BBCتروي الطفلة الفلسطينية فايزة قدورة، ابنة الثلاثة عشر عاماً ونيف، كيف تحطمت أحلامها على عتبة خيمتها التي قُصفت في غزة "كنت جالسة أتكلم مع زوجة خالي، وفجأة عيوني شافت طيارة بتقرب منا، ما إن حذرت أهلي، حتى وجدت شيئاً انفجر، وجدت وجهي غارقاً في الدماء، وكانت هذه آخر مرة أرى فيها شيئاً بعيني إلي راحت". هكذا تروي الطفلة الفلسطينية فايزة قدورة، ابنة الثلاثة عشر عاماً ونيف، كيف تحطمت أحلامها على عتبة خيمتها التي قُصفت في غزة، لتسرق منها شظايا الحرب نور إحدى عينيها، وتتركها ترى العالم من نافذة واحدة، مثقلة بجروح الجسد والروح. تضيف فايزة: "لم أتحرك من مكاني من هول الصدمة، ولم أنطق بكلمة، انشغلت أسرتي بنقل الجرحى للمستشفى، إذ جرح في هذا القصف العديد من أفراد عائلتي، إلى أن انتبهت لي إحدى الجارات، وصرخت في أمي بأنني مصابة، فهرولت أمي إلي، وحملتني للمستشفى وهي تصرخ: "حدا ينقذ عين بنتي" قصة فايزة هي واحدة من قصص المصابين التي تحدث يوميا في غزة، فقبل خروجه عن الخدمة بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول 2025، أفاد مستشفى العيون في غزة بأنّه تم تسجيل نحو 4,000 حالة مهددة بفقدان البصر، بالإضافة ل 1,500 حالة فقدان تام أو جزئي للبصر نتيجة إصابات مباشرة. تسترجع فايزة ذكرياتها قبل إصابتها قائلة: "كنت أحب الرسم كثيراً، والخروج مع صديقاتي. والتصوير وأعتز بصوري كثيراً. كنت أحب الذهاب إلى المدرسة وأحببت الدراسة كثيراً، وكنت أحلم بأن أصبح طبيبة. كنت أرى كل هذا بعينيّ الاثنتين، أما الآن فأرى بعين واحدة فقط، وهذا الأمر أحبطني للغاية" BBCيحاول والد فايزة تشجيعها ولعب الشطرنج معها وجعلها تربح اللعبة رحلة الأب المحفوفة بالمحاولة يسرد والد فايزة، مروان عبد الله قدورة، تفاصيل اليوم المشؤوم، والرحلة المضنية بحثاً عن علاج بات مستحيلاً داخل القطاع المحاصر، حيث يروي لنا بأسى: أصيبت فايزة في يوم 23 يوليو/تموز عام 2024 بإصابة في العين اليسرى وسبع شظايا في الكتف، في اليوم التالي للإصابة خضعت لعملية جراحية قمنا فيها بخياطة الجرح الأمامي للعين لوقف النزيف الخارجي، فقد دخلت شظيتان إلى محجر العين، واخترقت شظية أخرى العين، واستقرت في عظام أمام المخ، أما الجرح الخلفي للعين فبقي دون علاج، لأنه لا يمكن معالجته داخل قطاع غزة" وعن السبب يضيف قدورة: "زارنا وفد طبي بريطاني ضم طبيب عيون، صرح بأن إجراء أي عملية جراحية لفايزة داخل قطاع غزة، قد يؤدي إلى تلف العين كلياً، وأنه لا يمكن حتى إجراء عملية تجميلية للعين داخل القطاع." يقول والد فايزة إنها تواصل العلاج باستخدام قطرات العين، لكنّ للأسف، نادراً ما تتوفر هذه الأدوية في المستشفيات، فاضطر للبحث عنها في عدة صيدليات بسبب النقص الكبير في الأدوية الناجم عن الكم الهائل من الإصابات، يقول قدورة: "أطباؤنا لا يُلامون، لأن الإمكانيات غير متاحة، وهذا أقصى ما في وسعهم". محاولات إخراج فايزة من غزة للعلاج اصطدمت بجدار الواقع المرير، حسبما يؤكد والدها لنا: "تقدمنا عبر منظمة الصحة العالمية بطلب تحويل طبي، وقُيمت حالة فايزة ميدانياً، ثم أرفقنا تقريراً طبياً مفصلاً ما رفع حالة الفتاة إلى مستوى "طوارئ لإجلاءٍ عاجل"، لكن المعابر مغلقة حاليّاً، ولا يمكن إجلاء أي طفل بعد استنفاد كل السبل وباءت كل محاولاتنا بالفشل، لكنني أناشد من خلالكم بأن يتم إجلاء ابنتي لأي مستشفى في العالم ترى حالتها وتتعاطف معها وتتولى علاجها" * "الجوع يأكلنا أكلاً": صور لغزيين قبل الحرب وبعدها بعامين أحلام معلقة خلف عين مغلقة تعود فايزة لتصف لنا كيف غيرت الإصابة مجرى حياتها اليومية، وكيف انطفأت مواهبها وأحلامها الصغيرة:"قبل الحرب، كانت هوايتي الرسم، وكنت أرسم كثيرًا. وكانت صديقاتي يخبرنني بأن رسوماتي جميلة جدًا، لكن حالياً توقفت عن الرسم، فكلما حاولت التركيز عليه تؤلمني عيني ويصيبني صداع، لأن كل تركيزي البصري أصبح على عين واحدة فقط، فلا أستطيع الاستمرار، كما أخاف ألا تخرج الرسمة