حجيرة: تعاونيات المغرب تلج التصدير    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    شاحنة تدهس شاباً وترديه قتيلاً بجماعة إنشادن    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    ولد الرشيد يستقبل وزير خارجية بنما وهذا الأخير يجدد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي    إجهاض محاولة تهريب سبعة أطنان و50 كيلوغراما من من من در الشيرا بميناء طنجة المتوسط    "فرانس بريس": الملك سيزور فرنسا في نهاية العام الحالي أو في بداية 2026    العصبة الوطنية تعلن عن موعد انطلاق موسم البطولة الاحترافية 2025-2026    عصام الشرعي مدربا لنادي فيسترلو البلجيكي    إثيوبيا على خُطى كينيا نحو دعم مغربية الصحراء.. تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى في إفريقيا    أكادير تحتضن الاجتماع الرابع رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب في إفريقيا ضمن "منصة مراكش"    قطر تجدد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي    هذه تفاصيل جلسة محاكمة البرلماني والقيادي التجمعي السابق محمد بودريقة    من قلب باريس.. وزير الصناعة يكشف عن اتفاقيات واعدة تعزز مكانة المغرب في صناعة الطيران    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزان تهتز على وقع جريمة قتل راح ضحيتها جندي متقاعد    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    فرع الحزب الاشتراكي الموحد –هولندا يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويؤكد موقفه الثابت ضد الحروب والإمبريالية    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    تهديد مباشر لخامنئي.. ترامب نعرف تحديداً أين يختبئ المرشد الأعلى    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأحمر    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    "سي إن إن": تقديرات استخباراتية تفيد بتأخير البرنامج النووي الإيراني لأشهر بسبب الضربات الإسرائيلية    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    هجوم إلكتروني يشل بنك "سبه" الإيراني    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    استئنافية الرباط تحجز ملف الصحافي حميد المهدوي للمداولة والنطق بالحكم في 30 يونيو    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    22 دولة إسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتطالب بوقف فوري للتصعيد في الشرق الأوسط    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    وليد الركراكي.. بين فورة الغضب ومتطلبات البناء الوطني    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من طب العيون في لندن إلى الحرب في سوريا.. سيرة بشار الأسد
نشر في الأيام 24 يوم 08 - 12 - 2024

Getty Images كثيرة هي المحطات الرئيسية الكبرى في حياة الرئيس السوري بشار الأسد، لكن ربما كان لحادث مروري، وقع على بعد آلاف الكيلومترات من المكان الذي كان يعيش فيه، التأثير الأكبر على حياته.إذ لم يكن من المخطط أن يتولى بشار الأسد الرئاسة خلفا لوالده لولا وفاة شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة قرب دمشق مطلع عام 1994، ليتم بعدها إعداد طبيب العيون، الذي كان يتلقى علومه في لندن آنذاك، لكي يكون وريثا للحكم في سوريا ويقود لاحقا البلاد خلال حرب دموية راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين، وهُجّر الملايين بسببها.فما هي المحطات الأساسية في حياة بشار الأسد؟ وكيف تحول من طالب يدرس الطب إلى رئيس يُوصف حكمه بالسلطوي وتُتهم قواته، بارتكاب مجازر وجرائم حرب؟
* انقلابات وانشقاقات وقمع، حكاية عائلة الأسد مع السلطة
* كيف تغيّرت خارطة السيطرة على سوريا بعد 13 عاماً من الصراع؟
إرث الأب
