أثار اعتماد مجلس الأمن الدولي، في 31 أكتوبر الماضي، لقرار جديد حول الصحراء، موجة ارتباك وقلق في الجزائر، وفق تحليل للصحفي الجزائري لخضر بنشيبة نُشر على موقع أوريون 21 الفرنسي المستقل، والذي اعتبر أن الصيغة النهائية للقرار 2797 تمثل «تحوّلاً دبلوماسياً» فرضته ضغوط أمريكية آخذة في التصاعد. ويشير بنشيبة إلى أن القرار الأممي، الذي صاغت مسودته واشنطن، أعاد التأكيد نظرياً على مبدأ تقرير المصير، لكنه أدرج بوضوح غير مسبوق الإشادة ب«جدّية» المقترح المغربي للحكم الذاتي بوصفه "الحل الأكثر قابلية للتطبيق". وهو ما اعتبرته الجزائر ابتعاداً عن الصيغة التقليدية التي تُبقي خيار الاستفتاء مفتوحاً.
ورغم تجنّب الدبلوماسية الجزائرية انتقاد الولاياتالمتحدة مباشرة، يقول بنشيبة إن قرار الجزائر عدم المشاركة في التصويت، تفسير "الكُرسي الفارغ"، ولّد موجة تشكيك داخلي حول ما إذا كانت البلاد تواجه منعطفاً استراتيجياً بعد نصف قرن من الدفاع الصارم عن خيار الاستفتاء. ويسجل الكاتب أن الخطاب الرسمي الجزائري حاول التقليل من أهمية التحول، بينما رأت قطاعات من الرأي العام أن واشنطن باتت تمارس «ضغطاً منهجياً» على الجزائر لإعادة صياغة موقفها إزاء النزاع. ويشير بنشيبة إلى أن هذا الضغط يتزامن مع عودة قوية لشركات الطاقة الأمريكية إلى الجزائر و«نشاط دبلوماسي غير مسبوق» للسفيرة الأمريكية في الجزائر. ويكشف تقرير أوريون 21 أن القرار الأممي أعاد إلى السطح تيارين داخل النظام الجزائري: تيار "واقعي" يدعو إلى التخلص من عبء الملف واعتبار خيار الحكم الذاتي أمراً واقعاً؛ في مقابل تيار "أرثوذكسي" يرى في أي تعديل للموقف الرسمي مساساً ب«ركائز الدولة الوطنية» وميراث حرب التحرير. كما يلاحظ بنشيبة أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد أبدى، للمرة الأولى منذ سنوات، استعداد بلاده ل«دعم أي وساطة» بين المغرب وجبهة البوليساريو، شرط أن تتم تحت رعاية الأممالمتحدة. خطوة يصفها الكاتب بأنها "إشارة حذرة" إلى خروج الجزائر من موقعها التقليدي، ولو بشكل محدود. وتوقف الكاتب عند ما وصفه ب«علامات إضافية على إعادة تموضع محتمل»، من بينها تصويت الجزائر لصالح مشروع قرار أمريكي بشأن غزة في 17 نونبر، وهو ما اعتبره معلقون "خطوة غير معتادة" من جانب دولة اعتادت الاصطفاف خارج الموقف الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط. ويخلص بنشيبة إلى أن مستقبل القرار 2797 سيعتمد على مدى استعداد الولاياتالمتحدة لمواصلة الضغط، وعلى قدرة الجزائر والبوليساريو على مقاومة هذا المسار. ويقول إن "القرار ليس اعترافاً ب(مغربية الصحراء)، لكنه يفتح الباب أمام دينامية جديدة تقودها واشنطن، قد تعيد رسم موازين القوى في المنطقة". وينتهي التحليل بالتأكيد أن «الجزائر تجد نفسها اليوم أمام لحظة فارقة»، وأن الأشهر المقبلة ستكشف «ما إذا كانت الدبلوماسية الجزائرية ستواصل التشبث بالعقيدة القديمة، أم ستنخرط في إعادة صياغة تدريجية لمقاربة دامت خمسة عقود».