1. الرئيسية 2. اقتصاد من رحم العقوبات خرجت الشراكة.. كيف تحوّل المغرب إلى معبر روسي نحو إفريقيا والمحيط الأطلسي في غمرة الحرب الاقتصادية الغربية عليها؟ الصحيفة - خولة اجعيفري السبت 18 أكتوبر 2025 - 21:20 برزت موسكووالرباط في الأيام القليلة الماضية، كفاعلين يسعيان إلى ترميم التوازنات الدولية من خلال شراكات متوازنة واستراتيجية، تُخرج العلاقات الثنائية من الطابع البروتوكولي إلى مستوى التحالف الاقتصادي والدبلوماسي الفعلي، وهو ما كشفه نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري باتروشيف وهو يبرز أن حجم التبادل التجاري بين المغرب وروسيا ارتفع بنحو 30 في المائة خلال النصف الأول من سنة 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يجعل الرباط من أهم الشركاء التجاريين لموسكو في القارة الإفريقية. هذا المعطى الذي أعلن عنه خلال أشغال الدورة الثامنة للجنة الحكومية الروسية - المغربية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني، بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، يعكس المنحى التصاعدي الذي تعرفه العلاقات الثنائية بين البلدين، في سياق دولي متقلب يعاد فيه رسم خرائط النفوذ والتحالفات إذ تأتي هذه الأرقام في وقت تعرف فيه الدبلوماسية المغربية نشاطا مكثفا لتعزيز شراكاتها خارج الدائرة الأوروبية التقليدية، فيما تبحث روسيا عن منافذ اقتصادية وسياسية جديدة داخل إفريقيا لتخفيف آثار العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. وفي خضم هذا التلاقي البراغماتي، برز المغرب كمنصة اقتصادية ولوجستية واعدة بالنسبة لموسكو، التي باتت من جهتها تُقدّم نفسها كشريكٍ استراتيجي بديل يمنح الرباط هامشاً أكبر في تنويع شركائها الدوليين. وهذا المؤشر غير المسبوق يعكس حجم الرهان الذي تراهن عليه موسكو في توسيع حضورها داخل القارة الإفريقية، واختيار المغرب بوابتها الأطلسية الرئيسية نحو الجنوب وهو ما أبرزته جليا الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى موسكو منتصف أكتوبر، حيث التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، وشارك في افتتاح الدورة الثامنة للجنة الحكومية المشتركة بين البلدين ضمن لقاء لم يكن عادياً في سياقه ولا في توقيته، إذ جاء بعد أشهر من نشاط دبلوماسي مكثف قاده المغرب في القارة الأوروبية والأمريكية لتثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية وتوسيع شبكة داعمي مقترح الحكم الذاتي وفي الوقت الذي ضمن فيه المغرب دعم الولاياتالمتحدة وبريطانيا وحياد الصين، كان من الضروري تأمين موقف روسي متوازن، لاسيما وأن موسكو تستعد لتولي رئاسة مجلس الأمن خلال الدورة الحالية، ما يجعل حيادها الإيجابي أو دعمها لمبادرة الحكم الذاتي عاملاً حاسماً في إعادة هندسة مواقف القوى الكبرى من النزاع الإقليمي. وخلال جلسات اللجنة المشتركة التي ترأسها بوريطة إلى جانب نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري باتروشيف، أعلنت موسكو رسميا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بنحو الثلث في النصف الأول من العام الجاري، مؤكدة أن المغرب يحتل إحدى المراتب الأولى بين شركاء روسيا في القارة الإفريقية. وأوضح باتروشيف أن بلاده، رغم الظروف الجيوسياسية المعقدة والعقوبات الغربية المفروضة عليها، ترى في المغرب شريكا استراتيجيا تقليديا وأن الحوار الثنائي يواصل تعزيزه في إطار إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة الذي تم توقيعه سنة 2016 بين الملك محمد السادس والرئيس فلاديمير بوتين وهذا التصريح لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل تزامن مع توقيع ثلاث اتفاقيات جديدة تتعلق بالصيد البحري والتجارة والطاقة، وتجديد اتفاق يسمح للسفن الروسية بالعمل في المياه الأطلسية المغربية وفق ضوابط محددة. البيانات الرسمية الروسية أبرزت أن مجالات التعاون بين البلدين تشمل الصناعة والفلاحة والطاقة والنقل واستغلال الموارد الطبيعية، وهي قطاعات تشكل عماد الاقتصاد المغربي وتجد في الشراكة مع موسكو فرصة لتنويع الشركاء بعيداً عن الهيمنة الأوروبية التقليدية فالمغرب الذي تربطه بالاتحاد الأوروبي علاقات متشابكة يعيش منذ سنوات توترا مكتوما مع مؤسسات الاتحاد بسبب قرارات المحكمة الأوروبية المتعلقة باتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، وهو ما جعل الدبلوماسية المغربية تتحرك بهدوء نحو بناء توازنات جديدة تتيح له هامش مناورة أكبر على الصعيد الدولي دون الاصطدام المباشر مع بروكسيلوروسيا من جهتها تبحث عن شركاء موثوقين في إفريقيا لتعويض الأسواق الغربية التي فقدتها نتيجة العقوبات، والمغرب يملك من المقومات الجغرافية والمؤسساتية ما يجعله مرشحا مفضلاً لذلك الدور. على الصعيد الجيوسياسي، تكتسب هذه الزيارة أهمية مضاعفة لأنها تأتي في سياق إعادة تشكيل موازين القوى داخل القارة الإفريقية فبعد أن رسخت موسكو حضورها العسكري والسياسي في دول الساحل وإفريقيا الوسطى، يبدو أنها تتجه نحو شراكات اقتصادية أكثر استقرارا مع الدول التي تتمتع بهياكل مؤسساتية قوية، مثل المغرب ومصر وجنوب إفريقيا. وفي هذا السياق، يدرك الكرملين أن موقع المغرب الاستراتيجي المطل على الأطلسي والمتصل بأوروبا وإفريقيا يجعله بوابة مثالية لتعزيز النفوذ الروسي في المنطقة من دون إثارة حساسيات سياسية كبرى، خاصة وأن الرباط تتبنى سياسة خارجية براغماتية قائمة على مبدأ التوازن وعدم الانحياز أما بالنسبة للمغرب، فإن توسيع علاقاته مع روسيا يمثل جزءا من استراتيجية "تنويع الشركاء" التي دشنها الملك محمد السادس منذ أكثر من عقد، والتي تهدف إلى تحرير القرار الاقتصادي والدبلوماسي المغربي من الارتباط الأحادي بالاتحاد الأوروبي. وفي خلفية هذا التقارب، يبرز بعد رمزي لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي فالمغرب وروسيا رغم اختلاف نظاميهما السياسيين، يشتركان في الدفاع عن مفهوم السيادة الوطنية ورفض الإملاءات الخارجية وهو ما يفسر جزئياً الانسجام المتزايد في مواقف البلدين داخل المنتديات الدولية ومن هنا يمكن فهم تصريحات لافروف التي قال فيها قبل أيام من زيارة بوريطة، إن بلاده تعتبر المغرب "شريكا مهماً في القارة الإفريقية"، وإن أي حل لقضية الصحراء يجب أن يكون في إطار قرارات الأممالمتحدة ومتوافقا مع جميع الأطراف إذ أن هذه الصيغة المتوازنة تمنح للمغرب هامشا إضافياً للتحرك وتؤكد أن موسكو باتت تنظر إلى الرباط كفاعل مسؤول قادر على التفاعل الإيجابي مع القضايا الإقليمية دون الانخراط في محاور عدائية. لكن خلف هذه المؤشرات الإيجابية، تظل هناك تحديات لا يمكن تجاهلها فالمسافة الجغرافية، وغياب خطوط لوجستية مباشرة وفعالة، والعقوبات المالية المفروضة على روسيا كلها عوامل قد تؤثر في وتيرة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة كما أن المغرب مطالب بالحفاظ على توازنه الدقيق بين شراكاته الأوروبية التقليدية وتحالفاته الجديدة، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك التجاري الأول للمملكة ومن جهة أخرى، فإن الرهان الروسي على تنمية التجارة مع إفريقيا في أفق مضاعفتها بحلول 2030 يتطلب إطارا مؤسساتيا قويا لضمان الاستمرارية والاستثمار في البنى التحتية والأنظمة المالية، وهي مجالات لا تزال في بداياتها بين الرباطوموسكو. ومع ذلك، فإن المؤشرات المتراكمة تدل على أن العلاقات المغربية الروسية دخلت مرحلة جديدة عنوانها الواقعية السياسية والمصالح المتبادلة فبعد سنوات من الفتور النسبي، أصبح الطرفان يتحدثان بلغة الأرقام والمشاريع لا البيانات الإنشائية وفي ظل التحولات العالمية نحو نظام متعدد الأقطاب، يدرك المغرب أن الانفتاح على روسيا لا يعني القطيعة مع الغرب، بل تأسيس توازن استراتيجي يحمي مصالحه الوطنية ويمنحه موقعا تفاوضيا أقوى في الساحة الدولية أما موسكو، فترى في الرباط شريكا موثوقا ومستقرا يمكن التعويل عليه لبناء نموذج تعاون اقتصادي وسياسي مختلف عن علاقاتها التقليدية في إفريقيا. والزيارة الأخيرة لبوريطة إلى موسكو، تؤكد أن المغرب ماض في سياسة الانفتاح الذكي على القوى الدولية الصاعدة، وأن روسيا بدورها تسعى إلى إعادة بناء تحالفاتها بعيدا عن محور الشرق المتوتر فيما ومع ارتفاع التبادل التجاري بنسبة 30 في المائة وتوقيع اتفاقيات جديدة في الطاقة والصيد والنقل، يبدو أن الشراكة بين البلدين تسير نحو تكريس نفسها كأحد النماذج القليلة في القارة التي تجمع بين المصالح الاقتصادية والاحترام السياسي المتبادل وهذا يعني علاقة تتجاوز البراغماتية إلى بناء توازن جديد بين موسكووالرباط، عنوانه المصالح قبل الاصطفافات، والوقائع قبل الشعارات.