عادت قضية "الإجهاد المائي" لتتصدر واجهة النقاش الاقتصادي في طنجة، مدفوعة ببيانات رسمية وتقارير مخاطر حديثة ربطت لأول مرة وبشكل مباشر بين تراجع مخزون المياه وبين مستقبل التنافسية الصناعية في "عاصمة البوغاز"، التي تعد اليوم القطب الاقتصادي الثاني في المملكة. واستندت هذه المخاوف بشكل رئيسي إلى "نشرة الوضعية اليومية للسدود" الصادرة عن وزارة التجهيز والماء، والتي قدمت أرقاما دقيقة كشفت عن تراجع حاد وغير معتاد في حقينة المنشآت المائية الاستراتيجية بحوض اللوكوس. وسجل كل من سد "9 أبريل 1947" وسد "ابن بطوطة"، اللذين يشكلان "شريان الحياة" للمدينة ونواحيها، مستويات ملء متدنية مقارنة بالمعدلات المسجلة في نفس الفترة من السنوات الماضية، مما وضع المنطقة تحت مجهر الرصد الدقيق من قبل دوائر القرار. وتقاطعت هذه البيانات الهيدروليكية المحلية مع تحليلات وردت في مذكرات "مخاطر الدول" (Country Risk Updates) التي تصدرها دوريا وكالات التأمين الائتماني ومؤسسات التصنيف المالي العالمية. وأشارت هذه الهيئات في تحديثاتها الأخيرة الخاصة بشمال إفريقيا إلى أن "ندرة المياه" لم تعد تصنف مجرد تحد بيئي موسمي، بل تحولت إلى "عامل مخاطرة تشغيلي" يهدد استقرار سلاسل التوريد في المناطق الصناعية الكبرى، خاصة تلك التي تحتضن صناعات كثيفة الاستهلاك للماء، مثل قطاع أجزاء السيارات والنسيج والصناعات الغذائية. ولا يقف الأمر عند حدود التوفر المادي للمادة الحيوية، بل يتعداه وفق خبراء الاقتصاد إلى التزام الشركات متعددة الجنسيات المستقرة في "طنجة المتوسط" و"طنجة تك" بمعايير "المسؤولية الاجتماعية والبيئية" (ESG). وتفرض هذه المعايير الصارمة على المصانع الكبرى ضمان عدم استنزاف الموارد الطبيعية المحلية للمناطق التي تنشط فيها، وهو ما قد يدفع بعض المستثمرين إلى التريث في المصادقة على خطط توسيع الوحدات الإنتاجية لعام 2026، تفاديا لأي انتقادات دولية أو اضطرابات في الإنتاج. وأمام هذه المؤشرات المقلقة، سارعت السلطات العمومية إلى طمأنة الأسواق عبر تسريع وتيرة الحلول الهيكلية. ويبرز في هذا السياق مشروع محطة تحلية مياه البحر بطنجة، ومشروع "الطريق السيار المائي" للربط بين حوضي سبو وأبي رقراق وصولا للشمال، كخيار استراتيجي عاجل يهدف إلى "تحصين" الدورة الاقتصادية للمدينة وفصلها نهائيا عن تقلبات نشرات السدود ومخاطر المناخ التي ترصدها الهيئات الدولية، لتظل طنجة منصة جذب آمنة لرؤوس الأموال.