تحيين الحكم الذاتي إنتقال من التفاوض إلى مشروع سيادي مغربي نمودجي مكتمل الأركان    حموشي يتباحث مع سفيرة الصين بالمغرب سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    القرار ‬2797 ‬لمجلس ‬الأمن ‬الدولي ‬يعلو ‬فوق ‬كل ‬تفسير ‬ولا ‬يعلى ‬عليه    الخطوط الملكية المغربية تطلق أول خط جوي يربط بين الدار البيضاء والسمارة    احجيرة: نتائج برنامج التجارة الخارجية لا تُعجب.. 40% من طلبات الدعم من الدار البيضاء.. أين المجتهدون؟    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    المنتخب المغربي يخوض أول حصة تدريبية بالمعمورة تأهبا لمواجهتي الموزمبيق وأوغندا    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة لتوقيف مروج مخدرات    تارودانت.. إصابة 17 عاملاً زراعياً في انقلاب سيارة "بيكوب" بأولوز    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    الدبلوماسي الأمريكي السابق كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء "تراجع إلى الوراء"    أجواء غائمة مع ارتفاع طفيف لدرجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    فضيحة في وزارة الصحة: تراخيص لمراكز الأشعة تُمنح في ظل شكاوى نصب واحتيال    الفاعل المدني خالد مصلوحي ينال شهادة الدكتوراه في موضوع "السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة في ضوء دستور 2011"    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    "الكاف" يكشف عن الكرة الرسمية لبطولة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزماتنا العربية بين الثابت والمتغير …


(1)
كلما تأملت في حال امتنا العربية والإسلامية ومجتمعاتنا الممتدة على جغرافيا الكرة الأرضية، تذكرت أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم التي تحدث فيها عن هذا الزمن قبل 14 قرنا، ورد في بعضها:
قال صلى الله عليه وسلم: "ستأتي فتن على امتى كقطع الليل المظلم يصبح الحليم فيها حيران، فيصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويصبح الرجل كافرا ويمسي مؤمنا يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا."..
وقال: "توشك ان تداعى عليكم الامم كما تداعى الاكلة الى قصعتها. قيل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير ولكن كغثاء السيل، ويوشك الله ان ينزعن المهابة من صدور اعداءكم، وان يقذف في قلوبكم الوهن. قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت."..
وقال: "ستاتي على أمتي سنوات خداعات، يُكَذَّبُ فيها الصادق ويُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُؤتمن الخائن ويُخَوَّنُ فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضه. قيل: وما الرويبضه؟ قال: الرجل التافه السفيه يتكلم في أمر العامة."…
وقال: "سيأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من النار."..
وقال: " وُلِدَ الاسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء."…
وقال: "ما الفقر اخشى عليكم ولكن اخشى عليكم الدنيا ان تفتح عليكم كما فتحت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما اهلكتكم." ..
وقال عليه الصلاة والسلام: " سألتُ ربي لأمتي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً ، سألتُه أن لا يُكفِّرَ أمتي جملةً فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُظهِرَ عليهم عدوًّا من غيرهم فأعطانِيها، وسألتُه أن لا يُعذبَهم بما عذَّبَ بهِ الأممَ قبلهم فأعطانيها، وسألتُه أن لا يجعلَ بأسَهم بينهم فمنعنيها"…
ويقول عليه السلام: " كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال : وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال : وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً المنكر معروفاً؟" ..
إلا ان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يتركا أمة الاسلام نهبا لليأس والقنوط. ففي القرآن من التطمينات ما يكفي ليكون المؤمن الصادق على يقين بأن الانحطاط في حياة الأمة طارئ، وأنه إلى زوال كحتمية لا تتبدل ولا تتغير إذا ما اخذت الأمة بأسباب النهوض والتجديد والاحياء والبعث.
يقول تعالى: " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"..
ويقول سبحانه: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ."..
ويقول: " حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ."..
ويقول: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ."…
ويقول تبارك وتعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ."..
ويقول: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" ..
ويقول: " وتلك الأيام نداولها بين الناس" ..
أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فكانت حياته كلها تجسيدا لقيمة التفاؤل، فكما بشر صحابته الكرام على الدوام وعند كل المفاصل التاريخية في حياة الدعوة الأولى، بشر امته كذلك إلى آخر الزمان أيضا..
عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا الله تبارك وتعالى، أو ألا تستنصر لنا؟ فقال رسول الله :"قد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل بنصفين فما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك، والله ليتمن الله عز وجل هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"..
روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت."..
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"..
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَنْزِلُ بِأُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلَاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ لَمْ يُسْمَعْ بَلَاءٌ أَشَدُّ مِنْهُ ، حَتَّى تَضِيقَ عَنْهُمُ الْأَرْضُ الرَّحْبَةُ، وَحَتَّى يُمْلَأَ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، لَا يَجِدُ الْمُؤْمِنُ مَلْجَأً يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنْ عِتْرَتِي ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، لَا تَدَّخِرُ الْأَرْضُ مِنْ بَذْرِهَا شَيْئًا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ، وَلَا السَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئًا إِلَّا صَبَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا، يَعِيشُ فِيهَا سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ أَوْ تِسْعَ، تَتَمَنَّى الْأَحْيَاءُ الْأَمْوَاتَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَيْرِهِ ) .
(2)
الحال الكئيب الذي تعيشه الامة العربية والإسلامية ومجتمعاتها اليوم رغم امتلاكها لكل مقومات الدول والكيانات القوية، سيظل يحير النخب الفكرية والسياسية إلى ما شاء الله. فالواقع العربي بلغ في انحطاطه قاعا سحيقا ما عاد معه للامة العربية ومن ورائها الإسلامية وجود او تأثير في صناعة القرار السياسي لا في القضايا الدولية ولا في قضاياها هي وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية وفي قلبها القدس الرشيف والاقصى المبارك. وكان ما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي ما قيل الا في هذه الامة:
رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّى فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ
فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ
وهانَ فما أُبالي بالرزايا لأنّي ما انتفعْتُ بأن أبالي
الخلافات والصراعات العربية – العربية، والإسلامية – الإسلامية، بلغت مستويات غير مسبوقة حتى في مراحل ما قبل الغزو الصليبي او الغزو المغولي، أو سقوط الاندلس او الاستعمار الغربي الحديث، أو حتى ما قبل سقوط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الاولى. غياب مفهوم الامة والذي انتج الدكتاتوريات والأنظمة الجبرية والعاضة (الملك العضوض) المستبدة، وفَرَّخَ العصبيات والصراعات المذهبية والعشائرية والطائفية والإقليمية داخل الدولة القطرية الواحدة وبينها وبين بعضها، غياب القيم وطغيان الغرائز، وظهور الجماعات الباطنية، وارتماء اغلب الأنظمة العربية في أحضان أعداء الامة طلبا لنصرتها وحمايتها من شعوبها، كلها أسباب أدت الى نشوء هذا الوضع غير الطبيعي في امتنا، فضعفت وذلت وانهزمت وتخلفت وتمزقت ونزفت، حتى ما عاد لها ثقل في موازين الحضارة والمدنية او موازين السياسة..
يتجلى هذا الانحطاط العربي والإسلامي أساسا في ثلاث مسائل أساسية. الأولى، فشل النظام العربي والإسلامي الرسمي في اغلبه الساحق في تحقيق النهضة في مجالي الحكم والتنمية. الثانية، الارتهان الخارجي وغياب القرار الوطني الحر والمستقل. المسألة الثالثة، تخلي النظام العربي الرسمي عن قضايا الأمة الكبرى وفي قلبها القضية الفلسطينية والقدس والاقصى المبارك، وعدم وقوفه بحزم وقوة في وجه السياسات الامريكية ومن حالفها الداعمة لإسرائيل في انتهاكها للشرعية الدولية وقراراتها ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي جعل مستقبل فلسطين والأمة في مهب الريح.
