ذلك أن هذه المؤسسات ، سواء كانت عمومية أو خاصة، سمعية بصرية أو صحف أو وكالات أنباء، نادرا ما يكون لديها خلية بحوث تهتم بمتابعة تفاعل الجمهور مع المواد والبرامج التي تنتجها أو تبثها أو تنشرها. وزيادة على ذلك، لابد من الإقرار بأن تقاليد الشراكة في مجال البحث العلمي بين المؤسسات الإعلامية وكليات وأقسام الإعلام بالجامعات العربية مازالت جنينية أو مفقودة في معظم بلدانها. 3 التربية الإعلامية في البلاد العربية: الواقع والآفاق: إن أي تحديد للأولويات المطروحة عربيا لتطوير التربية الإعلامية يمر حتما عبر التعرف على خاصيات المشهد الإعلامي العربي. ولا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن القنوات التلفزيونية الفضائية هي الوسيلة الإعلامية المهيمنة في جميع أنحاء البلاد العربية والأكثر استقطابا للكبار كما للصغار. ومن أهم مميزات هذه القنوات الفضائية يمكن أن نذكر ما يلي: الانفجار الكمي السريع والهائل لعدد القنوات الى حد أن اللغة العربية أصبحت الأولى عالميا في مجال البث التلفزي الفضائي. وهو ما يفسر استعمال الكثير لعبارات «الانفلات الاعلامي» أو «الفوضى الإعلامية الفضائية». تراجع مكانة القنوات العمومية التي يفترض أن تخاطب المشاهدين بصفتهم مواطنين لصالح القنوات التجارية التي تستهدف المشاهد بصفته مستهلكا ولصالح القنوات الطائفية التي تقدم الولاء الطائفي على الولاء الوطني. بروز نموذج ناجح من القنوات الاخبارية ذات التوجه القومي والتي تعمل بمواصفات مهنية عالية ومكنت من تقليص الهيمنة الإعلامية الغربية ون توفير خدمة إعلامية دولية بمنظور عربي. إقبال الأطفال على مشاهدة برامج أجنبية، في لغتها الأصلية (الفرنسية في بلدان المغرب العربي) أو مدبلجة، جراء ارتفاع عدد ساعات البث ومحدودية الإنتاج العربي الموجه إلى الطفل. وإضافة إلى القنوات التلفزية الفضائية، شهدت المنطقة العربية خلال العشرية الماضية ارتفاعا موازيا لعدد مستعملي شبكة الأنترنت ولعدد المواقع والبوابات والمدونات الناطقة بالعربية، وهو ما طرح بإلحاح ضرورة تزويد المشاهدين ومستعملي الأنترنت بالثقافة الإعلامية التي من شأنها أن تعزز قدراتهم على الإستفادة من هذه الموارد الإلكترونية الهائلة وعلى استخدامها على أفضل وجه. وهكذا فإن هذه البيئة الإتصالية شكلت أرضية مناسبة لتنامي الوعي عربيا بأهمية التربية الإعلامية وللمبادرة بتنظيم ندوات ولقاءات فكرية حولها منذ قرابة الأربع سنوات. فقد عقدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) ندوة أولى حول التربية الإعلامية في أواخر سنة 2003 بدمشق، سوريا. وكانت منظمة اليونسكو قد بعثت في نفس الفترة مشروع MENTOR للتربية الإعلامية في بلدان البحر الأبيض المتوسط. وانبثقت عن هذا المشروع الجمعية الدولية للتربية الإعلامية التي احتفظت بتسمية MENTOR والتي يوجد مقرها في كلية الاتصال بجامعة برشلونة بإسبانيا. وقد لعبت كل من اليونسكو وجمعية MENTOR دورا هاما في تنظيم أهم تظاهرتين عربيتين حول التربية الإعلامية في السنوات الأخيرة: «الملتقى الدولي حول التربية على وسائل الإعلام: أي رهانات؟ أي تكوين؟»، انتظم بتونس من 15 إلى 17 أبريل 2004 بإشراف معهد الصحافة وعلوم الأخبار وبالتعاون مع مركز التجديد البيداغوجي والبحوث التربوية التابع لوزارة التربية والتكوين. «المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية» الذي انتظم بالرياض بالمملكة العربية السعودية من 5 إلى 7 مارس / آذار 2007 بإشراف وزارة التربية والتعليم. ومن المنتظر أن ينعقد المؤتمر الموالي بالإمارات العربية المتحدة بعد أن صادق مؤتمر الرياض على ترسح دبي لاحتضان مؤتمر التربية الإعلامية المقبل.