كأس العالم للأندية 2025.. فلامنجو البرازيلي يتغلب على تشيلسي الإنجليزي بنتيجة (3 -1)    "ليفربول" يتعاقد مع الألماني "فلوريان فريتز"    استمرار موجة الحر في توقعات طقس السبت    المغرب بالمرتبة 70 عالميا.. اختلال العدالة الطاقية وتأمين الإمدادات يعطلان مسار التحول الطاقي    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    محمد الشرقاوي يكتب: لحظة الحقيقة.. ما لا يريد أن يراه مناصرو التطبيع ووعّاظ الاتفاقات الإبراهيمية!    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    كأس العالم للأندية 2025.. فوز الترجي الرياضي التونسي على لوس أنجلوس الأمريكي بنتيجة (1 – 0)    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    الفيفا يعلن آخر التعديلات على قانون كرة القدم .. رسميا    هزة ارضية تضرب سواحل الريف    بين الركراكي والكان .. أسرار لا تُروى الآن    إعلان العيون... الأقاليم الجنوبية حلقة وصل بين شمال إفريقيا والعمق الإفريقي ومجالا واعدا للاستثمار    فضيحة "وكالة الجنوب".. مؤسسة عمومية أم وكر مغلق لتبذير المال العام؟    محمد أشكور عضو المجلس الجماعي من فريق المعارضة يطالب رئيس جماعة مرتيل بتوضيح للرأي العام    السلطات الإمنية تشدد الخناق على مهربي المخدرات بالناظور    أمن الناظور يحجز كمية من المخدرات والمؤثرات العقلية    حرب الماء آتية    مقتل ضباط جزائريين في إيران يثير تساؤلات حول حدود التعاون العسكري بين الجزائر وطهران    رسميا .. الوداد يعلن ضم السومة    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    خالد الشناق: المخطط الأخضر يجب أن يخضع للتقييم ولا شيء يمنع من انتقاده        زلزال بقوة 5.1 درجة يهز شمال إيران    مطيع يوصي بدليل وطني للجودة ودمج التربية الإعلامية في الأنظمة التعليمية    بوعياش تلتقي أمين الأمم المتحدة    احتياجات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالمغرب تبلغ 11.8 ملايين دولار    بورصة البيضاء تغلق الأبواب بارتفاع    ترامب يمنح إيران مهلة أسبوعين لتفادي الضربة العسكرية: هناك "فرصة حقيقية" لمسار تفاوضي    المغرب يخمد 8 حرائق في الغابات    دعم "اتصالات المغرب" بتشاد ومالي    وزير الماء يدق ناقوس الخطر: حرارة قياسية وجفاف غير مسبوق يضرب المغرب للعام السادس توالياً    وقفات في مدن مغربية عدة تدعم فلسطين وتندد بالعدوان الإسرائيلي على إيران    مدينة المضيق عاصمة الكرة الطائرة الشاطئية الإفريقية    باحثون إسبان يطورون علاجا واعدا للصلع    وليد الركراكي يكشف سر استمراره رغم الإقصاء ويعد المغاربة بحمل اللقب على أرض الوطن    نشرة إنذارية: طقس حار من الجمعة إلى الثلاثاء، وزخات رعدية اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    معهد صحي يحذر.. بوحمرون يتزايد لدى الأطفال المغاربة بهولندا بسبب تراجع التلقيح    بعد وفاة بريطانية بداء الكلب في المغرب.. هل أصبحت الكلاب الضالة تهدد سلامة المواطنين؟    اجتماع إيراني أوروبي في جنيف وترامب يرجئ قراره بشأن الانخراط في الحرب    أنامل مقيدة : رمزية العنوان وتأويلاته في «أنامل تحت الحراسة النظرية» للشاعر محمد علوط    «علموا أبناءكم».. أغنية تربوية جديدة تغرس القيم في وجدان الطفولة    لفتيت يذكر الشباب باستمارة الجندية    عن "الزّلافة" وعزّام وطرفة الشّاعر عبد اللطيف اللّعبي    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    كارمن سليمان تفتتح مهرجان موازين بطرب أصيل ولمسة مغربية    7 أطباق وصحون خزفية لبيكاسو بيعت لقاء 334 ألف دولار بمزاد في جنيف    المغرب يعزّز حضوره الثقافي في معرض بكين الدولي للكتاب    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فردوس.. إلى الفردوس الأعلى: سؤال الطفولة في الأوساط القروية
نشر في العمق المغربي يوم 16 - 05 - 2023

تحتم التغيرات الاجتماعية، والثقافية والأوضاع الاقتصادية، والمجالية في مجتمعنا، إلى إعادة النظر في شأن الطفولة عامة، وبالخصوص واقع الطفولة بالأوساط القروية، والاهتمام بها بنوعية خاصة من قبل الفاعلين الترابيين والمسؤولين، نظرا لظروف وضنك العيش في الأوساط القروية. اهتماما عليه أن يراعي تحقيق حياة طفولة، تستجيب لمطالب طفل اليوم؛ الغذائية، والصحية، والسكنية والبيئية، والسوسيوتربوبية والترفيهية...إلخ. والاعتماد على مقاربة تأخذ بعين الاعتبار التحولات السوسيواقتصادية، ومؤشرات الفقر. وكل ذلك وفق مقاربة تشاركية تراعي كل الفاعلين في المجال القروي.