ولد بشار الأسد عام 1965 لحافظ الأسد وأنيسة مخلوف.جاءت ولادة بشار في فترة كانت عائلته وسوريا بل ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها تشهد الكثير من التطورات الدرامية.ففي تلك الفترة كان الخطاب القومي العروبي يهيمن على حكومات العديد من بلدان الشرق الأوسط، خاصة في مصر التي كان يحكمها الرئيس جمال عبد الناصر.دمشق كانت أيضا تروج للقومية العربية خاصة في ظل حكم حزب البعث الذي تولى الحكم بعد فترة قصيرة من فشل الوحدة بين مصر وسوريا التي استمرت بين عامي 1958 و1961.وكما كان الحال في مصر وأغلب البلدان العربية في تلك الفترة، لم يكن الحكم في سوريا ديمقراطيا ولم يعرف انتخابات تعددية، بينما اتخذ سياسات اقتصادية وسياسية عادت بالنفع على فئات فقيرة ومهمشة في المجتمع.كانت الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد من بين هذه الفئات المهمشة في سوريا، بل يرى البعض أنها كانت من بين الفئات الأكثر تهميشا.ولعبت الأوضاع الاقتصادية الصعبة للعلويين، الذين يقدر عددهم حاليا بنحو 12 في المئة من إجمالي عدد السكان، دورا في مشاركتهم بأعداد كبيرة داخل صفوف الجيش السوري بدءا من النصف الثاني من القرن العشرين.Getty Imagesحكم حافظ الأسد سوريا لنحو 30 عاما كان الأسد الأب من أبرز العسكريين الذين صعد نجمهم في تلك الفترة بدعمه لحزب البعث، وصولا إلى تقلده منصب وزير الدفاع عام 1966.وفي عام 1970 انفرد حافظ الأسد بالسلطة ليتولى في العام اللاحق منصب الرئيس، الذي احتفظ به حتى وفاته عام 2000، وهو الأمر الذي كان استثنائيا في تاريخ سوريا في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد الكثير من الانقلابات العسكرية، منذ الاستقلال عن فرنسا.وخلال تلك الفترة، شهدت سوريا الكثير من الأحداث الكبيرة كحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والحرب الأهلية في لبنان، والمواجهات بين الحكومة السورية والإخوان المسلمين خاصة في حماة عام 1982، والحرب العراقية الإيرانية التي وقفت دمشق خلالها إلى جانب طهران، في ظل العداء بين حافظ الأسد وصدام حسين.ويمكن القول إن حافظ الأسد قمع معارضيه، ولم يشهد حكمه أي انتخابات ديمقراطية. كما تمكن في الوقت ذاته من المناورة وعقد صفقات براغماتية سمحت له بالنجاة من العديد من التحديات والتغيرات الدولية. فعلى سبيل المثال، كانت سوريا من بين أبرز حلفاء الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، لكن هذا لم يحل دون انضمامها إلى معسكر الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ضد العراق مطلع عام 1991.
الطب ولندن
في ظل كل هذه الأحداث سلك الابن بشار لنفسه طريقا بعيدا عن السياسة والجيش.فبعد تخرجه في جامعة دمشق في ثمانينيات القرن الماضي، سافر إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الطب؛ إذ التحق بمستشفى "ويسترن لندن لأمراض العيون" ليتخصص في هذا المجال.وبحسب ما جاء في السلسة الوثائقية "عائلة خطيرة.. آل الأسد"، الذي أنتجته بي بي سي عام 2018، كان بشار الأسد سعيدا بالحياة في لندن بمختلف مظاهرها، وكان -على سبيل المثال- من المعجبين بالمغني الإنجليزي فيل كولينز.وفي لندن تعرف بشار على زوجته المستقبلية، أسماء الأخرس، التي يعود أصولها إلى مدينة حمص.كانت أسماء تدرس علوم الكمبيوتر في جامعة كينغز كوليدج ولاحقا قُبلت لدراسة ماجستير إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، لكن حياتها كانت بصدد اتخاذ منحى مختلف.بينما بدا أن حياته بشار وأسماء ستكون هادئة نسبياً، جاء القدر مختلفاً.Getty Imagesالتقى بشار بزوجته المستقبلية أسماء
* وثائق تكشف محاولات رفعت الأسد إقناع بريطانيا بدعمه لإسقاط شقيقه حافظ
* خمسة حكام عرب "راهنت بريطانيا عليهم لتحقيق الإصلاح" قبل عقد من انتفاضات الربيع العربي
وفاة "الوريث"
كان ترتيب بشار بين أبناء حافظ الأسد هو الثاني بعد الابن الأكبر باسل، الذي كان يُنظر إليه كوريث الأب."الوريث" باسل درس الهندسة وكان شغوفا برياضة الفروسية وفاز بالعديد من الألقاب المحلية.وفي يناير/كانون الثاني 1994، أودى حادث مروري بحياة باسل الأسد ما أحدث تغييرا كبيرا في حياة الشقيق بشار.اُستدعي بشار من بريطانيا على الفور، لتبدأ لاحقا عملية إعداده ليصبح رئيسا مستقبليا لبلاده، بداية من انضمامه للجيش وصولا إلى تلميع صورته إعلاميا تمهيدا لدوره المقبل.Getty Imagesصورة لعائلة الأسد ويظهر الابن الأكبر باسل واقفا في المنتصف وبجواره شقيقه بشار
الرئيس الشاب وحلم التغيير
