"جيل زد" بطنجة تجدد انتقاد الحكومة    انتقادات تطال وزيرة المالية وسط صمت حكومي وتأخر في عرض مشروع قانون المالية على الملك    رعاية ملكية لمستقبل الماء في إفريقيا.. مؤتمر عالمي يجمع الخبراء من القارات الخمس بالمغرب    نتنياهو: معبر رفح بين غزة ومصر سيظل مغلقا حتى إشعار آخر    تحريض رسمي من الجزائر ضد المغرب... حين يفشل النظام في الدبلوماسية فيلجأ للفوضى    الصحافة الأرجنتينية: قيمة فريق "التانغو" تفوق خمس مرات "أشبال الأطلس".. لكن الحسم سيكون فوق العشب    مدرب بركان: "لن نخجل من الهزيمة"    "الأشبال" ينهون التحضيرات للقاء الأرجنتين    إسرائيل تشترط استعادة جثث جميع الرهائن في غزة من حركة حماس لإعادة فتح معبر رفح    البطولة: المغرب الفاسي ينفرد بالصدارة والزمامرة يعود بالنقاط الثلاث من أكادير    هل هو انقسام داخل "جيل Z"؟.. جدل داخل الحركة بسبب تصريحات متضاربة من الشرق تعلن الانسحاب    إدريس لشكر يؤكد أن تجديد ولايته على رأس "الاتحاد الاشتراكي" جاء بإرادة القواعد الحزبية    شركة يابانية تختار تطوان لبناء مصنع ضخم للسجائر    جشع الباعة بالتقسيط ينفخ أسعار "اللحوم البرازيلية" في مجازر المغرب    حادث اشتعال بطارية يحول مسار طائرة صينية    الوداد يكمل الاستعداد للتنافس بأكرا    "تناقضات Z" تغضب "شباب الشرق"    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    "مرحبا بيك" تنشط مونديال الفتيات    أشبال الأطلس في موعد مع التاريخ أمام الأرجنتين لانتزاع المجد العالمي    المحكمة "الجنائية الدولية" تؤيد مجددا مذكرات توقيف مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت    الصعود عنوانا    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وملابسات وخلفيات إقدام موظف شرطة على محاولة الانتحار    الهندسة رافعة التنمية... سودو يؤكد أن المهندس المغربي في قلب مشروع مغرب 2030    بميزانية 42 مليار يورو.. أوروبا توجه برنامج "إيراسموس" نحو المغرب وباقي الدول المغاربية    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    انتقاء أفلام المهرجان الوطني للفيلم.. جدلية الاستقلالية والتمويل في السينما    محلل برازيلي: المغرب يتوفر على فريق قادر على التتويج بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة    ارتفاع المداخيل الجبائية إلى 258 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025    البرلمان الياباني يصوت الثلاثاء المقبل لاختيار رئيس وزراء جديد    إصابة تلميذ في حادث دهس بالترامواي بعين السبع الحي المحمدي    بالصور.. مدرسة سيدي عبدالله الإيكولوجية تخلد اليوم العالمي للتغذية    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    لشكر يواصل قيادة الاتحاد الاشتراكي    الإحصاء المدرسي ينطلق في المغرب    باحث روسي: مؤشرات الاقتصاد المغربي تؤهله لشراكة استراتيجية مع موسكو    الدفاع المدني ينعى 9 أشخاص في غزة    مشروع "ميهادرين" الإسرائيلي لإنتاج الأفوكادو بالمغرب يثير جدلاً وسط أزمة المياه وتزايد الدعوات لوقف التطبيع    "الاتحاد الاشتراكي" من الانتخاب إلى التمديد.. لشكر يمدد لنفسه لولاية رابعة في ظل تراجع قاعدة الحزب وتزايد الانتقادات لقيادته    "الحال" يفتتح فعاليات الدورة 25 من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة    وفاة الفيزيائي تشين نينج يانج الفائز بجائزة نوبل    مغينية: فارق السن والخبرة أثر في النتيجة لكن الأداء كان مشرفا    الدرك الملكي بالجديدة يلقي القبض على شخصين قاما بالتبليغ عن عملية سطو مفبركة    غموض لافت في مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء: بين دعم الحكم الذاتي وضمان حق تقرير المصير    توقيع اتفاق جديد للتعاون في مجال الصيد البحري بين المغرب وروسيا    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    وفاة والدة الفنانة لطيفة رأفت بعد معاناة مع المرض    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت هو الحياة
نشر في طنجة الأدبية يوم 16 - 08 - 2012

كان الحدث جللا يا صاحبي. أبت أعين الناس أن تتوقف عن ذرف الدموع أمام ذلك الموكب الجنائزي، وعبارة "الله أكبر" تملأالوجود. وكان بعض المشيعين ينظرون بعين الريبة إلى أم الشهداء..لم تكن لتذرف دمعة في هذا الموكب..بل إن الابتسامة لا تفارق قسمات محيا لم تستطع نوائب الدهر أن تنال منه..وأنا أنظر إلى هذه المرأة مرت بخاطري قصيدة أبي ذؤيب في رثاء بنيه..المشهد واحد "الشهادة"، الرزية واحدة "فقد فلذات الكبد"،الصرخة واحدة "أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع"، الزمن يختلف، والعدو ليس هو..
اسمع مني يا صاحبي قصة هؤلاء الفتية،
هم محمد وأحمد ومحمود، ثلاثة إخوة اجتمعوا على حب الحياة، حياة على بساطتها كانت حبلى بالسعادة في بيت صغير مع أم وأب ورث مفتاح بيته عن أبيه الذي استحلفه بأن يصونه حتى يسلمه لبنيه أو لأم عياله.