إن عالم الطفولة في الجماعات الترابية القروية، هو عالم يئن تحت واقع تردي المشهد التنموي الترابي-المحلي، بل في بعض القرى -الدواوير إن الطفولة هي الضحية الأولى "للاتنمية" والفقر هناك، حيث ينعكس عليهم الحرمان، ومحاصرتها بحزام من نقص الخدمات الأساسية، والفوارق المجالية الصارخة.
من المحسوم أن في كل الجماعة الترابية، يشكل بها الأطفال نسبة من هرم السكاني للجماعة. فهذه الفئة ينبغي النظر لها، ولمطالبها المجالية والسوسيوبيئية بعين فاحصة، والمساهمة قدر المستطاع في توفير ما يمكنه أن يساهم في تحقيق متطلبات الطفولة الراهنة، وبالخصوص النهوض بالجوانب الصحية والغذائية والترفيهية...، وكل ما من شأنه أن يحقق المساواة وتكافؤ الفرص في عيش طفولة بدون حرمان وتهميش. إن النهوض بأوضاع المجتمع القروي، لا يمكن أن يكون هذا النهوض بدون تفكير في متطلبات الحقيقية للساكنة القروية، وفئاتها الاجتماعية والعمرية المهمش.
مشهد واقع الطفولة في الأوساط القروية، مشهد يعبر عن نفسه في العديد من القرى المتناثرة في ربوع الوطن، إذ تعاني حياة الطفولة في المجالات القروية من العديد من الاشكالات المركبة، ولعل ثالوث الإشكالات؛ حصار الفقر، والتلوث، محدودية الانشطة السوسيوترفيهية. هو الأبرز.
وما يلاحظ في بعض الجماعات الترابية، محدودية العمل الجمعوي لمواكبة النشء. هذا الواقع هو واقع موجود يلاحظ في العديد من الجماعات الترابية ذات الخصائص القروية. حيث مثلا من شبه المستحيل، أن تجد مثلا في جماعة توغيلت بإقليم سيدي قاسم، أي سياسة أو مبادرة ترفيه نوعية، من قبل الفاعلين الترابيين في الجماعة، ومعهم المجتمع المدني؛ ترمي لتدخل لصالح الفئات الطفولة التي تجد لها في كل مدينة وجماعة حضرية اهتمام من قبل المؤسسات الترابية، وعلى رأسها الجماعة التي توفر ساحات للعب، وحدائق، ومراكز التنشيط التربوي، وتقوم بأدوار ريادية مع شركاء المجتمع المدني النشيط في المساهمة في اسعاد الطفولة وتنشئتها والنهوض بها تربويا وحمايتها ...إلخ.
فردوس، طفلة من ساكنة جماعة توغيلت، لم تطفئ شمعتها الثالثة بعد، فاجأها الموت، وهي تلعب مع أقرانها في اقرب شارع، بقرب منزل جدتها. في صباح يوم 9 من ماي 2023، استيقظت فردوس، وتناولت فطورها، وخرجت لشارعهم، لتلعب مع أقرانها، تلعب فردوس وتجري كما تتجارى، صغار الايائل، والطووس... للحظة وأمام أعين نسوة على طول الشارع، تنهار فردوس بشكل مفاجئ! كانت تلك اللحظات في حقيقة الأمر، لحظات النهاية في حياة فردوس-فهي على مشاريف حافة الدنيا، لتسلم روحها لبارئها، ويعلن عن الوفاة لحياة طفلة لم تكمل عامها الثالث.
