الغلوسي يرفض "استغلال" الإعلام الجزائري لتصريحاته ويهدد باللجوء إلى القضاء    لوفيغارو: مجلس الأمن قد يستبدل "المينورسو" ب"المنساسو" في أكتوبر المقبل لحل نزاع الصحراء    بركان: توقيف شخص تورط في قضية سرقة من داخل وكالة لتحويل الأموال    مطالب للداخلية بالمنع الكلي للمبيت في المواسم    واتساب تطلق مساعدا للكتابة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي    الركراكي يكشف لائحة المنتخب لمباراتي النيجر وزامبيا.. العيناوي والحرار للمرة الأولى وغياب مزراوي    استقرار الذهب وسط ترقب المستثمرين لمؤشرات مسار الفائدة الأمريكية    ناشطون مغاربة يدعمون بسفينتين "أسطول الصمود العالمي" المتجه لغزة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    غروب فرنسا        تصفيات مونديال 2026.. مباراة الأسود ضد النيجر ستجرى بشبابيك مغلقة    ميسي يقود إنتر ميامي إلى نهائي كأس الدوريات        دفاعًا عن التصوف المغربي الأصيل بيان صادر عن جمعية مولاي عبد السلام بن مشيش للتنمية والتضامن    لذاك المسمار في الصدأ الصدارة / 5من5    كيوسك الخميس | سحب دواء "لوديوميل" من الصيدليات لمخالفته معايير الجودة    جمعية الإعلام والناشرين: مقالات "لوموند" وصمة عار لن تُمحى في تاريخها    الشاف المغربي أيوب عياش يتوج بلقب أفضل صانع بيتزا في العالم بنابولي    أحمد المصباحي يتألق على مسرح The Voice Suisse    في القيصر – لا مكان لا زمان سلوم حداد يعيد إلى الأذهان وجه أمني يعرفه السوريون جيداً    المغاربة يغيرون وجهتهم نحو السيارات الصينية.. الجودة والسعر كلمة السر    أسئلة حارقة فجرها الإحصاء الوطني للماشية الجديد تفرض أجوبة مقنعة    إلياس الحسني العلوي.. شاعر شاب يقتحم المشهد الأدبي ب "فقيد اللذة"    "من صبرا وشاتيلا إلى غزة" .. عندما كتب الفيلسوف الفرنسي دولوز دفاعا عن الشعب الفلسطيني قبل أربعين عاما    كل أعضاء مجلس الأمن باستثناء أمريكا يؤكدون أن المجاعة في غزة "أزمة من صنع البشر"    أمن طنجة يوقف شخصين متورطين في سرقات بالعنف استهدفت نساء    شراكة استراتيجية بين مؤسسة طنجة الكبرى والمعهد الفرنسي خدمةً للشباب والثقافة    الحسيمة.. افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات لفائدة موظفي الأمن الوطني    تقرير: المغرب يضم اليوم 35 شخصاً من أصحاب الثروات التي تتجاوز مائة مليون دولار    حركاس ينتقل رسميا لضمك السعودي    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    تصفيات كأس العالم 2026: مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره النيجري ستجرى بشبابيك مغلقة    "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا        ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة أبي النعيم مؤشر على التحولات الدينية عند المغاربة
نشر في الدار يوم 09 - 07 - 2021

على غرار ما جرى في العديد من أحداث الساحة المغربية خلال العقدين الأخيرين على الخصوص، وخاصة بعد منعطف اعتداءات نيويورك وواشنطن، تظهر بين الفينة والأخرى، واقعة تكشف عن تحولات حقيقية في تديّن المغاربة، وفي القيم الإسلامية المغربية الأصيلة، وفي الثقافة المغربية الوسطية والمعتدلة والبعيدة عن الغلو والتشدد.
ويتذكر الرأي العام المغربي، ما جرى مع تفاعلات بعض الوعاظ أو "الدعاة" المغاربة مع تبعات اعتداءات نيويورك وواشنطن، 11 سبتمبر 2001، عندما صدر رأي ديني لبعض هؤلاء، ومنهم من كان حينها عضواً في مجلس علمي محلي، اصطلح عليه ب"فتوى"، والأمر لا علاقة له بالفتوى، لأن هذه الأخيرة، سوف تصبح مؤسساتية لاحقاً، بعد دخول المغرب مرحلة إعادة هيكلة الحقل الديني، ابتداءً من أبريل 2004.
