الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    المغرب يُؤيد منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    القنصل العام للسنغال بالداخلة ينفي وجود مهاجرين سنغاليين عالقين بالصحراء المغربية    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    الصحراء.. مخطط الحكم الذاتي المغربي هو "الخيار الأفضل" لمستقبل المنطقة    المغرب يشيد بطلب حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة غزة    حماس تقول إن هجوم رفح "لن يكون نزهة"، ونتنياهو يتعهد ب"الصمود" إذا أوقفت واشنطن إرسال الأسلحة    مدرب عالمي يهاجم بقوة المغربي حكيمي    طقس حار وضباب اليوم السبت بهذه المناطق    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    فيديو لمعلمة تصفع طفلاً من ذوي الإعاقة يثير موجة استياء في الأردن    اسبانيا تدرس طلبا تقدمت به المغرب لتسليمه مجرم خطير    تزايد أعطاب أسطول النقل الحضري يسائل البكوري    معلومات استخباراتية مغربية تطيح بمهرب مخدرات مشهور بإسبانيا    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    هل تدق بريطانيا اخر المسامير في نعش "البوليساريو"؟    سحب 317 "رخصة ثقة" من "سيارات الأجرة في مدينة واحدة بسبب ممارسات مخالفة للقوانين    طقس السبت.. أجواء حارة ونزول قطرات مطرية بهذه المناطق    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    بأگادير : وبحضور الاستاذ عزيز الرباح انتخاب السيدة سميرة وكريم رئيسة فرع جهة سوس ماسة لجمعية المبادرة "الوطن أولا ودائما"    اضطرابات في حركة سير القطارات ما بين 12 و26 ماي نتيجة أشغال تأهيل منشآت التشوير    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائريات    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    143 دولة تدعم عضوية فلسطين بالأمم    حماس: إسرائيل تعيد الأمور للمربّع الأول    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا بالمغرب    مزور تستقطب شركة عالمية رائدة للمغرب    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    خبراء يناقشون حكامة منظومات التربية    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    لحجمري ينصب 3 أعضاء جدد في الأكاديمية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"        بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تصبح فيلسوفا؟
نشر في العمق المغربي يوم 27 - 03 - 2018

إن عنوانا كهذا العنوان يحيل إلى انني سَأعطيك وصفة سحرية تُحولك من إنسان عادي عامي وتافه, إلى فيلسوف عظيم ومفكر؛ وهذه الوصفة مأخوذة من كتب رائد التنمية البشرية الدكتور إبراهيم الفقهي؛ وستعتمد هذه الوصفة على مدى استيقاظك في الصباح الباكر والتزامك بطي فراشك؛ والأهم من هذا كله شُربك للحليب باعتباره غذاء متكاملا. اعذرني يا صديقي لأنني لا انوي تقديم كل هذا. وإنني سأكون تافها وغبيا ان قلت لك أن الفلسفة فعل مكتسب ويمكن لأي كان أن يتفلسف.
إن الفلسفة شيء تعيشه دون أن تختاره ولا ترتبط بفعل ستقوم به لتصبح من خلاله فيلسوفا؛ بل بمدى مقدار تذوقك للألم الوجودي الذي يتجرعه المغضوب عليهم كل يوم وبمدى احساسك المازوشي بعبثية القدر. تعال معي لترى ما الذي يقوله فيلسوف اشتهر في تاريخ الفلسفة على أنه فيلسوف تشاؤمي؛ بل وانه كان مربيا لفيلسوف عظيم اخر آلا وهو نيتشه والمؤلف لكتاب "شوبنهاور مربيا"؛ يقول شوبنهاور في كتابه العالم كإرادة وتمثل "إن التفكير في الألم وفي بؤس الحياة لهو الدافع الأكبر للتفكير الفلسفي".
إن هذه القولة تحيل الى الدافع الأول للتفكير والتفلسف. ستجد هذه القولة في كتابه المعنون بالعالم كإرادة, وتمثل وستجد كذلك هذه القولة بالذات في نص صغير في الكتاب المدرسي المخصص لتلامذة الجذع مشترك في مادة الفلسفة, هذا النص يأتي كدعامة لدرس الدهشة المنضوي تحت محور لماذا التفلسف؟ لم يكن اختيار هذا النص عبثا ولا بشكل اعتباطي ولكنه يعكس بحق الخطوة الأساس التي يمكن أن نفسر بها فعل التفلسف. فالدهشة كأول فعل يقوم به الإنسان تجاه اي فعل غريب بالنسبة له. هذه الدهشة هي التي تفصل منذ البدئ بين الإنسان العادي و الإنسان الفيلسوف. فالشخص العادي يقوم بردة فعل سيكولوجية تتجسد إما في تقديس الغرابة بأن يُرجعها الى قوى خارقة مخالفة للمنطق فيكثر بذلك من التسبيح و التهليل؛ وإما سيقوم بالتبخيس بجعلها شيئا غير قابل للتصديق وبأنها شيء لا عقلاني. هاهنا يصبح الإنسان العادي في قمة العقلانية ؛لأن ما رآه يخالف نسقه القدسي ويعارض منظومته التعبدية. إلا ان الإنسان الفيلسوف يندهش اندهاش الطفل الذي يعقب دهشته بسؤال.
