المنتخب المغربي يفوز ودياً على الموزمبيق في افتتاح ملعب طنجة الكبير    حجز أزيد من 23 ألف قرص مخدر بالدار البيضاء وتوقيف شخصين متورطين في ترويج الكوكايين والشيرا    المنتخب المغربي يهزم موزمبيق وديا.. أوناحي يسجل أول هدف في ملعب طنجة بعد تجديده    ترقية استثنائية لشرطي بآسفي بعد تعرضه لاعتداء خلال تأمين محيط مؤسسة تعليمية    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    عبد الحميد صيام: قرار مجلس الأمن حول الصحراء حمل عدة نقاط تناقض تثير تبايناً واسعاً في قراءات أطراف النزاع    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    المكتب المغربي للسياحة يستقطب المؤتمر السنوي لوكلاء السفر الهولنديين إلى المغرب    الجزائر.. إجلاء عشرات العائلات جراء حرائق غابات كبيرة غرب العاصمة    وفد كيني يستكشف الفرص بالصحراء    المغرب يُنتخب لولاية ثانية داخل اللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي (الكودكس) ممثلاً لإفريقيا    إدارة مركز التوجيه والتخطيط التربوي تنشر معطيات تفصيلية حول الجدل القائم داخل المؤسسة    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    ملعب طنجة.. الصحافة الدولية تسميه "ابن بطوطة" ومطالب محلية بتثبيت الاسم رسميًا    الطرق السيارة بالمغرب.. افتتاح فرع مفترق سيدي معروف بمعايير هندسية وتقنية دقيقة    ملعب طنجة الكبير، صرح رياضي عالمي بمعايير "فيفا 2030"    أمطار رعدية ورياح قوية بعدة مناطق    مبديع أمام محكمة الاستئناف: معاملات فلاحية وراء ثروتي.. ولست "شفاراً"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    بطولة اسكتلندا.. شكوك حول مستقبل المدرب أونيل مع سلتيك    أكثر من 170 لاعباً يحتجون في الدوري الكولومبي بافتراش أرض الملعب    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    فرنسا.. مقتل شقيق الناشط البيئي أمين كساسي في مرسيليا رميا بالرصاص    الصناعات الغذائية.. مسؤول حكومي: "التعاون المغربي-الإسباني رافعة للفرص أمام المصدرين المغاربة"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    عمال راديسون الحسيمة يستأنفون احتجاجاتهم بعد فشل الحوار ويكشفون "مقترحات مجحفة" لإقصائهم    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    المسلم والإسلامي..    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم العالمي للمرأة 2024: نساء تربعن على عرش مصر القديمة
نشر في الأيام 24 يوم 08 - 03 - 2024

Getty Images لم يكن من الغريب على المجتمع قديما توقير المرأة والنظر إليها نظرة "تقديس" لآلاف السنين.
تبوأت المرأة في تاريخ مصر القديم مكانة بارزة في شتى مناحي الحياة جعلتها شريكة للرجل إن لم تكن أحد الأسباب الرئيسية في نمو الحضارة المصرية، لذا لم يكن من الغريب على المجتمع قديما توقير المرأة والنظر إليها نظرة "تقديس" لآلاف السنين جعلتها حاضرة بقوة في المشهدين الديني والدنيوي.
سبقت الحضارة المصرية حضارات الشرق القديم في تولي المرأة مناصب عليا في البلاد، فكانت ربة في مجمّع الأرباب، وعنصرا أساسيا في أسطورة خلق الكون، وكاهنة لأكبر معبودات مصر، وملكة شاركت زوجها الملك في إدارة شؤون البلاد، أو وصية على العرش، أو ملكة انفردت بالحكم في ظل غياب وريث للعرش، فضلا عن دورها الأساسي كأم وزوجة.
اعتلت المرأة عرش مصر أو شاركت فيه أكثر من مرة في ظروف سياسية وتاريخية أحاطها الجدل، وحملت ألقابا عبر العصور من بينها "سيدة مصر العليا والسفلى" و"سيدة الأرْضَين" و"الحامية" و"العالمة" و"ابنة الإله" و"الحاكمة" و"قوية الذراع" و"القابضة على الأرضين" و"سيدة التجلي"، إلى جانب مجموعة أخرى من الألقاب الشرفية مثل "جميلة الوجه" و"عظيمة المحبة" و"صاحبة الرقة".
