أ_ سلخت سنين من عمري باحثا عن قصيدة تماثل تجربتي الوجدانية الخاصة. وجدت عشرات القصائد نابضة بأرواح أصحابها من العشاق ، أصلية تزلزل الوجدان ، لكنٌٓ ما بأصحابها شديدُ الفرادة، يستعصي على التعميم . كما وقفت على المئات من الأشعار الشبيهة بأسواق المتلاشيات، تراكمت فيها موروثات القول، فتدافعت فيها الأصوات بلا روح . كنت أبحث فقط عن تصوير شعري لحال يافع وقف في الهجير ، على قارعة الطريق، شابكا يديه خلف رأسه في ذهول قاتل، كل كيانه ينتفض، و عيناه تلاحقان حبيبا مكسور النظرات، يُرٓحّٓل مهزوما إلى الأبد ، ومن غير فرصة وداع ، ولا أملٍ في لقاء. أدركت بعد التطواف الطويل في أشعار كل الجهات ،وكل العصور، أن الحب تجربة خاصة، قد يرقق التعبيرُ المُبدعُ عنها مشاعر الآخرين ، لكنها لا تقبل النقل والتعميم . ** الحب يا صديقي تذكرة سفر بلا إياب ، بل هو زورق فريد يغادر مرفأه الخاص في إبحار بعيد ، بلا خرائط ، وبلا أمل في الرجوع. ب _ تتبعت دروب وعي الناس وهم يسعون للخلاص من أشكال القهر والاستعباد في أزمانهم ، فوجدت كل فسحة خلاصٍ يعيشها جيل تعقبها عقود قهرٍ تكابدها أجيال . تصورت الوعي البشري لا يتراجع منسوبه أبدا ، لكن بدا لي أن لكل زمن قاهريه وثائريه . فكما تنمو نزعات التحر ر عند الشعوب ، تتوالد نزعات الاستغلال والقهر وأساليب الاستعباد عند أعدائها الشرهين. * ** ايقنت أن الوعي تمرين إلزامي متجدد ، وأن أخطر أشكال الاستعباد هو ذاك الذي يقيد الناس بخيوط من حرير ويجعلهم يعتقدونها زينة . ج_ كم هو مؤسف حال من يرى العمر ينفلت كالرمل الجاف من بين الأصابع، بأحلامه وأوهامه، بركضه وعرقه ، ولايدرك إلا متأخرا أن أجمل اللحظات التي عاشها لم تكن نتاج ركض ولا عرق ، بل كانت لحظة اطمئنان وانسجام بين الفعل والمعتقد ، لحظة قصيرة لكنها وازنة ومؤثرة ، لحظة بحجم ضحكة مجلجلة أطلقها طفل لازال في عز القدرة على الفرح والاندهاش.