في يونيو/حزيران عام 2000 توفي حافظ الأسد. وبعد وفاة الأب ُنصّب الابن ذي ال34 عاما رئيسا للجمهورية، عقب تعديل مادة في دستور البلاد كانت تشترط ألا يقل عمر الرئيس عن 40 عاما.أدّى الرئيس الشاب اليمين الدستورية أمام البرلمان في صيف عام 2000 ، مستخدما لغة جديدة؛ إذ تحدث عن "الشفافية والديمقراطية ومسيرة التطوير والتحديث والمساءلة، والفكر المؤسساتي".وبعد أشهر من توليه رئاسة سوريا، تزوج بشار الأسد من أسماء الأخرس لينجبا ثلاثة أبناء هم حافظ وزين وكريم.وبدأ الرئيس الشاب يتحدث عن عزمه القيام بإصلاحات سياسية ورفع القيود عن وسائل الإعلام. وهكذا تسلل التفاؤل إلى قلوب قطاع كبير من السوريين، الذين رأوا في الرئيس الطبيب وزوجته ذات الثقافة الغربية، دليلا على أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة عنوانها التغيير.وشهدت سوريا بالفعل نوعا من النقاشات وهامشا من حرية التعبير في أوساط المثقفين بشكل لم يكن مألوفا من قبل، لتنتج المرحلة حراكا مدنيا أطلق عليه اسم "ربيع دمشق"."ربيع دمشق" لم يستمر طويلا ففي عام 2001 عادت أجهزة الأمن لاعتقال المعارضين الذين جهروا بآرائهم.ورغم إجرائه بعض الإصلاحات الاقتصادية التي سمحت بمساحة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد السوري، شهدت السنوات الأولى من حكم بشار الأسد، صعود نجم ابن خاله رامي مخلوف، الذي أسس إمبراطورية اقتصادية، رأى فيها معارضون تجسيدا للمزج بين المال والسلطة.وتزامنت نهاية "ربيع دمشق" مع حقبة دولية جديدة تشكلت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وما أعقبها من حروب أمريكية في أفغانستان والعراق.Getty Imagesمع تولي بشار السلطة تسلل التفاؤل إلى قلوب قطاع من السوريين حيال قيام الرئيس الشاب بإصلاحات
حرب العراق واغتيال الحريري
كانت حرب العراق عام 2003 سببا في التدهور الكبير للعلاقات بين بشار الأسد وحكومات غربية، فالرئيس السوري كان من المعارضين لغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، وهو ما قد أرجعه البعض إلى خشيته من أن تكون سوريا هي المحطة التالية للغزو الأمريكي، ليلقى مصيرا مشابها لمصير صدام حسين.واشنطن بدورها اتهمت دمشق بغض الطرف عن عمليات تهريب الأسلحة إلى المسلحين المعارضين للاحتلال الأمريكي للعراق، بل والسماح بدخول المتطرفين إلى العراق عبر الحدود الطويلة بين البلدين.وفي نهاية عام 2003 وافق الكونغرس على قانون "محاسبة سوريا" الذي سمح بفرض عقوبات على دمشق لعدة أسباب من بينها ما وُصِفَ "دعم الإرهاب".قانون "محاسبة سوريا"، لم يكن متعلقا فقط بدور حكومة بشار الأسد في العراق، بل كان مرتبطا بالوجود السوري في لبنان، وهو البلد الذي سيكون هو الآخر، سببا في زيادة الضغوط الدولية على الأسد.Getty Imagesاغتيال الحريري وضع مزيدا من الضغوط على بشار الأسد ففي فبراير/شباط عام 2005 اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي كان آنذاك من أبرز المناوئين للسيطرة السورية على لبنان.وعقب الاغتيال، الذي وقع جراء انفجار ضخم في وسط بيروت، وُجِهت أصابع الاتهام صوب سوريا وحلفائها. واشتعلت في لبنان مظاهرات عارمة تزامنت مع الضغوط الدولية على دمشق ما أدى إلي الانسحاب السوري من لبنان بعد نحو 30 عاما من دخول القوات السورية إليه.رغم ذلك، دأب الأسد وحليفه الأبرز في لبنان، حزب الله، على نفي التورط في اغتيال الحريري، حتى بعد أن أدانت محكمة دولية خاصة في عام 2020، أحد أعضاء الحزب بتهمة التورط في الجريمة.إقليميا، شهد العقد الأول من حكم الأسد الابن تعزيزا في علاقات بلاده مع إيران، فضلا عن تحقيق تقارب مع كل من قطر وتركيا، وهو ما سيتغير لاحقا. أما علاقته بالسعودية، فقد عرفت محطات من المد والجزر، رغم الدعم الذي قدمته الرياض للرئيس الشاب بداية حكمه.وبشكل عام سار الأسد الابن على خطى الأب فيما يتعلق بممارسة المناورات في السياسة الخارجية، مع عدم الزج بسوريا في أي مواجهات مسلحة مباشرة.وبعد عشر سنوات من تسلمه السلطة، كان بشار الأسد يمارس الحكم بنهج وصف ب"السلطوي"، وأحل عناصر موالية له محل شخصيات بارزة من الحرس القديم. كذلك استمرت السلطات في قمع المعارضين وسط غياب للحرية السياسية أو التعددية.
