الحرية ليست تعدد في خيارات محدودة، لا يمكننا الخروج عن قائمتها، بل هي القدرة على صنع خيار و قرار من العدم.هكذا هي الحرية، رغم أن لها تعاريف كثيرة و متباينة.دعوني أستعرض و إياكم مختلف تمظهرات الحرية لنرى هل فعلاً نحن أحرار. هذا المقال هو فقط طرح لأفكار و لكم الحكم، أطرح عليكم مختلف تمظهرات الحرية و نناقش ذلك. نبدأ هذا الطرح بالحرية في مرحلة الطفولة، تلك المرحلة التي نعتبرها كلنا المرحلة الأكثر تحررا، تحرر من المسؤوليات و عبء الحياة. نلعب و نمرح بحرية، لكن نلعب ألعابا لم نصنعها نحن أنفسنا، بل أسسها و وضع قوانينها من سبقنا، هي ألعاب فرضت علينا من طرف وسطنا الأسري و الإجتماعي، حرية اللعب بما هو مفروض علينا العب به، غريب هذا التناقض! نحن أحرار لكن في نفس الوقت مقيدون بما هو مطروح من قبل الكبار أو إنتشار اللعبة يفرض علينا لعبها فقط،لم يكن لنا يد سبق في تأسيسها. و تتغير هذه الأمثلة من القيود بتغير المراحل العمرية، في المجال الدراسي نحن أحرار في اختيار التخصصات و الشعب التي نود دراستها، لكن هذه الحرية من جهة مشروطة بمجموع نقاط محصل عليها، و إن إفترضنا اندثار هذا الشرط، نجد أنفسنا أمام خيارات عديدة، لكنها تبقى محدودة، و نحن أحرار في الاختيار لكن داخل هذا العدد المحصور من التخصصات، مرة أخرى أحرار لكن بقيود.بل حتى التخصصات التي نختارها هي مقيدة ب:تحقيق شهرة، عمل يتيحه تخصص دون سواه، اقتراح العائلة، قرب أو بعد المؤسسة حاضنة التخصص... نتجاوز المجال الدراسي لندخل غمار سوق الشغل، لو أجرينا إحصاءا لعدد العاملين في قطاعات و وظائف غير التخصص الذي درسوه لكانت النسبة مهولة، معظم الذين يبحثون عن عمل أو يعملون لهم حرية العمل في القطاع الذي يريدونه، لكن هنا تبدأ عملية الحصر و التقييد الأخرى. يصير عدد الوظائف قيدا يقيد حرية الاختيار، الهم المادي قيد آخر، سهولة العمل قيد بدوره، ساعات العمل قيد، الراتب الشهري قيد، شروط العمل قيد...، كل هذه العوائق تجعل من إختيارنا لعمل ما عن حرية كما نظن، هو في الواقع مفروض علينا. المجال السياسي لا يخلو بدوره من تجاول مصطلح الحرية، نحن أحرار في إختيار من يمثلنا بالتصويت عليه بحرية، لكن صوتنا عليه لأنه خيار رأينا فيه الصلاح و فرض علينا هذا المنظور آراء المجتمع فيه، بل حتى أننا لم نجد أفضل منه فقط و إﻻ و انتخبناه. داخل دواليب الحكم يبدو لنا من بعيد أن رئيس الدولة أو الملك حر في قراراته داخل وطنه، لكن دائماً القرارات تتخذ و تزكيها أو ترفضها أيادي خفية.و التراتبية في الهرم السلطوي يقد كل مسؤول أو صاحب قرار بالمسؤول الذي يعلوه، كل مسؤول له كل الصلاحيات لإتخاذ قرار داخل المهام المخولة له، لكنها رهينة بالمسؤول الذي يعلوه و هكذا التسلسل إلى نهاية الهرم. إقتصاديا كل فرد أو مجموعة أو دولة لها حرية تسيير مواردها، و لها حرية التصرف فيها.لكن هذه الحرية مرهونة بالوضع الاقتصادية الإقليمي أو العالمي.حتى لو إتخذت قرارات من طرف دولة ما في السياسة الاقتصادية تكون مقيدة بموافقة المؤسسات المالية العالمية. و المعلوم أن الإقتصاد تبادل للمصالح، هذا المجال هو بعيد عن الحرية كل البعد. المجال الفني و الأدبي هنا أقرب المجالات لتحقيق الحرية، لكن الفن أو الأدب الهادف لرسالة، رغم أن كل عمل فني أو أدبي يكون مقيداً بسلاسل إرضاء المتلقي و تحقيق الربح المادي.غير أننا لا ننفي الحرية عن كثير من الأعمال الفنية و الأدبية. الحرية ليست مطلقة، بل دائما مقيدة بخيارات محدودة و إن كثرت، لذلك عنونت هذا المقال تحت عنوان رقعة شطرنج، في الشطرنج لك الحق في تحريك البيادق كما تشاء، لكن أولا داخل الرقعة فقط، ثانيا حسب نوع البيدق ، ثالثا حسب نوع الحركة المميزة للبيدق، رابعاً حسب المربعات و الخانات الفارغة و المتاحة. لذلك نحن كالبيادق و الحياة هي الرقعة التي نتحرك عليها، لكل منا ما يميزه لنتحرك حسب قدراتنا و ما يسمح به وقتنا و ما هو متاح لنا، نحن أحرار في الاختيار و القيام بالحركة الموالية، لكن دائماً مقيدون بمحيطنا و بعواقب الإختيار و القرار. لذلك نحن بيادق نتحرك و نقرر في هذه الحياة بحرية، لكن هذه الحرية قد تم تقييدها سلفا لكن زينت في أعيننا. في كل ما نقوم به نحن مقيدون أكثر مما نحن أحرار، فقط صارت قيودنا حرية في نظرنا لذلك نحن أحرار رغم قيودنا....