* عيد الحب: العشق وأسراره في مصر القديمة
* شم النسيم: قصة أقدم عيد شعبي يحتفل به المصريون
وتقول العالمة الفرنسية ماري-آنغ بونيم، أستاذة دراسات تاريخ مصر القديم بمعهد التاريخ التابع لجامعة باريس الرابعة، في مجموعة دراسات حضارية بعنوان "عالم المصريين"، إنه بداية من عهد الأسرة الثانية، بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم "قرر المصريون أنه في وسع المرأة أن تشغل وظيفة ملكية".
وأضافت بونيم أن تاريخ مصر قديما عرف اعتلاء المرأة للعرش كحلقة في سلسلة انتقال للسلطة ضمانا لاستمرارية الأسرة الحاكمة، وأن مؤرخي الدولة الحديثة، بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم : "أسقطوا عمدا، على سبيل المثال، اسمي الملكة حاتشبسوت والملكة تاوسرت من قوائم الملوك، لأنهما شغلتا منصب الملك في ظروف كانت وراثة العرش تعاني من أزمات، واعتبرتا كمغتصبتين للعرش".
Getty Images يقول علماء إنه بداية من عهد الأسرة الثانية، بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم "قرر المصريون أنه في وسع المرأة أن تشغل وظيفة ملكية"
وإن كان المصريون القدماء لم يألفوا كثيرا حكم المرأة، إلا أنه لم يمنع من اعتلاء بعضهن العرش في ظروف اتسمت فيها الدولة بالضعف والاضطرابات السياسية، أبرزهن ملكات حكمن بمفردهن مثل "مريت نيت (الأسرة الأولى)" و "خنتكاوس (الأسرة الرابعة)" و "نيت إقرت (الأسرة السادسة)" و "سوبك نفرو (الأسرة الثانية عشرة)" و"حاتشبسوت (الأسرة الثامنة عشرة)" و" تاوسرت (الأسرة التاسعة عشرة)".
مريت نيت أقدم ملكات مصر
اختلفت آراء علماء تاريخ مصر القديم في شأن الملكة "مريت نيت"، نظرا لبعد الفترة الزمنية وندرة المصادر التاريخية القاطعة بشأنها، فهل حكمت البلاد بالفعل بمفردها أم كانت شريكة في الحكم؟
يقول العالم الفرنسي نيقولا غريمال، رئيس كرسي دراسات تاريخ مصر القديم في معهد كوليج دو فرانس والمدير السابق للمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، في دراسته بعنوان "تاريخ مصر القديمة"، إن رابع ملوك الأسرة الأولى الملك "دن" ترك ذكرى عهد ملكي مجيد ومزدهر، وربما بدأ عهده بفترة حكمت فيها "مريت نيت" كوصية على العرش.
* الحضارة المصرية: أسرار مسلة فرعونية تزين قلب باريس
وأضاف غريمال : "ساندتها سلطة كبار الموظفين ودعمتها، مما اضطر الملك دن إلى الحد من هذا السلطان".
والثابت تاريخيا أنها واحدة من ملوك الأسرة الأولى تولت الحكم بعد الملكين "حور عحا" و"جر"، وعثر علماء على نقش يحمل اسمها على لوحة في مقبرة في أبيدوس، بخلاف مقبرتها الأخرى في سقارة.
BBC سبقت الحضارة المصرية حضارات الشرق القديم في تولي المرأة مناصب عليا في البلاد
خنتكاوس والدة الملوك
ورثت "خنتكاوس" عرش البلاد بعد فترة حكم قصيرة جدا للملك "شبسسكاف"، آخر ملوك الأسرة الرابعة. وهي والدة ملكين حكما الوجهين القبلي والبحري هما "ساحورع" و "نفرإيركارع"، وفقا لما ورد في مقبرتها في الجيزة.
ويقول غريمال إن "خنتكاوس" هي نفسها الملكة "ردجدت" التي تحدثت عنها بردية وستكار حين بشرها الساحر "جدي" في حضرة الملك "خوفو" بأنها سوف ترزق من الإله "رع" بملوك الأسرة الخامسة الثلاثة الأوائل.