ذكرني الواقع المذهل لانهيار النظام العربي والإسلامي الرسمي الا ما ندر بما تكشفه وسائل الاعلام بشكل مستمر ودائم من معلومات تشير بشكل صارخ إلى تواطؤ فاضح لهذا النظام وتآمره الواضح ضد قضايا الأمة الوطنية والقومية الكبرى، وخدماته الجليلة للإدارة الأمريكية الحالية المنحازة لإسرائيل بشكل غير مسبوق، وكأنها نسخة جديدة لحالة (ملوك الطوائف) الغابرة التي مهدت لسقوط الأندلس، وتوشك اليوم أن تسقط القضية الفلسطينية تمهيدا لسقوط القدس قلب القضايا العربية والإسلامية وإلى الأبد، بعد أن أعلنت (خيبِتْها) من خلال ما قدمته من خطة الاستسلام التي أسمتها ( مبادرة السلام العربية ) .
رغم انبطاح النظام العربي الرسمي – الا من رحم الله – تحت أقدام التحالف الصهيو-امريكي، خرج علينا الرئيس (ترامب) في تصريحات صاعقة وصادمة امعن من خلالها في إهانة الأمتين العربية والإسلامية من خلال إعلانه الجديد نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس المحتلة في يوم نكبة فلسطين واستقلال إسرائيل في الرابع عشر من أيار 2018 القادم، ليصدر بذلك رسميا (رخصة الدفن) ليس فقط لدوره كوسيط نزيه في عملية سلام الشرق الأوسط، ولكن لفلسطين وطنا وشعبا ومقدسات..
قلت (رخصة دفن)، لا (شهادة وفاة)، لأنني ما آمنت يوما وبالذات منذ دخل (ترامب) البيت الأبيض، أن شيئا ما تحت الشمس سيتغير في اتجاه ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لتحقيق تقدم في اتجاه (سلام شامل وعادل ودائم !!!) في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بعد أن ظهر انحيازه الأعمى لإسرائيل وبشكل لم يسبقه اليه رئيس امريكي آخر.. فعملية السلام ماتت منذ زمن طويل، وما مبادرة السلام العربية إلا الكفن الذي لُفَّتْ به حتى لا ترى الشعوب العربية مدى التشوه الذي أصابها بسبب الاحتلال الإسرائيلي والتواطؤ الغربي-الأمريكي-العربي معه …
لقد جاءت المبادرة العربية إياها في حينه لتنقذ شيئا من ماء الوجه العربي، إلا أن (ترامب) بقراره الأخير، مزق الكفن / المبادرة العربية، وكشف عن حقيقته التي لم تَخْفَ على عقلاء وشرفاء الأمة، ( وَبَصَقَ ) مباشرة في وجه النظام العربي الرسمي خادمه المطيع، الذي أوغل في خدمته لأمريكا وإسرائيل من خلال اقتراحاته لضرب إيران عسكريا، أو إدراجه الحركات الإسلامية الوسطية كحركة الاخوان المسلمين، وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية على قوائم الإرهاب تماما كما تفعل إسرائيل وامريكا، أو بالتنسيق سابقا مع إسرائيل للقضاء على حماس في قطاع غزة أثناء حرب (الرصاص المذاب) عام 2008/2009 ، و (عمود الغمام) في العام 2012 ، وفي حرب (الجرف الصامد) في العام 2014، التي كشفت كلها بلا رتوش هذا التحالف العربي-الصهيو-امريكي في الشرق الأوسط لضرب القوى الحيَّة التي تريد أن تعيد للأمة كرامتها وهيبتها وعزتها ومكانتها المرموقة بين أمم الأرض وشعوبها..