شرارة البوعزيزي
في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2010 كانت أسماء الأسد تجري مقابلة مع صحفية تعمل لصالح مجلة "فوغ"، تحدثت فيها عن أن منزلها يُدار ب "طريقة ديمقراطية".وفي اليوم ذاته، أقدم بائع الخضراوات التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه، احتجاجا على صفعه من قبل شرطية، لتشتعل انتفاضة شعبية في تونس، تطيح بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.انتفاضة تونس نقلت بشكل غير متوقع روح الثورات، إلى العديد من البلدان العربية، كمصر وليبيا واليمن والبحرين وصولا إلى سوريا.المقابلة التي نشرتها مجلة "فوغ" تحت عنوان "زهرة في الصحراء" في مارس/آذار 2011، قبل أن تعود وتسحبها لاحقا، جاء فيها أن سوريا "بلد يخلو من التفجيرات والتوترات وعمليات الاختطاف" وهو الأمر الذي سيتغير خلال الأشهر المقبلة.ففي منتصف مارس/آذار، تظاهر ناشطون قرب سوق الحميديّة في دمشق، لكن بعدها بأيام قليلة انطلقت مظاهرات مطالبة بالديمقراطية في مدينة درعا جنوبي البلاد، بعد اعتقال أطفال، كتبوا شعارات منددة بالأسد على جدران المدينة - واستمرت تلك المظاهرات.Getty Imagesشرارة الاحتجاجات وصلت إلى سوريا في مارس 2011 انتظر الأسد مرور أسبوعين على اشتعال شرارة الاحتجاجات السورية قبل أن يتوجه بخطاب للشعب السوري ألقاه أمام أعضاء البرلمان، ووعد فيه بإحباط ما أسماه بالمؤامرة التي تستهدف بلاده، رغم اعترافه بوجود حاجات لم تلب لدى قطاعات واسعة من الشعب.إطلاق قوات الأمن النيران على المتظاهرين في درعا، أذكى المظاهرات في المدينة، لتنتشر حركة الاحتجاجات الداعية إلى تنحي الأسد في مدن عدة على مستوى البلاد، وهو ما قابلته السلطات باللجوء إلى العنف لقمع المتظاهرين، متحدثة عن وجود "مخربين ومندسين تحركهم جهات خارجيّة".ولم تمض بضعة أشهر حتى تحول الأمر إلى مواجهات مسلحة، بين القوات الحكومية وفصائل معارضة حملت السلاح في مناطق عدة بالبلاد.
* لماذا استمرت الحرب السورية 10 سنوات؟
* الأمم المتحدة: جرائم حرب "فظيعة" ارتكبت في معركة ادلب
تدخل دولي وجهاديون
ومع تواصل الصراع، بدأت تقديرات الأمم المتحدة لضحايا الحرب السورية، تتزايد بشكل كبير من عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مئات الآلاف مع زيادة حدة المواجهة، في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية في الصراع.روسيا وإيران وجماعات مسلحة موالية لطهران، شاركت إلى جانب قوات الأسد، بينما دعمت تركيا ودول خليجية فصائل مسلحة.ورغم أن المظاهرات المناوئة للأسد رفعت شعارات الحرية والديمقراطية دون تفرقة بين أبناء الشعب السوري على اختلاف مذاهبهم، وجد الخطاب الطائفي، الذي كان حاضرا بشكل ما قبل اندلاع الانتفاضة، طريقه إلى ما يجري في البلاد، مع اتهام قطاع من المعارضة الحكومة بموالاة العلويين على حساب الأغلبية من السنة، بينما تبنت حكومة الأسد بدورها خطابا يصف المعارضين بالإرهابيين.ثم جاء التدخل الإقليمي في الصراع، ليذكي حديث الطائفية.وهكذا بدأت فصائل إسلامية معارضة، تتبنى خطابا طائفيا معاديا للعلويين، بينما توافدت على سوريا فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران، على رأسها حزب الله اللبناني، لدعم حكومة دمشق.في ظل هذه الأجواء كان الجار العراقي يشهد سيطرة فصيل جهادي متطرف يتبنى تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية، حمل اسم تنظيم "الدولة الإسلامية" في مناطق واسعة من الأراضي العراقية قبل أن يستغل الحرب المشتعلة في سوريا لفرض سيطرته على مدن سورية ويتخذ من مدينة الرقة السورية عاصمة له.Getty Imagesسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة في سوريا والعراق