فردوس قاومت الموت بالنداء على أمها.. ماما.. ماما، حاولن بعض النسوة تقديم المساعدة؛ رش الماء، ورجل قام بإسعافها. لكن، الموت أقوى. فردوس برغم من حداثة سنها، واجهت الموت بشجاعة؛ واستجابت لهزيمة المنية، ففارقت الحياة، وتركت الكبار والصغار يبكون فراق فردوس الصغيرة.
وصل الخبر كالصاعقة لذويها الذين؛ حالا، سمعوا بالخبر، في مشهد الصدمة، وهول المصاب، يتسألون عن حقيقة الواقعة، فكيف حدث هذا؟! ويقولون في أنفسهم: هي للتو خرجت. أي سمحوا لها بالخروج للعب في شارعهم، فماذا ألم بفردوس وبهذه الطفولة البريئة؟
كانت فردرس الزهرة الثانية، لأسرتها، مدللة، يرو فيها حلم الحياة، برغم من كل قساوة الحياة، واكراهاتها ومطباتها.
في الوسط القروي بدوار فردوس، واقع الطفولة، جد مزري، جراء عدم الإهتمام من قبل الفاعلين بالطفولة، طفولة محرومة من فضاءات اللعب، ومن اشتداد الفقر- الأسري، فتجد أطفالا، ابناء الساكنة- القروية، يلعبون في المقبرة، في الشارع المزدحم بالمارة، وحركة السير، في مطاريح النفايات العشوائية، والمخجل يبحثون فيها عما يلعبون به!
كل مظاهر البؤس، والتهميش والتقصير موجودة في بعض الأوساط القروية؛ الفقر الخدماتي، والتقصير في اعداد متنفسات سوسيو اجتماعية، وتربوية من شأنها أن تكون حصنا للطفولة من المخاطر، وحماية لها من أخطار التلوث. فكل المؤشرات الخدماتية، والجمعوية التي من شأنها أن تعبر عن اهتمام ترابي من قبل الفاعلين التي تهدف لتحقيق واقع طفولي بدون حرمان، غائبة مجاليا، تكاد تكون منعدمة. بل هي منعدمة في دوار فردوس الذي يعد أكبر دوار بجماعة توغيلت.
فور حدوث الحادث الذي ألم فردوس، تم الاتصال بسيارة الاسعاف، والسلطات المعنية، فبدأت أسئلة في الهاتف.. الهاتف: هل هي ما تزال حية أم توفيت...؟ من التاسعة صباحا التي فارقت فيها فردوس الحياة، إلى أن قدمت سيارة الإسعاف على الساعة الواحدة ظهرا، لحق عليها رجال الدرك من أجل المعاينة، والفاصل الزمني بين مفارقة الحياة فردوس، ووصول سيارة الإسعاف، يتجاوز ساعتين؟!
في طور هذا الزمن، تشنج عقل الساكنة من كثرة الأسئلة التي تتعلق بسبب وفاة فردوس، فهي لم تكن مريضة، ولم تكون عليها أي مظاهر من مظاهر العياء أو ضعف صحة، ولم تكن في أي مكان من شأنه أن يلحق الضرر بفردوس. في مخاض المصاب الجلل، وعلى الضوء هذه الواقعة التي هزت ساكنة الدوار، تلبس على العقل "ماذا نفعل"؟
تم السير وفق اجراءات القانونية، فحملت فردوس في سيارة الأموات، إلى مستشفى بجرف الملحة، ومنه إلى المستشفى بالقنيطرة. هنا تم تشريح فردوس في صباح يوم الأربعاء 10 ماي، بعدها نقلت فردوس لقريتها لتواري الثرى في جنازة مهيبة.
كشف الطبيب عن سبب الوفاة وهو "ضربة شمس" وباللهجة المحلية يقال عن مثل هذه الحالات "المكلفة". وراء وفاة فردوس، ضربت شمس.. حتى أنت أيتها الشمس.. أيتها الملتهبة، حتى أنت تقتلين الطفولة. كم رسمة رسمتك فردوس، بأناملها، وكم من مرة بحث عنك في السماء؛ حيرها وضعك في الشروق، والظهيرة والغروب. ضربة شمس انهت ربيع فردوس وحولته لخريف.. خريف الكآبة. قصارى القول ينبغي إعادة النظر في المجالات القروية وطرح أسئلة عن أدوار الفاعلين في شأن الطفولة.
إنا لله وإنا إليه راجعون، عظم الله أسرة الفقيدة وألهم أهلها الصبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.