* كيف أبرزت فنون التجميل سحر وجاذبية المرأة المصرية القديمة؟
وأغلب الظن أن الملك "شبسسكاف" تزوج "خنتكاوس"، ابنة "جدف-حور" الأخ غير الشقيق للملك "جدف-رع" ابن الملك "خوفو"، توثيقا لعرى الروابط بين فرعي العائلة المالكة، واعتبرها المصريون الجدة الأولى للأسرة الخامسة، ويبدو أن "شبسسكاف" لم ينجب منها وريثا للعرش، لذا يعتقد العلماء أنها كانت شريكة للملك في الحكم.
ويقول العالم المصري سليم حسن في دراسته الإنجليزية "حفائر في الجيزة" إن "خنتكاوس" اتخذت لنفسها ألقابا من بينها "ملكة مصر العليا والسفلى" و "أم ملك مصر العليا والسفلى"، ويعتقد أنها كانت وريثة شرعية للعرش، وانتقلت هذه الشرعية إلى الأسرة الخامسة.
Getty Images كانت المرأة المصرية حاضرة بقوة في المشهدين الديني والدنيوي في الحضارة المصرية القديمة
نيت إقرت
تولت "نيت إقرت" حكم البلاد في نهاية الأسرة السادسة في فترة اتسمت بالضعف والاضطراب، وتشير قائمة أبيدوس الملكية إلى اسم ملك حكم بعد الملك "بيبي الثاني" يدعى "مرنرع الثاني"، لم يدم حكمه أكثر من عام واحد، ويبدو أنه تزوج من الملكة "نيت إقرت" التي كانت في رأي المؤرخ مانيتون آخر ملوك الأسرة السادسة.
جاء ترتيب "نيت إقرت" على جدول أسماء الملوك في بردية تورينو في مرتبة تالية للملك "مرنرع الثاني" كملكة للوجه القبلي والوجه البحري، وعلى الرغم من ذلك لم يرد ذكر اسمها في قائمتي "سقارة" و "أبيدوس" الملكيتين.
ويقول غريمال : "في العصر اليوناني استحوذت الخرافة على سيرة هذه المرأة وحولتها الأسطورة إلى (رادوبيس) كما نسبت إليها تشييد هرم الجيزة الثالث، وهي أولى الملكات المعروفات اللاتي تولين السلطة السياسية وحكمن مصر"، ويقف التاريخ عاجزا عن تفاصيل أخرى عن عصر هذه الملكة.
Getty Images
سوبك نفرو سيدة الأرْضَين
تولت "سوبك نفرو" عرش البلاد في نهاية الأسرة الثانية عشرة في ظل تدهور أحوال البلاد بعد وفاة الملك "أمنمحات الرابع"، وخلافات على ولاية عرش مصر.
وتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر القديم التي يشار إلى سيدة كامرأة وفرعون في آن واحد، واتخذت ألقابا من بينها "ملكة مصر العليا والسفلى" و "المنتمية للربتين" و " المنتسبة لحور" و "سيدة الأرضين". وثمة اعتقاد بأنها ربما أخت أو زوجة للملك "أمنمحات الرابع"، ويُنسب إليها هرم مزغونة الشمالي إلى الجنوب من منطقة دهشور.
* مصريات في عيون رحالة ومستشرقين غربيين
* النيل: كيف كان المصريون القدماء يقدسون النهر "الخالد"؟
وعُثر على جزء علوي لأحد تماثيلها محفوظا حاليا في متحف اللوفر بباريس، يمثل الملكة وهي ترتدي ملابس بأسلوب فريد غير مألوف، وفوق ردائها الأنثوي، وضعت الإزار مثل الملوك، وعلقت في عنقها الختم المزدوج الخاص بملوك الدولة الوسطى.
وتجمع القوائم الملكية على حكم هذه الملكة للبلاد فترة قصيرة لم تتجاوز ثلاث سنوات، وتحدد بردية تورينو الفترة بثلاث سنوات وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما، وربما انتهت فترة حكمها نهاية مضطربة، ودفنت بجوار "أمنمحات الرابع".
AFP
حاتشبسوت الجمال والنفوذ
تعد الملكة "حاتشبسوت" أشهر ملكة مصرية تولت السلطة في ظروف اتسمت فيها البلاد بالقوة والازدهار في أوج قوة الدولة الحديثة، الأسرة الثامنة عشرة، وهي ابنه الملك "تحوتمس الأول" والوريثة الشرعية للعرش في ظل غياب وريث شرعي ذكر للبلاد، باستثناء أخ غير شقيق لها من أبيها هو "تحوتمس الثاني" الذي أضفى شرعية على توليه العرش بزواجه من حاتشبسوت.
