذمة المالية للأشخاص عن الذمة المالية للشركة. إلا أن هذه المسؤولية مبنية على الخطأ الواجب الإثبات، وهو عملية التدليس حصرا كما يتوجب على من يقوم بإثارة دعوى المسؤولية الجبائية لمسير الشركة، أن يثبت أن الأعمال التدليسية التي قام بها مسير الشركة هي التي أدت إلى استحالة التحصيل، كما عليه أن يثبت كذلك أن الإدارة الجبائية قد استنفدت كل الإجراءات المسطرية للتحصيل قبل المتابعة، حيث يعتبر الإثبات في هذه الدعوى مسألة أساسية للإقرار بمسؤولية المسير وبذلك يكون المشرع قد وسع من خلال المادة 98 المذكورة، من قاعدة الضمانات الممنوحة للخزينة والخيارات المتاحة للمحاسب العمومي لاستخلاص الديون العمومية التي تقع على عاتق الشركات والمقاولات، إلا أنه بالمقابل وفر الحماية القانونية لمسيري الشركات من خلال إحاطة المسؤولية التضامنية التي تستوجب إثارة الدعوى بمجموعة من الشروط والإثباتات . وتجدر الإشارة إلى أن طبيعة المسؤولية الجبائية موضوع المادة 98 من المدونة ليس هي المسؤولية المتعارف عليها في القانون المدني، بحيث أن مصدر المسؤولية في المجال الجبائي هو القانون وأن العلاقة السببية في المسؤولية الجبائية تتجسد في كون الأعمال التدليسية هي السبب المباشر في تعذر التحصيل، كما أن الأعمال التدليسية التي تعتبر هي الأساس في قيام هذه المسؤولية لا يقصد بها الأعمال التدليسية المنصوص في القانون المدني بحيث أن المسير يعتبر مدلسا بمجرد اتخاده موقفا سلبيا وعدم مبادرته لسداد ديون الشركة أو المقاولة بمجرد حلول اجل الوفاء بها. علما أن ثبوت سوء النية لا يكفي لإدراج المخالفات الضريبية في خانة الأعمال التدليسية، باعتبار أن المشرع لم يتطرق للأعمال التدليسية التي يمكن أن يرتكبها المسير، وتشكل بذلك سببا لترتيب مسؤوليته الجبائية في حين أن الخزينة العامة للمملكة بمقتضى دورية إدارية، عرفت الأعمال التدليسية بأنها استعمال وسائل احتيالية بنية التهرب من أداء الضرائب والرسوم دون أن يشكل ذلك مجرد غلط أو سهو غير مقصود، كما أن المخالفات التي يكيفها الاجتهاد القضائي والفقهي على أنها أعمال تدليسية فقد عددها المشرع على سبيل الحصر ورتب عليها جزاءات جنائية طبق للمادة 192 من المدونة العامة للضرائب . أما من حيث الشروط الشكلية لهذه الدعوى فإن المادة 98 تنص بشكل صريح على أن الجهة المختصة نوعيا هي المحكمة الابتدائية، وهذا ما يتعارض مع أحكام المادة 141 من المدونة التي تعطي الاختصاص للمحاكم الإدارية، وكذا مقتضيات المادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية نفس الشيء بالنسبة للاختصاص المكاني حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا : " إن النزاعات التي تنشأ عن تطبيق مقتضيات المادة 141 بمدونة التحصيل باعتبارها قانونا خاصا تعرض على المحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية، عدا الاستثناءات التي نص عليها القانون بشكل صريح كالمادة 80 بشأن الإكراه البدني أو المادة 98 بخصوص المسؤولية التضامنية للمتصرفين أو المسيرين مع الشركة أو المقاولة ". وفي الختام فإننا نعتبر أن الغموض الذي يكتنف المادة 98 بمدونة تحصيل الديون العمومية والتعقيدات الشكلية والموضوعية لمسطرة تحريك دعوى المسؤولية الجبائية لمسيري الشركات، يجعل المحاسبين العموميين نادرا ما يلجئون لهذه الآلية القانونية لاستخلاص الديون الضريبية الخاصة بالشركات والمقاولات . وعليه فإن المادة المذكورة يجب إدراجها في خانة المواد التي يستوجب تعديلها أو تحيينها لرفع اللبس والغموض الذي يكتنفها حتى تحقق الأهداف المتوخاة لتعزيز ضمانات الخزينة والرفع من مردودية التحصيل وحماية المال.