أعاد استقرار المؤشرات الأمنية في طنجة رسم موقع المدينة داخل الخريطة الاقتصادية للمغرب، حيث لم يعد هذا المعطى مجرد حالة من السكينة الاجتماعية، بل تحول إلى عامل حاسم يواكب تسارع وتيرة الاستثمارات الصناعية واللوجستية المرتبطة بميناء طنجة المتوسط، أحد أكبر المنصات المينائية في إفريقيا. وتظهر بيانات منصة "نامبيو" المتخصصة في المقارنات الحضرية لمؤشرات الجريمة، أن طنجة حافظت خلال الفترة 2024–2025 على مؤشر أمان عام مستقر بين 51 و53 نقطة من أصل 100، في حين لم يتجاوز مؤشر الجريمة سقف 49 نقطة. وتكتسي هذه الأرقام أهمية خاصة لدى الفاعلين الاقتصاديين وشركات التأمين وسلاسل التوريد عند تقييم المخاطر، لا سيما أن مؤشر الإحساس بالأمان نهارا يسجل أكثر من 70 نقطة، ويحافظ ليلا على مستويات مطمئنة تتراوح بين 55 و58 نقطة. ويتزامن هذا الاستقرار مع التوسع المستمر للمناطق الصناعية الحرة المرتبطة بميناء طنجة المتوسط، التي تضم وفق معطيات مجموعة "طنجة المتوسط للمناطق" أكثر من 1200 شركة صناعية ولوجستية، وتشغل ما يقارب 110 آلاف عامل. وتعمل هذه الوحدات، ومن بينها مصنع "رينو طنجة" الذي ينتج أكثر من 400 ألف سيارة سنويا، في بيئة تتطلب انتظاما دقيقا في تنقلات آلاف العمال وحماية صارمة للفضاءات الصناعية لضمان انسيابية سلاسل التزويد والتصدير. وعلى المستوى المينائي، تعززت المكانة الدولية للمركب المينائي بمناولة 10 ملايين و241 ألفا و392 حاوية نمطية، مسجلا زيادة لافتة بنسبة 18.8 بالمئة مقارنة بعام 2023، مع معالجة ما مجموعه 142 مليون طن من البضائع بنمو قدره 16.2 بالمئة. ويستدعي هذا الحجم المتصاعد من الحركة منظومة يقظة أمنية دائمة قادرة على تأمين تدفقات هائلة من الشاحنات والبضائع عبر محيط واسع وحساس. وانعكس هذا المناخ إيجابا على القطاع السياحي أيضا، حيث سجلت المدينة ارتفاعا يفوق 24 بالمئة في ليالي المبيت خلال النصف الاول من العام الجاري ثم 19 بالمائة الى حدود شتنبر، مدعوما بتحسن الربط واستقرار الفضاء العام، مما يؤكد أن الأمن في طنجة أضحى رافعة بنيوية صامتة تخدم تموقع المدينة كمنصة ذات بعد دولي. ومع استشراف آفاق سنة 2026، يراهن الفاعلون الاقتصاديون على استثمار هذه "العلامة الأمنية" المسجلة لجذب جيل جديد من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، في وقت تستعد فيه المدينة للعب دور محوري في الاستحقاقات القارية والدولية المقبلة، ما يجعل الحفاظ على هذه المكتسبات الأمنية شرطا أساسيا لضمان استدامة النموذج التنموي لطنجة وتحويل الأرقام القياسية في الميناء والمصانع إلى واقع اقتصادي معاش.