بشكل جيد، ما زاد من توتري وقلقي. كنت أحب أيضاً التقاط الكثير من الصور وأنشرها على تيك توك، لكنني توقفت عن ذلك وأنا على هذه الحال، فلم أعد أحب هذا الأمر." تقول فايزة إن والدها يحاول تشجيعها على تحسين مزاجها السيء جراء الإصابة: "أحضر لي والدي لعبةً الشطرنج، علمني وفي أول مباراة فزتُ عليه، لكنني كنت أشعر أنه كان يريدني أن أفوز. لقد كان يعرف اللعبة، وكان بإمكانه أن يفوز عليَّ أكثر من مرة، لكنه كان يتغاضى عن بعض الأخطاء لكي يخسر هو. وكنتُ أفرح جدًا بهذا الأمر، فقد كان ذلك شيئًا يُخرجني من حالتي النفسية ويجعلني سعيدة، فأنسى كل ما حدث لي وأنسى ما حدث لعيني". أما عن حلمها الكبير، ترى فايزة أنه أصبح بعيد المنال: "حلمي منذ أن كنت صغيرة أن أصبح طبيبة ماهرة وناجحة، أن أعالج المرضى، وأساهم في إنقاذ حياة طفل. كنت أتمنى أن أسافر للخارج وأتحدث لغات مختلفة، لكن بسبب إصابتي في عيني، أشعر أن كل أحلامي قد تحطمت، هل شاهدتم يوما طبيبا بعين واحدة؟!" هكذا تسأل فايزة مستنكرة، وتؤكد أن العزلة أصبحت عالمها الجديد: "عندما أخرج إلى الناس، أشعر أن الجميع يلاحظ أنني قد فقدت عيني اليسرى، وأنني أرى بعين واحدة فقط، وعيني تبدو مغلقة قليلاً. أود أن أعود للرسم مرة أخرى، أود أن ألتقط الكثير من الصور لي ولصديقاتي، أود أن أخرج من البيت وأعيش حياتي كما كنت، لكنني منذ الحادثة لم أعد أخرج سوى إلى المستشفى فقط، لا أحب أن يراني أحد على هذا النحو. أمنيتي الوحيدة أن آعود لأرى بعيني الاثنتين جيداً مرة أخرى". * "هند رجب الجديدة": ما الذي حدث للمعلمة غادة رباح التي استنجدت من تحت أنقاض منزلها المدمر بمدينة غزة؟ BBCتتمنى فايزة أن تُشفى من إصابتها وتصبح طبيبة أراها تتهدم أمام عيني يشاهد الأب مروان ما بناه في ابنته لثلاثة عشر عاماً ينهار أمام عجزه، ويروي كيف كانت فايزة "زهرة البيت"، يقول إنها "كانت طفلة كثيرة الحركة، وكانت دائماً تمزح مع كل فرد في المنزل، وإذا غابت عن البيت يبحثون عنها، فهي زهرة البيت، كنت رفيقها وكانت صديقتي، كنا نلعب ألعاباً معاً، وأجعلها تفوز عليّ، لأنني أهتم بتقوية شخصيتها، فهي شخصية قوية، وقد أسميتها على اسم أختي الأقوى شخصية بين شقيقاتي، لكن اليوم، بعد إصابتها، بدأت قوة شخصيتها تتراجع، كل ما بنيته خلال ثلاثة عشر عاماً من عمرها أراه ينهار أمامي، أراها تتهدم أمام عيني بسبب عدم إرسالها للعلاج خارج غزة." يحاول الأب يائساً أن يرمم ما انكسر في روح ابنته حيث يقول: "أحاول أن أشجعها وأقول لها إن من يفقد شيئاً يعوضه الله بأشياء أخرى، هذه الإصابة لم تغيّرك، أنت فقدت شيئاً، فلا بد أنك سوف تكتسبين أشياء أكثر." دعاء أم موجوعة أما والدة فايزة، فاتن يوسف المدهون، فترى انعكاس إصابة ابنتها على كل تفاصيل حياتهما اليومية: "كانت ابنتي تحب دائماً مساعدتي في كل شيء، سواء في ترتيب المطبخ أو في أعمال المنزل، لكن الوضع تغير بعد إصابتها. كلما حاولت ابنتي مساعدتي تصرخ من الألم في رأسها، ولا تستطيع التركيز على أي شيء تفعله. ساءت حالتها لدرجة أنها لم تعد قادرة على الوقوف معي أو القيام بأي نشاط." وبقلب الأم الذي يعتصره الألم، تطلق فاتن نداءً من أجل ابنتها: "الحمد لله على كل حال، نحن نحمد الله مهما حدث لنا، ولكننا نناشد الجميع أن ينظروا إلى هذه الطفلة بعين الرحمة والرأفة. ابنتي كثيراً ما تجلس وحدها، تبكي، وتنظر إلى عينها المصابة بحزن شديد. أسأل الله ألا تتألم أي أم على طفلها كما اتألم على ابنتي، وأتمنى ألا يمر أحد بما أمر به". فايزة واحدة من بين قائمة لأكثر من 14,800 حالة حرجة بحاجة للعلاج خارج غزة بحسب منظمة الصحة العالمية، قائمة من مصابين وجرحى ينتظرون فتح بوابة معبر رفح المغلقة منذ السابع من مايو/أيار 2024 * حرب غزة: هل يدفع الأطفال ثمن الحرب من أعمارهم؟ * إطلاق النار على الرأس والصدر، تحقيق في وقائع قتل أطفال في غزة * بي بي سي لتقصي الحقائق: نحو 100 ضربة جوية إسرائيلية استهدفت "المنطقة الإنسانية" في غزة