رأت وسائل إعلام تركية، في مقدمتها موقع Türkiye Today، أن إعلان استقلال منطقة القبائل، الذي جرى في باريس يوم 14 دجنبر 2025، لا يمكن قراءته بوصفه حدثًا رمزيًا أو مطلبًا هوياتيًا معزولًا، بل باعتباره تطورًا يحمل دلالات جيوسياسية أوسع تمتد آثارها إلى شمال إفريقيا وحوض المتوسط، في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد. التحليل التركي يضع هذا الإعلان في قلب تفاعلات النفوذ والصراعات غير المعلنة، خاصة في ظل رد الفعل الجزائري الغاضب، الذي كشف حجم الحساسية التي تثيرها قضية القبائل لدى النظام في الجزائر. فحسب القراءة ذاتها، فإن الحدث تجاوز منذ اللحظة الأولى حدود النقاش الداخلي الجزائري، ليتحول إلى ملف دبلوماسي ذي أبعاد إقليمية، تتقاطع فيه حسابات دول فاعلة، على رأسها فرنسا وإسرائيل. ويشير المقال إلى أن تل أبيب قد تنظر إلى ورقة استقلال القبائل كوسيلة ضغط غير مباشرة على الجزائر، في إطار صراعات النفوذ والتوازنات الإقليمية، خصوصًا في ظل التحولات الأمنية والطاقة غير المستقرة في المتوسط. أما باريس، التي احتضنت الإعلان وسبق لها استقبال نشطاء من حركة تقرير مصير القبائل (MAK) ورفضت تسليم بعض قادتها، فلا يراها التحليل التركي مجرد طرف إنساني يمنح حق اللجوء، بل فاعل سياسي يوظف هذا الملف ضمن علاقته المتأزمة تاريخيًا مع الجزائر. ويرى Türkiye Today أن التعامل الفرنسي مع ملف القبائل يعكس دورًا سياسيًا مركبًا، تحكمه اعتبارات الذاكرة الاستعمارية، وتنافس النفوذ في الضفة الجنوبية للمتوسط، والتوترات المتكررة في العلاقات الفرنسية-الجزائرية. ومن هذا المنظور، تصبح القبائل، وفق التحليل، أداة محتملة في لعبة تأثيرات أوسع، وليست مجرد حركة مطلبية ذات طابع ثقافي أو ديمقراطي. وفي بعده التاريخي، يعيد المقال التذكير بأن منطقة القبائل تمتلك تقاليد عميقة في الاستقلال الذاتي، تعود إلى ما قبل الحقبة الاستعمارية الحديثة. فخلال ما يقارب ثلاثة قرون من الوجود العثماني في شمال إفريقيا (1516–1830)، لم يتمكن العثمانيون من إخضاع القبائل أو بسط سيطرتهم الفعلية عليها، كما لم يتمكنوا من إخضاع المغرب. وتشير مصادر تاريخية إلى أن دايات الجزائر كانوا مضطرين لعقد اتفاقات خاصة أو فرض حقوق عبور من أجل المرور عبر أراضي القبائل، ما يعكس واقع استقلال فعلي فرضته المنطقة بقوتها الاجتماعية والجغرافية. ويخلص التحليل التركي إلى أن قضية القبائل لم تعد مسألة محلية أو جزائرية صرفة، بل تحولت إلى إشارة جيوسياسية تحمل في طياتها رسائل متعددة، في فضاء متوسطي يتسم بتصاعد التنافس بين القوى الكبرى، واستمرار جراح الذاكرة الاستعمارية، واشتداد الصراعات غير المباشرة. إعلان باريس، وإن لم يغير الحدود على الأرض، فإنه بحسب Türkiye Today عمّق خطوط التصدع القائمة، وأعاد وضع القبائل في قلب معادلات إقليمية تتجاوز حدودها الجغرافية بكثير.