ويتذكر الرأي العام أيضاً، ما جرى مع تفاعل العديد من الوعاظ والفاعلين الدينيين، بل والرأي العام أيضاً، والذي لا علاقة له أساساً، في غالبيته بالحركات الإسلامية، الإخوانية والسلفية الوهابية وغيرها، مع زيارة بابا الفاتيكان للمغرب، حيث بزغ خطاب ديني متشدد، وصل إلى درجة التشويش على الزيارة، بل وصل الأمر إلى أن أغلب الفاعلين في المؤسسات الدينية التزموا الصمت في معرض التعامل النظري مع الزيارة، ضمن وقائع أخرى، أشرنا حينها إلى أن الأمر يتعلق بظواهر تندرج في باب "أسلمة مخيال المغاربة"، والأسلمة هنا نسبة إلى النزعة الإسلامية الحركية، أو نسبة إلى الإسلاموية، وليست نسبة إلى الإسلام، لأن المغاربة مسلمون، ولا ينتظروا من يُعلمهم الدين.
على هامش وفاة الواعظ أبو النعيم مؤخراً، عاينا الملاحظة ذاتها، من قبيل وصف الرجل بأنه شيخ، أو الحديث عن داعية كان يدافع عن الإسلام، أو الإشارة إلى أنه بالرغم من الاختلاف مع مواقفه، إلا أنه يستحق الاحترام على دفاعه المبدئي عن تلك المواقف، لأن هذا الموقف، أي الدفاع عن المبادئ، أصبح نادراً في الساحة، وتفاعلات من هذه الطينة، تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها التفاعلات المصاحبة لبعض المقالات في المنابر الرقمية.
وأبو النعيم حالة، كما هو معلوم، حالة وعظية فردية، أو حالة دعوية فردية، إحالة على مصطلح الداعية المتداول مشرقياً، بينما في المغرب نتحدث أكثر عن الواعظ، سواء تعلق الأمر بعلامة أو فقيه أو شيخ، وهذه ألقاب لا تطلق على أي كان، ولكن التناول الإعلامي غير المتتبع أو التناول الإعلامي الباحث عن الإثارة، ساهم في إطلاق مجموعة ألقاب على فلان وعلان، وهذه معضلة إعلامية ساهمت في انتشار الكثير من العبث الديني في المغرب خلال العقدين الأخيرين على الخصوص. [عندما نصف الواعظ الشاب حسن الكتاني بأنه "شيخ"، فهذه معضلة علمية وأخلاقية في آن، وأن يصدر الوصف عن عائلته وأصدقائه، فهذا شأنهم، ولكن أن يصدر عن المنابر الإعلامية، معضلة أيضاً، والأدهى أن يصدر في المنابر البحثية، ضمن أمثلة أخرى] خلال العقد الأخير على الخصوص، كان أبو النعيم، يدلي بمواقف دينية متشددة، ومتقلبة، ولكنها لا تخرج عن النهل من المرجعية السلفية الوهابية، أو "السلفية العلمية"، وإن كانت في عدة محطات، كانت تتقاطع مع مواقع التيار المتشدد في هذه السلفية، أي المرجعية "السلفية الجهادية"، ولا زلنا نتذكر رأيه الديني المتطرف ضد الكاتب والروائي عبد الكريم القمش، على هامش ضجة إيديولوجية تورط فيها التيار السلفي الوهابي بالتحديد، وساهمت في كشف تناقضات هذا التيار واختزاله تديّن المغاربة، بسبب صدور مقالة للقمش في صحيفة يومية متواضعة التوزيع أساساً، اعتبرتها هذه الجهالات أنها تضمنت إساءة إلى المصطفى، عليه الصلاة والسلام، بينما سبق للمقالة نفسها، أن صدرت في موقع إلكتروني يحظى بمتابعة كبيرة، وشبه قياسية، ولكن الجهالات نفسها التزمت الصمت، وهذا غيض من فيض المعركة التي تواجهنا جميعاً ضد نتائج تزييف الوعي باسم الدين، سواء مع الخطاب السلفي الوهابي أو الخطاب الإخواني.
ويجب التذكير هنا أيضاً، بأن الحملة على القمش، وصلت إلى تهديده بشكل شخصي، بكل التبعات النفسية على المستهدف وعائلة ومحيطه، والحمد لله أن الأمر لم يصل إلى ما جرى مع فرج فودة أو نجيب محفوظ وأسماء أخرى، ولكن مجرد استحضار هذه الوقائع سيئة الذكر، يُفيد أن مواقف هذه الجهالات، يجب أن تكون جرس إنذار حول تحولات حقيقية وخطيرة، يمر منها التديّن المغربي الأصيل.
هذه مواقفه الشخصية، وهو حرٌ في ترويجها، لولا أن الحرية في القول الديني، تتطلب استحضار محدد المسؤولية، وهو البعد الذي لم يستحضره أبي النعيم في تعامله مع العديد من المؤسسات والشخصيات، خاصة أنها وصلت إلى مرتبة التكفير، وقد ساهمت هذه المواقف الدينية المتشددة لأبي النعيم، في تعرضه للمتابعة القضائية التي تعرض لها، وأفضت إلى الحكم عليه بالسجن النافذ سنة كاملة.
