من أجل استفزاز البحث العلمي والأنثربولوجي خاصة فيما يتعلق بالمناهج المتبعة في الدراسات الأمازيغية، استطاعت رسالة دكتوراه، نوقشت أخيرا بجامعة فرانكلين شعبة دراسة الريادة وعلوم التربية في موضوع "الصورة والتفاوض حول السياحة بالمغرب" أن تخلخل الآليات المنهجية الكلاسيكية التي استندت إليها الكثير من القراءات والبحوث التي اتخذت الأمازيغية موضوعا لها. فلأول مرة حاول الباحث الأمازيغي المختار الزكزاو بوبا الكشف عن نقائص مناهج البحث في الأمازيغية والمساهمة في التأسيس لمنهاج انثروبولوجي جديد يهم بالأساس الشعوب الأصلية والسعي إلى ربط منطقي وموضوعي بين قضايا البحث ومناهجه. واشتغل الزكزاو في أطروحته على منظومات متعلقة بقبائل الجنوب الشرقي للمغرب عبر تفسير لعدة ظواهر وتمثلات ثقافية، أثارت انتباه الباحثين والمهتمين بثقافة الشعوب الأصلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، واكتسبت هذه الدراسة أهميتها عبر التركيز على منظومة السياحة وتواصل الثقافات، خاصة وأن المنظومتين اعتمدتا على تراث أدبي ظل حسب الاستشراق الأوربي في تمظهراته العديد، في اللغة والفن وفي البحث العلمي والصورة أيضا قارا وثابتا، وقد تكونت من داخل هذا الأدب صورة المغرب بشكل عام وصورة لصحراء بشكل خاص. وأشارت أطروحة الزكزاو إلى العديد من المراحل التي ميزت التاريخ المغربي ومدى تأثيرها على التواصل والصورة في مجال السياحة على الخصوص، ووقفت عند العديد من المراحل التي مر بها التاريخ المغربي، ومن بين هذه المراحل، فترة المارشال اليوطي، الذي دشن أسس السياحة المغربية سنة 1918 وربطها بمشروعه الاستعماري الكبير، وأوضحت الدراسة أن العديد من الكتاب والأدباء والفنانين، سواء في الجنوب الشرقي أو في أرجاء المغرب أحسوا بمسؤولية إعادة صياغة صورة المغرب وتسويقها إلى أوروبا لاستقطاب أكبر عدد من السياح، الشيء الذي دفع إلى تنقيح هذه الصورة وضع علامات ولفائف غرائبية أخرى فوقها (exotic)ليصبح المغرب بعد ذلك البلد المنحوتة صورته، والبعيد ثقافيا والقريب جغرافيا. وتطرقت هذه الدراسة إلى التفاوض حول الصورة، معتبرة أن ذلك له أهمية في تفعيل العلاقات التواصلية بين زوار المناطق، وأشارت إلى مسؤولية الجامعة المغربية في مثل هذه القضايا لأنها لم تعط أهمية للسياحة في علاقتها مع الصورة وغيبتها بشكل عام إلى حدود نهاية التسعينيات من القرن الماضي، في الوقت الذي اعتبرت الانثروبولوجيا السياحة نشاطا اقتصاديا له الأثر الخطيرة على البيئة والمجتمع وعلى الثقافة التي تعتبر المجال الموروث للأنثروبولوجيا. وأفادت دراسة الزكزاو أنه عندما دخلت السياحة مجال البحث ظلت حبيسة أقسام التدبير والمحاسبة، وهكذا عمل هذا الباحث إلى إخراج السياحة من قفص التدبير والمحاسبة إلى عالم أرحب وهو الثقافة بمفهومها الواسع من خلال بحث يعتمد بشكل أساسي على منهجية أصلية تحاول استنطاق السرد والقصة كأدوات منهجية، علما أن القاسم المشترك بين المنهجيات الوضعية »الكيفية« الحديثة والمنهجيات الأصلية للبحث هو اهتمامها بالتمظهرات السردية لتراث الشعوب الأصلية في عالم لا يزال يحتكم إلى البحث العلمي الذي لا يعترف بمعارف وايستمولوجيات الشعوب الأصلية في أبعادها الكونية.