أنجب "تحوتمس الثاني" من حاتشبسوت ابنتيهما "نفرو رع" و"مريت رع-حاتشبسوت"، كما أنجب من زوجة أخرى الخادمة "آست اي إيزيس" ابنه "تحوتمس الثالث" الذي تزوج من الأميرة "مريت رع-حاتشبسوت"، وأصبحت له شرعية تولي العرش، لكن صغر سنه حالت دون توليه الحكم، ليصطدم بطموحات زوجة أبيه وتصبح حاتشبسوت وصية على العرش بعد وفاة زوجها "تحوتمس الثاني".
ويوضح نص للكاتب المصري القديم "إينيني" نقلته إلى الفرنسية العالمة كلير لالويت، أستاذة التاريخ والأدب المصري القديم بجامعة باريس سوربون، في دراستها عن "طيبة ونشأة الإمبراطورية" صورة واضحة لمشهد وراثة العرش.
يقول النص: "حل مكانه ابنه، بصفته ملك القطرين. وحكم متربعا على عرش هذا الذي أنجبه. وكانت الزوجة الإلهية حاتشبسوت تدير شؤون البلاد. وخضعت الأرضان لسلطانها. وعمل الجميع من أجلها وحنت مصر رأسها من أجلها، من أجل بذرة الإله النورانية. إنها رباط مصر العليا ووتد رسو أبناء الجنوب، ورباط مصر السفلى وسيدة الأوامر، خيّرة هي مقاصدها والشاطآن راضيان عندما تتحدث".
Getty Images تزينت الملكة حاتشبسوت بلباس الملوك الرجال كما يتضح من تماثيلها في معبدها بالدير البحري في مدينة الأقصر
تبوأت حاتشبسوت مقاليد الحكم في ظل حداثة سن "تحوتمس الثالث" وجعلته واجهة أمام الشعب فقط لا يظهر اسمه إلا على الوثائق الرسمية أحيانا لمدة تسع سنوات، حتى انفردت بالحكم تماما لمدة 13 عاما، ونصبت نفسها ملكة للبلاد تحمل لقب "ملكة مصر العليا والسفلى" وتزينت بلباس الملوك الرجال كما يتضح من تماثيلها في معبدها بالدير البحري في مدينة الأقصر.
وتقول العالمة الفرنسية كرستيان ديروش-نوبلكور في دراستها بعنوان "المرأة في زمن الفراعنة" إن حاتشبسوت "اغتنمت الفرصة للانطلاق على طريق مغامرتها الكبرى، بمجرد بدء الاحتفالات الخاصة باعتلاء العرش وتنصيب الوريث".
* الحضارة المصرية: كيف ساعدت اللغة القبطية شامبليون في معرفة أسرار الكتابة "الهيروغليفية"؟
* المومياوات الملكية: رحلة ملوك مصر القديمة من الموت إلى "الخلود"
سعت حاتشبسوت إلى إقناع الآخرين بأن أباها "تحوتمس الأول" فضّلها وأشركها في شؤون البلاد، وهو ما يظهر في بعض الوثائق التي يحتفظ بها متحف اللوفر بباريس، ويظهر عليها اسم "تحوتمس الأول" و"حاتشبسوت" جنبا إلى جنب، لكنها نصوص ربما حُررت لخدمة هدف الملكة في فترة لاحقة بعد استئثارها بالحكم.
ولإضفاء شرعية دينية على حكمها اختلقت الملكة أيضا قصة "الولادة الإلهية" التي جامع فيها الإله "آمون-رع" أمها الملكة "إعح-مس" وتمثل لها بشرا وبشّرها بولادة الابنة "حاتشبسوت" التي سوف تجلس على عرش مصر وحدها.
Getty Images سعت حاتشبسوت إلى إقناع الآخرين بأن أباها "تحوتمس الأول" فضّلها وأشركها في شؤون البلاد
أمرت حاتشبسوت بنقش القصة على جدران المعبد الجنائزي في الدير البحري، ووصفها العالم الفرنسي فرانسوا دوما بالمتتالية المسرحية لأن النصوص والصور أشبه بفصول تعبر عن ثلاثة موضوعات رئيسية : (الأولى) الحمل والولادة، (الثانية) القبول في عالم الخالدين، (الثالثة) المُلك الأرضي.
