خلفّ قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وتعويضه ب"منتدى الإسلام في فرنسا"، ردود فعل متباينة بين من اعتبره شأنا داخليا للجمهورية الفرنسية لإعادة تنظيم الجالية المسلمة، وبين من اعتبره شكلا جديدا من المضايقات التي تتعرض لها هذه الجالية على مدار السنوات الماضية. وأكد عدد من المحللين والمهتمين بالشأن الديني في فرنسا، أن السلطات الفرنسية تواصل، عبر هذا القرار، تأزيم العلاقات بين باريس والرباط، خاصة أن رئيس المجلس الفرنسي للديانة الفرنسية هو محمد موساوي ذو الأصول المغربية، إضافة لصراع ثلاثي بين المغرب والجزائروتركيا على رئاسة المجلس. ضغوط فرنسية أكد الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن "سياق قرار الرئيس الفرنسي ماكرون بحل المجلس المذكور، سيفسر على أن الأمر مرتبط بما تشهده العلاقات المغربية الفرنسية من توتر وصراع، لكون رئيس المجلس هو من أصل مغربي". كما أشار الغالي، في تصريح هاتفي لجريدة "العمق"، إلى أن هذا القرار يدخل في إطار سياسة شد الحبل الذي تقوم به فرنسا بشكل صريح من جانب واحد على الأقل ضد المغرب، مذكرا بتحركات النواب الفرنسيين بالبرلمان الأوروبي الذي يعبؤون، على حد قوله، برلمانيي دول أخرى من أجل استصدار قرارات والقيام بممارسات للتضييق على المغرب وإزعاج المملكة المغربية في هذا الباب. وأوضح المتحدث ذاته أن هذا القرار يبعث برسائل مبطنة للدولة المغربية بأن فرنسا يمكنها خدش بعض الجوانب في إطار العلاقات المشتركة بين البلدين، خاصة أن باريس أصبحت تشعر أكثر من أي وقت مضى، حسب الغالي، بأن قربها من المغرب بات مهددا وتشوبه مجموعة من الشوائب، دون إغفال تحركات الجزائر التي تحارب المغرب في كل الهيئات الدولية. تضييق على مسلمي فرنسا واعتبر الغالي أن سياق اتخاذ القرار، يطرح أكثر من تساؤل على مدى احترام فرنسا للحريات الدينية بها وخاصة احترام حقوق الجاليات المسلمة بالنظر إلى كون هذا المجلس كان يشكل منبرا أساسيا للتواصل والحوار حول مجموعة من القضايا التي تهم حقوق الجالية المسلمة في إطار الدولة العلمانية. وأبرز أستاذ العلوم السياسية بأن بعض الاتجاهات ترى بأن قرار حل المجلس لا يخرج عن ساق تحولات وصراعات خفية بخصوص قيادة المجلس بين 3 دول وهي المغرب، تركياوالجزائر، حيث إن هذا الصراع، بحسب بعض الفرنسيين، يضيف الغالي، يعرقل قيام المجلس بأدواره في ظل المشاكل التي عرفتها فرنسا في هذا الاتجاه خاصة الصراع بين الجالية المسلمة وقرارات الدولة الفرنسية التي كان يطبع عليها، على حد تعبيره، الطابع العلماني ودون أن يجد لها المجلس حلا. وأشار المتحدث ذاته إلى أن اتجاهات أخرى في فرنسا ترى بأن المجلس أصبح دون فائدة في ظل اعتقاد نسبة من الجالية المسلمة بأن قرارات السلطات الفرنسية تستهدفهم بشكل مباشر أو مقصود، وبات العديد من الفرنسيين يرون بأن المنتدى الإسلامي يحتل مكانة أكبر وقاد لتحقيق نجاحات في هذا المجال. تبريرات ماكرون وقال ماكرون، في تصريحات على هامش استقبال أعضاء المنتدى الجديد، اليوم الخميس، إنه "لا يريد التقليل من شأن ما تم القيام به من طرف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية غير أن فرنسا كثيرًا ما ناقشت مع دول أخرى، دبلوماسيًا وعبر طرق أخرى لكي لا تتدخل في عمل المجلس، ولهذا السبب قررنا وضع حد لعمل المجلس". وأضاف ماكرون: "قررنا إنهاء نشاط عمل المجلس بطريقة واضحة جدا، لهذا السبب قررنا وضع ميثاق، وأشكر كل من وقع عليه بشجاعة، موضحين التزامهم تجاه الجمهورية وقيم الجمهوري". صراعات داخلية أوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية، قبل أيام، أن "المجلس المنحل عاش صراعات داخلية محتدمة حيث يتكون من هيئات ملحقة ببلدان مسلمة بينها المغرب الجزائر و تركيا، في وقت علق الرئيس المؤقت للمجلس على القرار الفرنسي بالقول "إن حل المؤسسة لا يجب أن يتم بهذه الطريقة"، مؤكدا أن مجلس إدارة المجلس سيجتمع لمناقشة الأمر. وسبق لوزير الداخلية الفرنسية أن صرح بأن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد "مات"، في وقت قال رئيسه، محمد موساوي، إن مؤسسته، التي عمرت حوالي 20 عاما، "لم تعد قابلة للاستمرار وينبغي أن تحل نفسها". كما ذكرت تقارير إعلامية فرنسية أن المجلس عاش وسط في أجواء من التوتر تسود العلاقات بين الأطراف التي ظلت طيلة هذه السنوات، بين مختلف مكوناته تتناوب على تسييره. وخرج المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى النور في 2003 على يد وزير الداخلية آنذاك، نيكولا ساركوزي، في حكومة الرئيس الراحل جاك شيراك، كما اعتبر خلال كل هذه الأعوام من عمره المحاور الرئيسي للسلطات الفرنسية فيما يخص الإسلام والمسلمين، وهو مؤلف من حوالي عشرة اتحادات مساجد، غالبيتها قريبة من الدول الأصلية لأصحابها مثل المغرب والجزائروتركيا. ويتألف المنتدى الجديد من حوالي ستين عضوا، تم اختيارهم من قبل المحافظين (الجمعيات الثقافية والدينية والزعماء الدينيون ومحامون وقانونيون ومثقفون) ستة عشر منهم من رجال دين، وخمسة من المحامين، وأربعة يمثلون المجتمع المدني.