بلجيكا تؤكد دعم مغربية الصحراء بخطوات دبلوماسية واقتصادية ملموسة    غوتيريش يدعو إلى "تسريع" وتيرة البحث عن حل دائم لقضية الصحراء وتمديد ولاية "مينورسو" لعام إضافي    شباب "جيل زد" يجددون احتجاجاتهم يومي السبت والأحد.. ومطلب الإفراج عن المعتقلين على رأس الأولويات    تسارع ارتفاع أسعار النفط بعد العقوبات الأميركية على مجموعتي النفط الروسيتين    محكمة العدل الدولية: على إسرائيل كقوة احتلال تأمين الغذاء والماء والمأوى والإمدادات الطبية للفلسطينيين    بين الأرض والسيادة: جوهر الأزمة الروسية الأوكرانية في ظل المبادرات الدبلوماسية الجديدة    أول صلاة مشتركة بين ملك إنجليزي وبابا كاثوليكي منذ 500 عام    الكبار يتميزون في دوري أبطال أوروبا    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    أشبال الأطلس: الإعصار الإفريقي الحاسم!    تقرير حقوقي يوثق خروقات بالجملة في محاكمات معتقلي احتجاجات "جيل زد"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    "ولدي شرا لينا الدار".. تصريحات والدة فؤاد الزهواني تلامس قلوب المغاربة    مذكرة توقيف بحق بشار الأسد بتهمة شن هجمات كيميائية    جرائم الأموال بالبيضاء تصدر حكمها في ملف المطعمة بمديرية التعليم بالجديدة    كيوسك الخميس | وزارة الداخلية تطلق ورش رقمنة سجلات الحالة المدنية    عراقة الماضي وحداثة الحاضر تضع الرباط في صدارة الوجهات السياحية العالمية    ثلاث قتيلات ومصابات في انقلاب سيارة ضواحي أزيلال    البنك الدولي: المغرب يفرض نفسه كقطب تجاري ومالي إقليمي بإفريقيا    المؤسسات والمقاولات العمومية: استثمارات متوقعة لعام 2026 تقارب 180 مليار درهم    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    كردادي حاملة العلم الوطني في المرحلة 6 من "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    وفاة الفنان المغربي الكبير محمد الرزين عن عمر يناهز 79 سنة    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    عناصر الأمن الإيرلندي ترشق بالحجارة في دبلن    الرباط ضمن أفضل 5 وجهات عالمية    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    القنصلية الإيطالية تحذر من النصابين    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    أخرباش: التضليل الإعلامي يتصاعد    الطاقات المتجددة تتصدر "استثمارات 2026" بالمغرب .. البنيات تُؤمن الإمدادات    التعاونيات تبرز أصالة وجودة المنتوج المغربي بمعرض أبوظبي للأغذية    استفتاء في ميونخ بشأن استضافة الألعاب الأولمبية    بروكسل تقرض القاهرة 4 ملايير يورو    الملك: مطاع فنان قدير وقامة مبدعة    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    الملك محمد السادس يواسي أسرة المرحوم الفنان عبد القادر مطاع    الأمين العام للأمم المتحدة يوصي بتمديد ولاية المينورسو    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    الملك يبعث برقية تهنئة مختصرة إلى إدريس لشكر في صيغة بروتوكولية مغايرة للبرقيات السابقة    استقبال شعبي جماهيري بالرباط ل"أشبال الأطلس" أبطال العالم لأقل من 20 سنة    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    تقرير يسجل ارتفاع معدل التضخم مقارنة ب2024    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    "الجوائز الكاف".. بونو والمحمدي ينافسان على جائزة أفضل حارس أفريقي    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاربة الجديدة لميثاق إصلاح منظومة العدالة بالمغرب وحماية الحريات والحقوق الأساسية
نشر في العمق المغربي يوم 28 - 11 - 2020

أعتبر النظام القضائي المغربية Le système judiciaire marocain بعد دستور 2011 قد دخل مرحلة جديدة بمبادئ واختيارات وتوجيهات جديدة جاءت لتؤسس لتحول هيكلي بالغ الأهمية في بنيته وفيزيونوميته، بحيث وضع هذا التحول المغرب بين معادلة تقوم على عنصرين متلازمين بشكل جدلي: العنصر الأول متمثل في الإصلاحات الدستورية في مجال العدالة، والبنيان الدستوري الجديد للسلطة القضائية، والذي أقام اعمدتها في الباب السابع، من الفصل 107 وما يليه إلى الفصل 128.