جرائم حرب وأسلحة كيميائية
في أغسطس/آب عام 2013 قُتل مئات الأشخاص في هجوم كيميائي على منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي كانت تحت سيطرة المعارضة.قوى غربية وفصائل المعارضة السورية، قالت إن الهجوم من تنفيذ قوات الأسد.ورغم نفي دمشق تورطها في الهجوم الكيميائي، إلا أنها وافقت على تدمير مخزونها من الأسلحة الكيميائية، في ظل تهديدات وضغوط غربية.لكن هذا لم يضع نهاية للفظائع التي شهدتها الحرب السورية، ومن بينها المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية.كذلك اتهمت لجان أممية أطراف الصراع في سوريا، بارتكاب الكثير من جرائم الحرب، مثل القتل والتعذيب والاغتصاب.وبعد سنوات من بدء الانتفاضة بدت حكومة الأسد على وشك الانهيار، مع فقدانه السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، إلا أن الموازين انقلبت بعد تدخل روسيا بشكل مباشر في الحرب، وهو ما سمح للأسد باستعادة السيطرة علي مناطق كان قد خسرها لصالح مناوئيه.Getty Imagesاتهمت المعارضة وقوى دولية قوات الأسد بتنفيذ الهجوم بالأسلحة الكيميائية على الغوطة
حرب غزة
شهدت الفترة من بين عامي 2018 و2020 إبرام اتفاقات برعاية قوى إقليمية ودولية، دشنت وضعا تسيطر فيه القوات الحكومية على الجزء الأكبر من سوريا، بينما تقاسمت المعارضة المسلحة الإسلامية والجماعات المسلحة الكردية، السيطرة على مناطق واسعة في شمال وشمال شرقي البلاد.منحت هذه الاتفاقات الأسد المزيد من الثقة؛ فالرجل الذي كانت علاقاته الخارجية قد تضررت بشكل كبير منذ بدء الانتفاضة، بات يعود تدريجيا للساحة العربية، وهو ما تجسد باستعادته مقعد سوريا في جامعة الدول العربية عام 2023، بعد سنوات من تعليق عضويتها فيها.كما استقبل في عواصم عربية كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية معه، في حين عرفت دمشق إعادة فتح سفارات عربية عدة فيها.ورغم الأزمات الاقتصادية التي كانت تعصف بسوريا مع بداية العقد الثالث من حكم الأسد، إلا أن الرئيس السوري بدا وكأنه نجا من أكبر تحدٍ واجه حكمه، وبدت منطقة الشرق الأوسط على موعد مع مرحلة من الهدوء النسبي، بعد سنوات من صراعات داخلية دامية.إلا أنه وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 شنت حركة حماس هجوما مفاجئا على إسرائيل، أطلق حربا في قطاع غزة، سرعان ما انتقلت تبعاتها إلى لبنان، لتطال بالأخص حزب الله، حليف بشار الأسد.كبدت المواجهة مع إسرائيل الحزب - الذي يحظى بدعم إيران - خسائر كبيرة، ونجم عنها مقُتل أغلب قادته ومن بينهم أمينه العام حسن نصر الله.وبعد أن وافق حزب الله على وقف لإطلاق النار، تحولت أنظار العالم بشكل درامي إلى سوريا.Getty Imagesحققت فصائل المعارضة تقدما مفاجئا في الأيام الأخيرة إذ شنت فصائل معارضة سورية تقودها هيئة تحرير الشام، في اليوم ذاته الذي بدأ فيه تطبيق وقف إطلاق النار في لبنان، هجوما مباغتا على مدينة حلب، لتسيطر عليها قي وقت قياسي وتواصل تقدمها بشكل متسارع، لتسيطر على حماة.ومع اقتراب المعارضة المسلّحة من مدينة حمص، وخروج مناطق في الجنوب السوري عن سيطرة الجيش السوري، عاد السؤال نفسه ليتكرر مرة أخرى على ألسنة الناس في سوريا وخارجها: هل ينجو الأسد؟ أم أن حكمه وصل إلى نهايته؟
* من شن الهجوم على غرب حلب ولماذا الآن؟
* دمشق والأسد الآن في مرمى مسلحي المعارضة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.