وحفاظا على العرش عمدت حاتشبسوت إلى تكوين حاشية من المخلصين، فاستعانت بكبار موظفي الدولة على رأسهم المهندس "سننموت" والوزير القاضي رئيس الكهنة "حابو سنب".
مر عهدها دون حدوث معارك بين مصر والدول المجاورة لها، واهتمت بالشؤون الداخلية للبلاد فقط، وتنظيم الرحلات التجارية مثل الرحلة الشهيرة لبلاد "بونت" التي سجلت تفاصيلها على جدران معبدها، وأهملت الشؤون الخارجية مما دفع دولة ميتاني إلى تحريض دويلات أخرى ضد مصر، الأمر الذي ساعد في ظهور "تحوتمس الثالث"، قائد الجيش ووريث العرش، على الساحة السياسية من جديد مغتنما الفرصة لتوطيد أقدامه واسترداد عرشه.
ولا توجد أي تفاصيل تاريخية تشير على وجه التحديد إلى ظروف نهاية حاتشبسوت، إلا من بعض الأساطير التي تقول إن الملك الجديد أخذ يطارد ذكراها ومحا اسمها من كل أثر وهشم تماثيلها ليختفي اسمها إلى الأبد، ليتربع على العرش لمدة 30 عاما، ويصبح واحدا من ألمع وأقوى ملوك مصر القديمة وأكثرهم مهابة على مر العصور ومؤسسا للإمبراطورية المصرية في الشرق.
Getty Images حضرت المرأة المصرية بقوة في جميع الأعمال الأدبية والفنية في مصر القديمة
تاوسرت زوجة الملكين
تزوج الملك "سيتي الثاني"، أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة، من سيدة تدعى "تاوسرت" ومنحها لقب "زوجة عظيمة"، ويبدو أنها لم تكن من سلالة ملكية، وبعد وفاته تولى شاب يدعى "رعمسيس -سي بتاح" يعتقد العلماء أنه ربما كان أخا غير شقيق لسيتي الثاني أو ابنا له من زوجة أخرى.
بالفعل أستأثرت "تاوسرت" بالسلطة بمساعدة حامل الأختام "باي"، رجلها الموثوق به الذي يقال إنه من أصول سورية، وأجلسا "رعمسيس-سي بتاح" على العرش وتزوجته، وهو الرأي الذي تدعمه العالمة الفرنسية كلير لالويت، وتطرح سؤالا هل كان الملك في بداية الأمر واجهة صامتة تستتر وراءها طموحات تاوسرت وباي؟
ولا تساعد الوثائق التاريخية في معرفة كيف انتهت سنوات حكم "رعمسيس -سي بتاح"، ولكن حدث بعد وفاته أن اتخذت "تاوسرت" لنفسها قائمة بألقاب ملكية أهمها "ابنة رع" و"محبوبة الإله موت"، وحكمت البلاد سنوات وظل "باي" مساعدا لها.
Getty Images اعتلت المرأة عرش مصر أو شاركت فيه أكثر من مرة في ظروف سياسية وتاريخية أحاطها الجدل
وبلغ حد التعاون بين الشريكين إلى أمرهما بحفر مقبرتين في وادي الملوك، وهو شرف ملكي كان حتى هذه اللحظة حكرا على الملك الفرعون فقط، كما أمرت "تاوسرت" بنقش صورتها على جدران مقبرتها بصحبة زوجيها الملكين المتعاقبين "سيتي الثاني" و"رعمسيس -سي بتاح".
لا شك أن المرأة المصرية تمتعت بكافة الحقوق المساوية للرجل على نقيض الحال في معظم الحضارات القديمة، كاليونان والرومان. وإن كان ذلك غير مألوف أيضا في حضارات الشرق القديم إلا أنه انعكس بوضوح جلي في وثائق وكتابات المصريين القدماء، التي استحضرت المرأة بقوة في جميع الأعمال الأدبية والفنية.
وتقول العالمة الفرنسية ديروش-نوبلكور: "إن المساواة التي لا نزاع فيها بين الجنسين في مصر القديمة لم تكن وليدة صراع خاضته ابنة النيل للحصول على ترقية تشتهيها. لقد خلق الإله المرأة ... وظل التثقيف والتعليم أمرين أساسيين بالنسبة لتكوين وإعداد المرأة التي ستُطالب بمجابهة الكثير من المسؤوليات، كما لم يشهد الواقع على وجود حاجز أو عائق قاوم رفعة المرأة في كل طبقات المجتمع المصري".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.