وثّقت منظمات حقوقية في الجزائر سلسلة اعتقالات وتوقيفات، في الساعات الأخيرة، طالت عددا من النشطاء السياسيين الذين يعبّرون عن نظرة نقدية للأوضاع، بينهم من تبنّى وسم "مانيش راضي" على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يشير إلى عدم الرضا عن الوضع العام في البلاد.
وكان من بين الذين أثار توقيفهم جدلا، الناشط السياسي عبد الوكيل بلام، الذي أُفرج عنه مساء أول أمس الأحد، بعد التحقيق معه لساعات. ووفقا لمصادر إعلامية، اعتُقل بلام من أحد مقاهي العاصمة من قبل أفراد يرتدون زيا مدنيا، وتم اقتياده إلى مركز أمني للتحقيق، حيث يُعتقد أن الأسئلة ركزت على منشوراته عبر فيسبوك. ورغم الإفراج عنه، لم تقدم السلطات الرسمية أي توضيحات بشأن أسباب اعتقاله أو تفاصيل التحقيق.
وبدا أن توقيف بلام، حسب تقارير إعلامية دولية، كان في سياق حملة طالت عدة نشطاء، ما أعاد تسليط الضوء على تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير.
من جهتها، أصدرت منظمة "شعاع" الحقوقية بيانا أدانت فيه هذه الاعتقالات، ووصفتها بالتعسفية، مشددة على أن التعبير عن الرأي ليس جريمة، داعية إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين واحترام حقوق الإنسان والتزامات الجزائر الدولية في هذا المجال.
وكانت الساعات الأخيرة قد شهدت مواجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين وسمين متضادين في الجزائر. الأول بعنوان "مانيش راضي" يهاجم السلطة الحاكمة، والثاني بعنوان "أنا مع بلادي"، أطلقه جزائريون رداً على ما اعتبروه حملة تستهدف زرع الفتنة داخل الجزائر.
وتزامن كل ذلك مع تلقي المعارض السياسي كريم طابو استدعاءً للمثول أمام قاضي التحقيق، إذ قالت هيئة الدفاع الموكلة بالدفاع عنه، في بيان، إن هذا الاستدعاء جاء لتذكير طابو بالتزامات الرقابة القضائية المفروضة عليه، وعلى رأسها منعه من النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت أن هذا الالتزام تم فرضه بشكل تعسفي وغير قانوني، إذ لا ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية، خاصة المادة 125 مكرر، مشيرة إلى أن السياسي كريم طابو، الذي اعتاد نشر مقالات سياسية أسبوعية على صفحته الرسمية كل يوم إثنين، حُرم من حقه في التعبير عن آرائه السياسية، سواء بالتصريح أو الكتابة أو النشر.
والمعروف أن طابو يوجد تحت إجراءات الرقابة القضائية منذ فترة، بعد تصريحات له في قناة "المغاربية" شارك فيها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، وهو ما دفع النيابة لمتابعته بعدة تهم، مع تقييده بإجراءات الرقابة القضائية التي تحد من نشاطه السياسي.
وتثير هذه القضايا نقاشا مستمرا بالجزائر حول تعامل السلطة مع ملف الحريات السياسية، وهو الأمر الذي علّق عليه محسن بلعباس، الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، قائلا: إن الجزائر تشهد اليوم واقعا مؤلماً يتمثل في سجن رجال ونساء ليس بسبب ارتكابهم أفعالاً يعاقب عليها القانون، بل بسبب التعبير عن أفكارهم.
وأوضح أن "جريمتهم" الوحيدة هي رفضهم للصمت أمام الظلم، مشيرا إلى أن صحفيين، ونشطاء، وحتى مواطنين عاديين، يُعاقبون لأنهم طرحوا أسئلة، أو نددوا بالفساد، أو طالبوا بالتغيير. وأضاف أن إسكات هذه الأصوات يكشف عن نظام يمارس تعسفاً يتجاوز الأفراد ليطال المجتمع بأسره.
وأكد بلعباس، في تدوينة، أن البلاد شهدت عودة مقلقة للاعتقالات بعد فترة من التهدئة النسبية، حيث باتت تستهدف كل صوت يُعتبر ناقداً أو مخالفا، مشددا على أن هذه الحملة القمعية لا تضرب الأشخاص فقط، بل تضرب في جوهرها فكرة التعددية وحرية التعبير، ما يمثّل خطوة خطيرة إلى الوراء تهدّد طموح المجتمع نحو العدالة والكرامة.
وأضاف السياسي المعارض أن "القبول بهذه الاعتقالات يعني القبول بأن تصبح حرية التعبير امتيازا وليس حقا، وهو أمر يتعارض مع تاريخ الجزائر الذي بُني على النضال من أجل العدالة والكرامة"، مضيفا أن الجزائر لا يمكنها أن تخون هذا الإرث عبر سجن الأفكار التي من المفترض أن تُغني الحوار الوطني، لا أن تملأ السجون.