سلط تقرير حديث صادر عن مركز "إفريقيا للدراسات الإستراتيجية" الضوء على التوسع العسكري الصيني المتنامي في القارة الإفريقية، مسجلاً حضورًا بارزًا للعقيدة العسكرية الصينية في السياسات الخارجية لبكين تجاه إفريقيا. وأكد التقرير أن الصين تستفيد من التدريبات العسكرية المشتركة مع الجيوش الإفريقية لتعزيز طموحاتها الجيوستراتيجية واختبار قدراتها العسكرية في بيئات أمنية معقدة، وهو ما يندرج ضمن رؤيتها الشاملة لبسط نفوذها الدولي.
واعتبر التقرير أن هذه المناورات العسكرية تعكس قدرة الصين المتزايدة على نشر القوات عبر مسافات شاسعة، في إشارة واضحة إلى أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لبكين كمنطقة لاستعراض قوتها الجيوستراتيجية وبناء جاهزيتها القتالية.
وأوضح التقرير أن العقيدة العسكرية الجديدة للصين، المتمثلة في استراتيجيات مثل "الانفتاح على الخارج" و"المهام التاريخية الجديدة"، تهدف إلى حماية مصالحها الخارجية المتزايدة، سواء كانت متعلقة بالبنية التحتية، أو موارد الطاقة، أو حماية مسارات الشحن ومواطنيها في الخارج،وكمثال على ذلك، أشار التقرير إلى استخدام الصين مواردها العسكرية والمدنية لإجلاء مواطنيها من مناطق النزاع مثل ليبيا وجنوب السودان وإثيوبيا.
كما لفت التقرير إلى التحول الملحوظ في مشاركة الصين بالقارة الإفريقية، حيث انتقلت من موقع متأخر في عمليات حفظ السلام وتدريب الكوادر العسكرية إلى لاعب رئيسي يمتلك حضورًا عسكريًا مستدامًا. فالصين، بحسب التقرير، باتت تمتلك عددًا من القوات المشاركة في عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام أكثر من أي عضو دائم آخر في مجلس الأمن، بالإضافة إلى إشرافها على تدريب أعداد متزايدة من الجنود والمهنيين العسكريين الأفارقة.
وتكشف الإحصائيات التي وردت في التقرير عن حجم هذا التوسع؛ إذ أجرت الصين منذ بداية الألفية الثانية حوالي 19 تمرينًا عسكريًا، و44 زيارة بحرية للموانئ، و276 زيارة عسكرية في إفريقيا. كما أرسلت 24 فريقًا طبيًا عسكريًا ومدنيًا إلى أكثر من 48 دولة إفريقية، في إشارة إلى حرصها على تحقيق تواجد متكامل يعزز نفوذها الدبلوماسي والعسكري في آن واحد.
وتطرق التقرير إلى دور منتدى التعاون الصيني الإفريقي في دعم هذا التوجه، حيث أصبح بناء قدرات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب جزءًا من أهدافه الرئيسية.
وأشار التقرير إلى التدريبات العسكرية التي أجراها الجيش الصيني مع نظيريه التنزاني والموزمبيقي خلال العام الجاري، تحت مسمى "سلام الوحدة 2024"، بمشاركة نحو 1000 جندي صيني واستخدام عشرين نوعًا مختلفًا من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والمدفعية الثقيلة.
وأردف أن الصين تستغل منصات مثل "منتدى السلام والأمن الصيني الإفريقي" و"منتدى الشرطة وإنفاذ القانون" لترويج معاييرها الأمنية، ما يعزز حضورها العسكري في القارة ويكرس شراكاتها الاستراتيجية مع الدول الإفريقية.
وأوضح التقرير أن الحكومات الإفريقية تدافع عن تعاونها العسكري مع الصين باعتباره فرصة للتعلم من جيش يشهد تحديثًا متسارعًا. ومع ذلك، أشار إلى وجود مخاوف متزايدة، سواء من داخل القارة أو خارجها، بشأن آثار هذا التقارب العسكري، حيث يدعو البعض إلى ضرورة إدارة الشراكات العسكرية الإفريقية بشكل أكثر دقة لتجنب التورط في صراعات التنافس الدولي.
وخلص التقرير إلى أن الإستراتيجية العسكرية الصينية في إفريقيا تنسجم مع الهدف الأكبر للصين المتمثل في تحقيق "النهضة الكبرى للأمة الصينية بحلول عام 2049"، والذي يتطلب من الجيش الصيني تطوير قدراته القتالية وبسط نفوذه العالمي.
وأكد التقرير أن بكين تستفيد من بيئة القارة الإفريقية كمنصة للتدريب الواقعي واختبار جاهزية جيشها، بينما تواصل بناء شراكاتها العسكرية لتحقيق طموحاتها الجيوستراتيجية.