هي فوضى في القيم، واضطراب في الأطر الفكرية ، وضبابية في الرؤية المستقبلية، كثير من العنف وقليل من الإنصاف ، غياب للمسؤولية السياسية وحضور للبرودة التقنوقراطية ، هواجس الخوف والهشاشة ، مأساة في واقعنا التربوي .. هي مشاعر البؤس واليأس والتراجع المعرفي والإحباط التي أصبحت رفيقة درب المعلمين في كل وقت وحين بعد أن ثقلت أيامهم وتعطلت بوصلة الأمل.. فأيان تلتقي بأحدهم ميعادا أو صدفة ؛ أو تتواصل مع آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى تلاحظ مباشرة شحوب الوجه والحزن أو تلمس مدى الخذلان والاختناق؛فتحتار هل تؤيده في الرأي والشعورأو تخفف عنه بجرعات من إيجابيات مزيفة ! وكل المعلمين يدفعون اليوم وكل يوم ثمن خطايا الماضي وذنوب الحاضر ؛ وما أكثرها ليأتي الألم على قدر هذه التكاليف … لايخفى على أحد أن المدرسة والمعلمين قد مروا بفترات عصيبة ومشاكل وأزمات ، وعاشوا ويعيشون نواقص واختلالات ، وظلوا مشجب كل الأفشال والأعطاب ، إلا أنهم منذ الاستثناء لم يسمحوا يوما للاضطراب والعنف،رغم السخرية والتنكيت ،أن يعيق سبيل تفاؤلهم أو يكدر صفو فرحهم بالحياة . لكننا اليوم أمام أزمة استثنائية ؛أزمة كسرت كل المقاييس ، فمن مأزق الحكامة وصعوبة ظروف مزاولة المهنة وسوء فهم التجديد البيداغوجي ، وحتى إشكالية تعبئة وتوزيع الموارد المالية ومسألة الثقة الجماعية في المدرسة ؛ إلى بطء تنزيل الرؤية والقانون الإطار الجاف والخالي من اسم المعلم، والظلم الاجتماعي والوباء المستجد وقنبلة التعاقد ونهاية النقابات وتعثر الحواروالإخلال بالحقوق والواجبات المهنية، وبؤس المباريات… أصبحت المدرسة في" خبر كان "، ناهيك عن إهمال العنصر البشري ومطالب الإدماج والترسيم والترقية ، وثقافة الصمت والتخريب، وفقدان التوجيه والإرشاد وهزالة التكوين ، وخطر الفصل بين الوطن والمواطن، وغياب" القدوة" ،وكارثية التحصيل والتشوه الكبير المتوغل في المنظومة التربوية الذي مازال يجسد عدم الوعي بدور الآداب والفنون والإنسانيات في تطوير العلم والمجتمع…وضع أضحت مقاومته بالوقفات والاحتجاجات ، والشعارات وحمل الشارات..والسعي للبقاء في الوطن، ضربا من ضروب المازوشية وتعذيب الذات … وفي خضم كل هذه المصاعب والأوجاع، يصبح الاحتجاج ضروبه المختلفة رهانا يمكن من خلاله تحقيق التغيير عبر حفر مسارات جديدة تعبر عن إرادة المحتجين الذين تحرروا من الخوف إلى سلوك آخر أضحى يرى في الشارع نصا عظيما يمكن عبره إحداث التغيير. وعلى هذا المسار المرعب ! يبقى المسؤولون المعنيون المدبرون للأمور والملفات قابعين في عالم آخر، فهم لا يبالون ولا يسمعون ، مما يتناقض مع مسؤولياتهم… ولكن مهلا علينا ،أليس من الأجدى أن تتأكدوا أولا أن أجراءكم مازالوا على قيد الحياة ؟؟ اطمئنوا.. فالمعلمون مازالوا على قيد الوفاة !!!