أدخلت الاختراقات المتواصلة للدبلوماسية المغربية ونجاحها في إحداث تغيير عابر للقارات في مواقف الدول الداعمة للطرح الانفصالي في الصحراء المغربية؛ الجزائر في صراع محموم ضد الزمن من أجل إيجاد مخرج سياسي يحفظ ماء وجه نظامها، خاصة مع تلاشي أطروحاتها الوهمية للدفاع عن جبهة "البوليساريو" وافتقادها للشرعية الدولية، لذلك توجه رئيسها عبد المجيد تبون أول أمس إلى إيطاليا في محاولة لكسر عزلة بلاده وإيجاد حل للأزمة المتفاقمة مع الاتحاد الأوروبي، غير أن أجندة تبون إلى روما لم تكن تحمل التوقيع على اتفاقات، تفتح آفاق شراكة اقتصادية جزائرية إيطالية، فحسب؛ بل أيضا محاولة تأليب الحكومة اليمينية بزعامة جورجيا ميلوني ضد المغرب، والسعي نحو انتزاع موقف معاد للرباط في قضية الوحدة الترابية، بتبني نفس مقاربتها للنزاع المفتعل.
ويظهر سعي الجزائر بشكل واضح لاستغلال وجود حكومة يمينية في إيطاليا قريبة منها وترتبط معها بمصالح اقتصادية من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية، ومنها تلك التي لها ارتباط بقضية الصحراء، في تعمد خلال القمة الجزائرية الإيطالية التي عقدت في العاصمة روما يوم 23 يوليوز، الحديث عن وجود "دعم مشترك" بين الجزائروإيطاليا لمبعوث الأممالمتحدة "من أجل إيجاد حل سياسي عادل لقضية الصحراء، يمكّن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير قابل للتصرف في تقرير المصير"، بينما في الواقع خلا البيان الرسمي من أي إشارة إلى الدعم المزعوم ل"تقرير المصير"، مكتفيا بالتأكيد على تأييد الأممالمتحدة لإيجاد حل سياسي واقعي ومقبول من جميع الأطراف للنزاع.
وبذلك، يكون تبون قد عاد بخفي حنين من جولته إلى إيطاليا التي كانت تهدف في جزء منها إلى حشد الدعم للجبهة الانفصالية "البوليساريو"، عبر إبرام اتفاقيات مع هذا البلد الأوروبي الذي يحتاج إلى الغاز الطبيعي بعد الطلب الكبير عليه إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يمثل خيبة أمل كبيرة للأوساط السياسية الجزائرية التي كانت تراهن على هذه الزيارة الرسمية لاقتناص دعم إيطاليا التي تمر بأزمة سوسيو اقتصادية.
في المقابل، يرى مراقبون في عدم انجرار إيطاليا خلف الأجندة الجزائرية المفروشة، موقفا إيجابيا بالنسبة للمغرب، خاصة وأن الحكومة اليمينية حرصت في مناسبة سابقة على طمأنة المغرب بشأن خيارها تعزيز العلاقات الثنائية، إذ كان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإيطالي أنطونيو تاياني قد أشاد في مكالمة هاتفية مع نظيره المغربي ناصر بوريطة ب"الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في استقرار المنطقة المتوسطية، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب"، كما أكد الوزير الإيطالي أن "روما مستعدة للعمل مع الرباط".