بالعودة إلى المواقف الصادرة أعلاه، يمكن تصنيفها في مقامين اثنين:
بالنسبة للرأي الذي اعتبر أن مواقف أبو النعيم كانت تندرج في سياق الدفاع عن الإسلام، فواضح أن هذا الموقف لا يختلف كثيراً عن الأفق الفقهي والمعرفي والسياسي الذي ميّز الخلافات بين الصحابة في حقبة ما، أي الخلاف الذي أفضى إلى حرب الجمل ومعضلة "الفتنة" التي اشتغل عليه الراحل هشام جعيط في كتاب يحمل العنوان نفسه، لأنه من شأن ترويج هذا الخطاب، التلميح إلى أن باقي الفاعلين الدينيين، في الساحة، وخاصة الفاعلين في المؤسسات الدينية، لا يدافعون عن الإسلام، حسب أهواء مروجي هذا الرأي.
ولا يُفيد هذا الاعتراض أننا ندافع عن أداء المؤسسات الدينية، فهذا موضوع آخر، بدليل إننا نشرنا عدة مقالات نقدية ضد أداء هذه المؤسسات، أقلها المقالات التي توقفت عند أدائها المتواضع مع زيارة بابا الفاتيكان، أو تواضعها في التعامل مع العديد من قضايا الساحة، ولكن الإنصاف هنا، يقتضي التصدي لهذا الرأي أعلاه، الذي يختزل من حيث لا يدري، الأصوات التي تدافع عن الإسلام في خطاب أبو النعيم، ومن شاكلته، في جهل مركب وشبه مقدس لهؤلاء، بأن المغرب بلد مسلم أساساً، وأن حاكمه، وهو ملك، هو أمير المؤمنين أيضاً، وأن هذه أرض أولياء وعلماء وصلحاء، بل إن جهات فيها، تلقب بالولاية والعلم، من قبيل الحديث عن جهة "سوس العالِمة"، من فرط حضور العلماء والصلحاء، ولكن الجهالات الدينية، مُصرة على تجاهل هذه الحقائق التاريخية.
بالنسبة للرأي الذي نوّه بعدم تراجع الرجل عن مواقفه، رغم اختلاف أصحاب هذا الرأي مع طبيعة تلك المواقف، فالملاحظ بداية، أن العديد من مروجي هذا الرأي، هم أتباع حركات إسلامية سابقاً، ونعتقد أن هذا التفاعل يغذي الفرضية التي اشتغلنا عليها سابقاً، مفادها أن التحرر من الانتماء لمشروع إسلامي حركي (إخواني، سلفي وهابي، جهادي.. إلخ)، لا يُفيد أن المعني بتحرر كلياً من تبعات النهل الإيديولوجي من التجربة الإسلامية الحركية، لأن مرحلة ما بعد الانفصال، تتطلب وقتاً بمضاعفات نفسية، بما يُفسر أن مواقف بعض هؤلاء، في التفاعل مع العديد من أحداث الساحة، لا تختلف كثيراً عن مواقف الأعضاء الذين لا زلوا من أتباع مشروع إسلامي حركي، على الأقل في الأشهر أو السنوات الأولى التي تأتي بعد الانفصال.
على صعيد آخر، الزعم بأن الرجل يستحق الاحترام على تمسكه بمبادئه، رغم الاختلاف مع طبيعة تلك المواقف، لا يختلف كثيراً عن الزعم بأننا نختلف مع فاعل متشدد في المواقف، ودفاعه عن تلك المواقف بكل التبعات الميدانية المصاحبة لتلك المواقف، رغم الادعاء أن المعنيين هنا يختلفون مع طبيعة تلك المواقف. هذا قول غير مسؤول بالمرة، ونزعم أنه ينهل من عقل ما قبل "الدولة الوطنية"، وإن زعم أحد هؤلاء، أن المسألة يمكن إدراجها في باب حرية الرأي أو باب الفلسفة السياسية، فلا ضير حينها، ولكن شرط تحمل مسؤولية هذا الخطاب، وهو موقف يرفضه هؤلاء.
الشاهد هنا، أننا وصلنا مع حالة أبي النعيم، إلى بوادر تعاطف مع خطابه هذا عند نسبة من أتباع التديّن السلفي الوهابي من جهة، وتعاطف حتى من مواطنين لا علاقة لها بهذه المرجعية أساساً، وهم أحرار في ذلك، ولكن مواقفه المتشددة، خاصة المواقف التي وصلت إلى مقام التكفير، معضلة قانونية، وعليهم تحمل مسؤولية هذا المعطى.
هذه هي النقاط التي تتطلب الاشتغال أكثر في معرض التعامل مع ما يمكن الاصطلاح عليه ب"ظاهرة أبي النعيم"، وهذا اشتغال مؤرق في الساحة، لأنه سيتطلب البحث في مجموعة من الأسباب التي تقف وراء هذه التحولات في تديّن المغربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي اتضحت في عدة محطات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.