في لحظة إقليمية مشحونة بالتحولات، اختارت توغو أن تفتح صفحة جديدة في علاقاتها العسكرية عبر بوابة موسكو، في خطوة تُقرأ على نطاق واسع باعتبارها تحولا استراتيجيا يقلق باريس، التي ترى نفوذها التقليدي في المنطقة يتآكل أمام تمدد الحضور الروسي.
فقد حل الرئيس التوغولي فوري غناسينغبي ضيفا على الكرملين، في أول زيارة له إلى روسيا منذ ست سنوات، حاملا معه ملف التعاون الأمني الذي تصدّر مشاوراته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووفق ما أعلنته السلطات التوغولية، فقد وضع الطرفان اللمسات الأخيرة على اتفاقية تعاون عسكري تُعد الأولى من نوعها بهذا المستوى بين البلدين.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التهديدات القادمة من منطقة الساحل، والتي جعلت لومي تبحث عن شركاء جدد قادرين على تقديم دعم عملي في مجالات التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتجهيزات التقنية والطبية، إضافة إلى المشاركة في تدريبات مشتركة.
وقال وزير الخارجية التوغولي، روبرت دوسي، إن بلاده تتطلع إلى "شركاء موثوقين، قادرين على الانخراط في تعاون قائم على المصالح المتبادلة"، في إشارة واضحة إلى رغبة لومي في تنويع تحالفاتها بعيدا عن الارتباط التاريخي بفرنسا.
وبحسب تقارير إعلامية، فقد اتفق الطرفان على فتح سفارتين في موسكو ولومي ابتداء من سنة 2026، رغم مرور 65 سنة على العلاقات بين البلدين من دون تمثيل دبلوماسي مباشر.
لكن وراء هذا الانفتاح الدبلوماسي، تقرأ دوائر المتابعة الإقليمية رسالة أعمق: توغو تبحث عن تموقع جديد في خريطة النفوذ الدولي داخل غرب إفريقيا، وتسعى إلى لعب دور وساطة في ملفات حساسة، بينها التوتر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي المقابل، ترى موسكو في التعاون مع توغو فرصة لتوسيع استراتيجيتها الإفريقية، التي تسارعت وتيرتها منذ الحرب في أوكرانيا، عبر مضاعفة اتفاقياتها العسكرية في القارة، من مالي وإفريقيا الوسطى إلى الكاميرون وأنغولا.
غير أن باريس تراقب المشهد بحذر. فبعد خمسة وستين عاما من التعاون العسكري مع لومي، تبدو الاتفاقية الجديدة كتحد إضافي لنفوذها المتراجع في الساحل وغرب إفريقيا.
وفي ظل السباق الدولي نحو القارة الإفريقية، ومع اشتداد المنافسة بين القوى الكبرى، تبدو لومي كمن يوزّع أوراقه بعناية، بحثا عن توازن جديد يضمن أمنه في منطقة لا تهدأ اضطراباتها.