أما العنصر الثاني فمرتبط بغياب مواكبة هذه الإصلاحات الدستورية، بإصلاح عميق وشمولي على مستوى البنية التحتية للجسم القضائي، والذي يعتبر التنظيم القضائي Organisation judiciaire عمقه الاستراتيجي. فبدون إصلاح على مستوى الدواليب والميكانيزمات والآليات البشرية والإجرائية التي يدار بها النشاط القضائي، لا يمكن أن يرقى الإصلاح الدستوري إلى أبعاده واختياراته في مجال السلطة القضائية.
ورغم الإجراءات المتخذة، خصوصا منح استقلالية رئاسة النيابة العامة وإعادة تنظيم الجانب الهيكلي والتنظيمي المتعلق بها، وتنصيب مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية من طرف الملك في شهر أبريل من سنة 2017، ونقل صلاحيات وزير العدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض باعتباره رئيسا للنيابة العامة في أكتوبر من نفس السنة. فإنها تظل إجراءات محدودة رغم أهميتها كخطوات تأسيسية ضرورية لإصلاح منظومة العدالة، خصوصا أنها استغرقت سبع سنوات، وهي المدة الزمنية التي كان من المفترض أن ينجز فيها المغرب أغلب خطوات الإصلاح القضائي المتطلبة.
الفقرة الأولى: مرجعية ميثاق إصلاح منظومة العدالة بالمغرب
لماذا أصبحت العدالة رهينة بتحقيق النجاعة القضائية؟ سؤال يطرح نفسه بقوة ونحن نتحدث عن الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، خصوصا وأن النجاعة لا ترتبط فقط بالمردودية، وهو المعيار الذي يؤخد به في كل إصلاح، بل ترتبط النجاعة بالأساس بأسباب تحقيق الأمن القضائي Sécurité judiciaire.
ولذلك فإن الإصلاح الحقيقي لمنظومة العدالة يجب أن يؤخد بشكل بنيوي، ويشمل القوانين والهيكلة والموارد البشرية. فبغض النظر عن الانسجام الذي توحي إليه النصوص القانونية الحاكمة اليوم، في إتباع أسلوب واحد في تكوين المحاكم وتأليفها وإجراءات التقاضي أمامها، فإن المتمعن في هذه النصوص يلاحظ أن الصياغة ليست واحدة، فالمقارنة البسيطة بين صياغة النصوص التي صدرت سنة 1974، وصياغة تلك التي صدرت بعد ذلك، يمكن التأكد من التباين الحاصل بينهما. وهذا التباين لا يرتبط فقط بالأمور الشكلية التي يمكن تجاوزها، لكنه حتما سيؤثر بشكل كبير على مضامين النصوص القانونية من جهة، وعلى حقوق المتقاضين من جهة ثانية.
فعلى مستوى الاختصاص مثلا، نجد الفصل السادس عشر من قانون المسطرة يقضي بضرورة ووجوب الإحالة على المحكمة المختصة، وبحكم القانون، وبدون صوائر، عندما تقبل المحكمة الدفع بعدم الاخصاص النوعي. لكن في مقابل ذلك، وفي المادة التجارية، فإن المشرع لم يورد أي تنصيص على ضرورة ووجوب الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص بالنسبة للمحاكم التجارية، وهو الأمر الذي يجعل من مثير الدفع في حيرة. إذ عليه أن يعاود الكرة أمام محكمة أخرى قد يرى أنها مختصة، ما لم يجابه طلبه بعدم الاختصاص.