غير بعيد من هذا البيت كان حقل الأسرة المليء بأشجار الزيتون التي كانت تأوي أغصانها عش الحمام الأبيض..كان الأب وأبناؤه بعد أن يصلوا صلاة الفجر في جامع القرية-"لو علم الناس ما في صلاةالعشاء و الفجر لأتوهما ولو حبوا"،"من صلى صلاة الصبح في جماعة فهو في ذمة الله"- يتوجهون إلى الحقل الذي كان بيتهم الثاني. فهو يعرفهم كما يعرفونه،ولا يؤذي أقدامهم الحافية بأشواك بعض نباتاته، بل ويبتسم لرقصات فراشاته المشاركة في اللعب والجري بين المروج والأزهار.
كان يوم السبت يا صاحبي، أوليس غريبا أن يكون يوم السبت؟ فبينما الأب وأبناؤه يشتغلون بحقلهم،وكدهم معاولهم الصغيرة،إذا بالطغاة يأتون بدباباتهم وجرافاتهم التي استهدفت أشجار الزيتون وبدأت باقتلاعها من جذورها..
لم يستطع الأب تحمل المشهد..أنى له الصمت أمام اقتلاع أشجار زرعها بيديه؟..كيف الخضوع وتراب تحت قدميه يدغدغها قائلا:"لا أرضى سواكم بديلا، أنا جزء منكم،وأنتم كلكم مني،فاحفظوني وكلي لكم".
اندفع الأب تجاه الجرافة متحديا إياها بجسمه النحيف، وسائقها يزجره ويعنفه "ابتعد يا حثالة وإلا قتلتك"-"الحثالة أنتم، أما نحن فالكرامة والإباء شيمنا".
كان محمد وأحمد ومحمود ينظرون إلى الأب النحيف أمام تلك الجرافات والدبابات المخيفة.فكان الموقف يقول إن عزيمة الرجال تضاهي شموخ الجبال،وأن حب الأرض والوفاء لها والذود عنها رسالة مشفرة من الأب لأبنائه،ومن الحقل لأصحابه..
استفاقت عقول الفتية المنهمكة في تحليل الرسالة المشفرة على صوت رصاصة غادرة اخترقت أحشاء ذلك الجسم النحيف، فجعلته يترنح في دمائه..هرول الفتية تجاه أبيهم يبكون ويصرخون..هذا يتوسل إليه بالقيام، والآخر يمسك بيده وشرارة الغضب تتطاير من عينين غارقتين في دموعهما، والثالث يبكي لبكاء أخويه غير مدرك لفداحة ما وقع لحداثة سنه..تنقطع الأنفاس ويأتي الخبر الفاجعة وتتعالى الصيحات"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"..تراجعت الدبابات والجرافات إلى الوراء،وأحد قوادها يقول:"إذا أردتم النجاة والعيش، فارحلوا عن هذه الأرض، فهي أرضنا التي وعدناها"..وأي حياة وأي عيش ذاك بعيدا عن الأم..كيف يفصل الجسد عن الروح، فيعيش الأول في هذا المكان والثاني هنالك في اللامكان.
لا تحسبن يا صاحبي أن ذلك التهديد قد ثنى الفتية عن تلك العزيمة عزيمة أبناء الزيتون،فإن غدا لناظره قريب..فإما الشهادة أوالحياة الكريمة.
مرت أيام على ذلك الحدث يا صاحبي،وصورة البندقية وصوت الرصاصة يؤقضان مضجع الفتية،فثمة دين عالق ينبغي تسديده، خاصة وأن الدائن غدا يعتاد الحقل ويرتاده ليل نهار ظنا منه أن حجر العثرة قد أزاحه من طريقه..ياللعجب يا سيدي أولم ير بجانبه الفتى يحمل حجرا تجمع فيه النار والاختيار..حجارة يبني بها داره، ويهش بها على عدوه، وله فيها مآرب أخرى..أوليست الجبال تجمعا متآخيا للحجارة الصغيرة،لكن ذلك التآخي يتطلب وقتا طويلا ليحصل، والرجل صاحب الحذاء الذي يؤذي الآذان لا يكاد يغادر الحقل، وعبارات التهديد لا تفارق ذلك الثغر الصدئ الذي ينفث دخان سيجارته الكوبية على الوجوه"ماذا تنتظرون يا حثالة؟ألم تعتبروا بأبيكم؟أتعشقون اللحاق به؟"أوليس الرحيل عن الأرض موتا والموت فوقها حياة..هو الأمر كذلك يا صاحبي.
لم تمض إلا أيام قلائل على آخر زيارة ثقيلة للرجل صاحب الحذاء حتى اهتزت القرية ذات مساء على وقع تفجير آت من الثكنة العسكرية المتاخمة للقرية..دبيب هنا وهناك..وحركة من الهلع تملأ القرية..وصلت الأخبار سريعا،الحصيلة موت 17 سفاحا أو 19 لا ندري، لكن ما نحن متأكدون منه هو أن عدد السفاحين هو حاصل تجاور العددين 1917..والشهداء ثلاثة فحمد وشكر وإباء..هم الخلف الطيب للسلف الطيب..هم أبناء الزيتون.
لما بلغ الخبر بيتنا الصغير، يقول أهل القرية إنهم لم يسمعوا بكاء ولا نواحا ولا لطم الخدود ولا لعن الدهر..بل هي زغاريد تمرمرت لها جنبات القرية، وآيات قرآنية تتلى بأعذب صوت وأدفئه "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.