كانت قرارات (ترامب) متوقعة بل وحتمية في ظل انهيار النظام العربي الرسمي، وخنوع الشعوب العربية – الا من رحم الله – بدعوى حكمها بالحديد والنار … يبقى السؤال: ماذا بقي للعرب بعد الآن، وكيف سيكون تصرفهم؟؟؟!!! …
(3)
أصبح واضحا انه ومن خلال طبيعة العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب، والتحاق النظام العربي الرسمي في أغلبه الساحق بهذا التحالف الصهيو-امريكي بشكل سافر في ظل تفاعلات الربيع العربي، لا أمل في التوصل إلى حل يضع الأمور في نصابها ويعيد الحقوق إلى أهلها، ونعني بها طبعا حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية، بل على العكس تماما… العالم العربي يقف على اعتاب مرحلة جديدة أشد انحطاطا من التي عاشها حتى الآن، في الوقت الذي أصبح فيه ( نتنياهو ) يتمتع بقوة فوق العادة بدعم من ترامب رغم جرائمه في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة التي اتفقت كلمة الخبراء على أنها ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية…
يبعث (ترامب) من خلال سياساته هذه برسالة واضحة لكل من يريد ان يسمع الحقيقة… لا مكان في هذا العالم الا للقوي، بغض النظر عما يرتكبه من انتهاكات حسب القانون الدولي الذي ما عاد يمتلك قوة الدفاع عن نفسه الا في مواجهة الضعفاء، أما الاقوياء فعنده من قابلية التلون والالتواء ما يؤهله ان يكون جزءا من ظلمهم وجرائمهم… أما الضعفاء فلا تكفي أن تكون قضيتهم عادلة بلا نزاع حتى يضمنوا لأنفسهم مكانا تحت الشمس.. لا بد لهم من قوة تحمي عدالة قضيتهم من جهة، وتضمن لأنفسهم مكانا بين الكبار….
لقد فهمت المقاومة الفلسطينية هذا المنطق منذ امد بعيد، كما فهمته قوى التغيير في عالمنا العربي التي ترى في النظام العربي الرسمي العقبة الكؤود في طريق النهضة واحتلال الأمة لموقع مرموق بين الأقوياء، ولذلك لم نستغرب هذا التحالف العربي-الصهيو-امريكي ضدها على امتداد الوطن العربي، وبالذات في دول الربيع العربي المركزية: مصر وسوريا والعراق وتونس وليبيا واليمن …
جاءت سياسات إدارة (ترامب) الداعمة لإسرائيل بلا تحفظ، لتقلب الطاولة في وجه (سذاجتنا !!!) كعرب، ولتعيدنا من جديد، أو هكذا يجب أن يكون، إلى الواقع المر وهو أن أمريكا وإسرائيل دولة واحدة وروح واحدة، وانه من دون أن يُجْرِيَ العرب تغييرا جذريا في سياستهم وتعاملهم مع أمريكا، فلا يَتَوَقعُنَّ إلا مزيدا من (البصاق !!!) ذي النكهة الأمريكية في وجوههم، ومزيدا من (الانبطاح !!!) الأمريكي في الأحضان الإسرائيلية الدافئة…
المعادلة بسيطة: كلما زاد العرب في انبطاحهم أمام أمريكا، زادت أمريكا في انبطاحها أمام إسرائيل، وكلما تشدد العرب في تعاملهم مع أمريكا، تحررت الأخرى من قبضة إسرائيل… الصدمة الكبرى بالنسبة لنا تكمن في ان النظام العربي الرسمي في أغلبه الساحق أصبح اليوم بشكل سافر جزءا لا يتجزأ من هذا التحالف الصهيو-امريكي، الأمر الذي يجب ان يدعو القوى الحية في عالمنا العربي إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه هذه الأنظمة العربية التي أصبحت تتفاخر بعمالتها لإسرائيل وأمريكا بشكل غير مسبوق…
الحقيقة أنني لا اتوقع على ضوء هذا الوضع شيئا من أنظمة العرب الرسمية.. فهل ستجري الشعوب وقواها المبادِرة تقييما جريئا للأوضاع بما يتناسب وهذا التطور الخطير، من اجل لعب دور أكثر فاعلية لخدمة قضايا الأمة عموما والقضية الأم وهي القضية الفلسطينية والقدس الشريف خصوصا ؟؟؟!!!… وهل ستعلن هذه الشعوب بدورها (وفاة !!!) النظام العربي الرسمي، وهل ستضع جدولا زمنيا محددا لمراحل التغيير المتوقعة تمهيدا لاستنقاذ الأوطان المقدسات؟!!
هذه الأسئلة وغيرها نتركها للزمن، لعلها تجيب عليها بما يحقق الأماني ويشفي الصدور …
* الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.