وعلى الرغم من أن وثيقة ميثاق إصلاح منظومة العدالة، تمكنت من رصد مواطن القوة في منظومة العدالة على مدار الخمسين سنة الماضية، وثمنت بذلك الرصيد الوطني من حيث إصدار تشريعات متقدمة، وقضاة ذوي كفاءة وجودة عالية، إلى جانب ما تمت مراكمته من اجتهادات ثرية وخبرات متميز في مجال إدارة مرفق العدالة. فإنها في نفس الوقت، ترصد أوجه الخلل والضعف والخصاص الذي يغطي كل المكتسبات الوطنية.
وذلك ما أكده الميثاق حينما شخص استقلالية القضاء ووضعية المجلس الأعلى للقضاء والنظام الأساسي للقضاة الذي لا يساير أحكام الدستور. إلى جانب كل ذلك فمنظومة العدالة تعاني بكل مكوناتها من نقص الشفافية وضعف آليات المراقبة والمساءلة، وتراجع في أخلاقيات الممارسة المهنية وأعرافها.
أما على مستوى حماية الحريات والحقوق، فقد سجل الميثاق أن:
السياسات الجنائية تشوبها عدة نقائص تظهر في ضعف التنسيق بينها وبين باقي السياسات العمومية؛
ضعف إشاعة ثقافة حقوق الإنسان بما تنطوي عليه أيضا من واجبات؛
محدودية آليات البحث الجنائي؛
غياب إطار قانوني حديث خاص بالطب الشرعي وبنوك المعطيات الجينية؛
غياب مرصد وطني لدراسة وتتبع ظاهرة الإجرام؛
تضخم في نصوص التجريم والعقاب كآلية أساسية لمحاربة الجريمة؛
عدم ترشيد الاعتقال الاحتياطي؛
عدم تدقيق الضوابط القانونية المبررة للوضع رهن الحراسة النظرية؛
عدم التفعيل الأمثل لمبدأ ملاءمة المتابعة، وللآليات البديلة للاعتقال، وكذا لضمانات المحاكمة العادلة؛
وجود هوامش واسعة على مستوى نظام العقوبة، بين حديها الأدنى والأقصى؛
عدم فعالية العقوبات القصيرة المدة في تقويم المحكوم عليهم؛
عدم توفر آليات ناجعة لتتبع حالة العود الجنائي وتنفيذ المقررات القضائية الزجرية ، لا سيما ما يتعلق بالعقوبات المالية،
المآخد المسجلة بخصوص نظام المؤسسات السجنية وظروف تنفيذ العقوبة.
وتجعل هذه النتائج المتوصل إليها في ضوء التشخيص الوطني حول دور العدالة ودور القضاء في حماية الحريات والحقوق، من الميثاق الوطني، الوثيقة المرجعية الحقوقية التي تمكنت من ترصيد التفكير الاستراتيجي لعمل تجربة العدالة الانتقالية المغربية وتوصياتها المبلورة سنة 2006، والمدسترة سنة 2011. كما أن أعمال الميثاق تنسجم مع التوجيهات التي حددتها الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الفقرة الثانية: المقاربة الجديدة لميثاق إصلاح منظومة العدالة في مجال النهوض بالوسائل البديلة لحل النزاعات
إن التطور الملحوظ الذي يعرفه مجال العدالة لم يعد مقتصرا على القضاء، بل شمل جميع المؤسسات المحيطة به من مساعدة قضائية وتمثيلية. وتعتبر الوسائل البديلة لحل المنازعات أو الطرق الغير قضائية واحدة من هذه الوسائل التي تساعد المواطن على تمكينه من حقوقه بكيفية سلسة، والوصول إلى العدالة بطريقة إيجابية ومرنة، مكرسة بذلك مجموعة من الحقوق وإخراجها من جمودها، حيث أثبتتت التقارير والأبحاث أن المشكل ليس في الإطار القانوني، بل في الآليات التي تمكن من هذه الحقوق في غياب وسائل قضائية متخصصة كفيلة بذلك.