ان الإنسان الفيلسوف لا ينتظر الغرابة ليعبر عن دهشته؛ لكنه بفعل عدم اقتناعه بالجاهز يُسائل البديهي و المعتاد؛ والذي يعد بالنسبة للجميع شيئا عاديا لا يستحق حتى التفكير. فموضوعات من قبيل الحياة و الموت و التفاوت الطبقي و الظلم و الشر و الإستعباد والخير, كلها مواضيع لا يُقيم لها الانسان العادي وزنا ولا يفكر بها. بل وانه لا يستطيع حتى مُسائلتها. لكن وجب علينا طرح سؤال قبل ان نسترسل في القول, ما الذي يجعل الإنسان الفيلسوف يندهش ليتسائل؟ بمعنى اخر ما الذي ميزه عن الإنسان العادي الذي ارتاح للجواب العادي القائم على ردود الفعل السيكولوجية.
ان الجواب في نظري هو مدى الإحساس بالألم و الوعي به. وهذه هي النقطة الأساس التي يجب أن نفهمها جيدا وهي مسألة الوعي بالألم. فهذا الوعي هو الذي يزيل تلك الأجوبة السيكولوجية المتمثلة في التقديس أو التبخيس وهو الذي يفتح ذهن المرء ويجبره على السؤال. فالفقير مثلا والذي يتجرع دائما وأبدا مرارة و الم فقره فواجب عليه ان يكون ماركسيا اي ان يفكر من خلال انتماءه الطبقي والذي يفرض عليه ان يفكر في اصل الفقر و التفاوت الطبقي و يعيد طرح سؤال لينين ما العمل؟ من اجل ان نعيش متساوون ودون تفاوت ولا ظلم. لكن هذا الفقير بالذات إن غَيّب الوعي و التفكير فإنه سيستنجد بالله الذي سيطلب منه ان يعوضه في الدار الآخرة ما لم يَمتلكه في الحياة الدنيا و سيُنسج بعد ذلك قصصا على ان الأغنياء يعيشون التعاسة و الحزن بسبب مالِهم وسيردد على مسامعك القولة الشهيرة "لا تغُرنّك المظاهر". ان الفرق هاهنا بين الفقير العادي والفقير الفيلسوف هو فرق بسيط يتمثل في الوعي بمدى الظلم و الألم الذي نتجرعه من جراء أخطاء وتقسيمات لم نخترها ولم نتدخل فيها بل فُرضت علينا بدون سابق انذار.
بعد الدهشة و التي تكون بمثابة العتبة الاولى للتفكير الفلسفي, يأتي دور الشك وهو عملية اساس تكون بمثابة فعل الهدم الذي يَلزم من اجل تشييد اي بناء جديد. فالشك هو عبارة عن عملية نَفي لأي شيء غير واضح وبديهي كما يقول ديكارت. غير ان الأوساط المعرفية تُدخل الشك في مأزق ميتافيزيقي اكثر منه معرفي حين تُقسم الشك الى شك مذهبي وشك معرفي. فتدخل بهذا في نِيّة الممارس لفعل الشك. فالشك هو فعل هَدم, يقتضي البحث عن الحقيقة, لا فعل تمويه يعمل على تبرير الحقيقة. فلا وجود لتقسيم للشك الى مذهبي ومعرفي لكنه فعل واحد يقوم به كل صادق شجاع لا يخاف لَومة لائم. ان الشك في نظر الإنسان العادي نوع من التهديد للقائم وضرب صريح لسلطة المعتاد. فالشك مرادف للكفر و الإلحاد في ثقافتنا العربية لأن اي شك هو في نظرهم شك في الذات الإلهية وشك في الإسلام. غير أن الشك فعل بريئ فهو يريد فقط اعادة طرح السؤال من اجل اعادة بناء الجواب.
بعد الشك والذي يعد خطوة صعبة و جريئة تتطلب كثيرا من الصبر و الصدق و الشجاعة يأتي دور السؤال و البحث و المسائلة والتي تحمل بيدها مطرقة تُدمر بها كل صنم أُعتقد فيه على انه صورة الحق المطلق. ان عملية السؤال هذه تستلزم كثيرا من البحث و القراءة و التواضع. ان السؤال هاهنا يكون بمثابة المصباح الذي يضيئ طريق بحار في عتمة الليل؛ فالبحر هو الحياة المظلمة المليئة بكل شيء, ففيها الصواب و الخطأ وفيها الكذب و الصدق وفيها الشر و الخير ان فيها كل شيء, لكنها مظلمة لأن فعل الشك اطفئ كل الأضواء الزائفة وجعلنا امام الظلمة فلا يوجد احد ليرشدك الى الطريق سوى عقلك والسؤال هو العاكس لمدى عظمة عقلك.
إنني لن استطيع ايقاف قلمي بخصوص هذا الموضوع ما لم أُجبره إضطرارا على ذلك. لكن ما يمكن ان اختتم به هذه المقالة هو ان الفيلسوف ليس شخصا غريبا. ولا هو كائن قرأ جُلّ ما يوجد في المكتبات. ولكنه في نظري انسان يتألم ويعي المه ويفكر فيه وفي سبل تغييره.
*استاذ فلسفة بالدار البيضاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.