في مشهد سياسي غير مسبوق منذ انتهاء حقبة الجنرال أوغستو بينوشيه، اختار الناخبون في الشيلي يوم الأحد المرشح اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست رئيسا للبلاد، في نتيجة تعكس ارتفاع منسوب القلق الشعبي من الجريمة وتدفق المهاجرين.
وأشارت شبكة «سي إن إن» إلى أن هذا الانتصار يمثل أقوى ميل نحو اليمين منذ مطلع التسعينيات.
تفوق انتخابي واضح
حصد كاست 58.30% من أصوات الناخبين بعد فرز ما يفوق 95% من الصناديق، متقدما بفارق مريح على منافسته اليسارية جانيت جارا التي نالت 41.70%.
واعترفت جارا بالهزيمة سريعا، مؤكدة في تصريح مقتضب: «الديمقراطية عبّرت عن اختيارها بوضوح... تحدثت إلى كاست وتمنيت له النجاح من أجل الشيلي».
ويمثل هذا الفوز عودة قوية لكاست بعد خسارته في 2021 أمام الرئيس اليساري غابرييل بوريك، في وقت بات فيه جزء كبير من الناخبين يعتبره شخصية أكثر اعتدالا وقدرة على فرض الأمن.
نهج متشدد في ملفي الهجرة والجريمة
بنى كاست حملته على وعود صلبة تتعلق بتشديد الأمن، منها إقامة جدران حدودية وتعزيز قوات الشرطة لتتبع المهاجرين غير النظاميين، مستلهما نماذج من الولاياتالمتحدةوالسلفادور. وزار بالفعل السجون الضخمة التي أحدثها الرئيس نجيب بوكيلي، واعتبرها نموذجا ناجحا في محاربة العصابات.
كما تعهّد بمنح المهاجرين مهلة 92 يوما للمغادرة طواعية، وبعدها سيتم رصد أي تعامل لهم مع الخدمات الحكومية لإلزامهم بالمغادرة.
وفي سانتياغو، احتشد أنصاره في مقار الحملة وهم يلوحون بالأعلام التشيلية ويرتدون قبعات حمراء بعبارة: «لنجعل الشيلي عظيمة مرة أخرى» في تلميح إلى أسلوب دونالد ترامب.
خلفية سياسية وعائلية ثقيلة
كاست ينتمي لعائلة ألمانية-تشيليّة ذات حضور تاريخي في اليمين، وقد تولى شقيقه مناصب في عهد بينوشيه. وبدأ مساره داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المستقل قبل أن ينشق ويؤسس حزبه الجمهوري الذي أصبح واجهة اليمين المتطرف في البلاد.
اقتصاديا، يعِد كاست بقوانين عمل أكثر مرونة، وضرائب أقل على الشركات، وتقليص القيود التنظيمية، مع بعض التعديلات لتفادي آثار التقشف. ويحتفظ كذلك بمواقفه الرافضة للإجهاض، رغم ميل الرأي العام للحفاظ على القوانين الحالية.
داعم ل"إسرائيل"
ويسير كاست في مسار معاكس لسياسات سلفه الرئيس الذي انتهت ولايته، غابرييل بوريك، فيما يتعلق بالعلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فبينما اتخذ الأخير مواقف واضحة إزاء ما تقوم به "إسرائيل" في غزة والأراضي الفلسطينية عموما، منها سحب السفير، والملحقين العسكريين في دولة الاحتلال، يرفض الرئيس الجديد هذا التوجه ويبدي مواقف متعاطفة مع دولة الاحتلال رغم ما تقوم به من إبادة جماعية في غزة.
ومن أبرز تصريحاته المثيرة للجدل تغريدة نشرها على منصة إكس في مارس 2024 اتهم فيها بوريك ب"معاداة السامية" بعد قراره إقصاء "إسرائيل" من معرض جوي الدولي. كما ووصف قرار بوريك بسحب السفير الإسرائيلي للتشاور ب"عار جديد على الشيلي"، مهاجما في الوقت نفسه حركة حماس.
حلقة جديدة في صعود اليمين بالمنطقة
يشكل فوز كاست إضافة جديدة لسلسلة انتصارات يمينية في أمريكا اللاتينية خلال الأعوام الأخيرة: دانيال نوبوا في الإكوادور، ونجيب بوكيلي في السلفادور، وخافيير ميلي في الأرجنتين، وصولا إلى انتخاب رودريغو باز في بوليفيا منهياً حقبة طويلة من الحكم اليساري.
وتشير هذه التحولات المتتابعة إلى مزاج إقليمي جديد يميل نحو حكومات تتبنى سياسات أمنية صارمة، في وقت تبحث فيه الشعوب عن الاستقرار بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.