وبذلك فإن مطلب الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء أصبح يتحدى حدود الوحدة والتخصص والرفع من جودة الأحكام القضائية وغيرها، ليشمل هدفا رئيسيا يشكل منحى جديد لإصلاح منظومة العدالة، مرتبط بتشجيع الولوج إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات، والتي عمل الميثاق على تحسين جودتها من خلال النهوض بالأهداف البديلة التي جاء بها. وعموما يمكن إجمال هذه الأهداف في ما يلي:
شجيع الولوج إلى الوساطة والصلح والتحكيم لحل المنازعات ؛
تطوير نظام الوساطة وجعلها الزامية في بعض القضايا، مع تعزيز دور القضاء بشأن تشجيع الولوج إليها؛
مأسسة الوساطة الأسرية بقضاء الأسرة؛
الانفتاح على الوساطة الجنائية.
وعلى اعتبار أن الأهداف لوحدها لا تكفي، وتحتاج لمخططات إجرائية قادرة على بلورتها. فقد عملت الهيئة العليا للحوار العمومي على وضع واقتراح مجموعة من الإجراءات من شأنها التشجيع على الولوج للوسائل البديلة لحل المنازعات، ونجمل هذه الإجراءات في ما يلي:
الاهتمام بمجال التكوين في الوسائل البديلة لحل المنازعات عن طريق اعتماد ندوات ولقاءات فكرية؛
تعزيز الإطار القانوني المتعلق بالولوج للوسائل البديلة لحل النزاعات؛
العمل على تحسيس الفاعلين الاقتصاديين، خصوصا غرف التجارة والصناعة والمقاولات الصغرى والمتوسطى، بأهمية اعتماد بدائل لحل النزاعات؛
دعم وتشجيع مراكز الوساطة والتحكيم؛
مراجعة قانون المسطرة المدنية في الشق المتعلق بأحكام الوساطة الاتفاقية، والتنصيص على الزامية الوساطة قبل عرض النزاع على القضاء في بعض القضايا، مع الإبقاء على اختيارية ذلك في الحالة التي يقترحها القاضي إذا تبين له أن النزاع قابل لأن يكون محل وساطة؛
تفعيل آليات الصلح والوساطة الأسرية في المنازعات المرتبطة بالأسرة .مع توفير الفضاءات اللازمة لإجراء الصلح والوساطة بأقسام قضاء الأسرة؛
تكوين القضاة وأطر المساعدة الاجتماعية بأقسام قضاء الأسرة على مهارات الصلح؛
مراجعة قانون المسطرة الجنائية ليشمل بعض الرهانات الجديدة المرتبطة ببدائل الدعوى العمومية .
وفي ختام هذه المقالة فإننا نؤكد الدور المحوري للقضاء باعتباره سلطة من سلطات الدولة، وله وظائف اجتماعية وحقوقية واضحة من منطلق الحفاظ على التوازنات الداخلية للمجتمع وتوفير السلم الاجتماعي. وهذه الأهمية هي التي تفسر من جهة الاهتمام الكبير بموضوع إصلاح منظومة العدالة، لجعل القضاء يساير تطور المجتمع.
ويشكل مفهوم الإصلاح المنشود محل اختلاف بين من ينظر إليه من خلال إحداث مؤسسات قانونية وقضائية تسهر على حسن التطبيق الجيد للقانون، والبعض الآخر يهتم بالزيادة في فعالية المحاكم عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة عليها، بينما يعتبر الآخر أن الإصلاح الشمولي لا يمكن أن يتم إلا بتسهيل الولوج إلى العدالة وتبسيط المساطر والإجراءات، وهناك أيضا من ينظر إلى الإصلاح الشمولي من بابا تدعيم ضمانات الاستقلال والاهتمام بجانب التخليق.
وفي هذا الإطار فإننا نرى أن ميدان الإصلاح هو واسع بالنظر إلى الواقع الذي يعيشه القضاء حاليا، ويبقى فقط ضبط الآليات الكفيلة بتنزيل فلسفة الإصلاح وروحه، لأن بناء إصلاح شمولي لمنظومة العدالة لا يمكن أن يتم على مرتكزات محدودة ومرحلية ترتبط بالأشخاص لا بالمؤسسات، وهو الأمر نفسه الذي جعل من المغرب يتأخر في إحداث إصلاح شمولي لمنظومة العدالة مند أولى محطات الإصلاح التي بدأها بعد استقلاله.
* باحث في القانون العام والعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.